الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط الأصيل
لا خلاف بين الفقهاء في عدم اشتراط رضا الأصيل المكفول عنه لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز ، فكفالته أولى كما قال الفقهاء.
ولكن اشترط أبو حنيفة شرطين في المدين الأصيل: معرفته ، وقدرته على تسليم المكفول به.
ولم يوافقه أكثر الفقهاء ، بل إنهم أجازوا أن يكون المكفول عنه مجهولا كما أجازوا كفالة الدين عن الميت المفلس.
لا خلاف بين الفقهاء في عدم اشتراط رضا الأصيل المكفول عنه لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز ، فكفالته أولى كما قال الفقهاء. ولكن اختلف الفقهاء في مدى حق الكفيل في الرجوع على المكفول عنه إذا كفله بغير إذنه.
وبالرغم من إجماع الأئمة على عدم اشتراط رضا المكفول عنه ، فإنهم اختلفوا في موضعين هما: معرفته ، وقدرته على تسليم المكفول به.
شرط معرفة المكفول عنه:
- اشترط الحنفية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة أن يكون الأصيل معروفا عند الكفيل ، فإذا قال الكفيل: كفلت ما على أحد من الناس ، لا تصح الكفالة ، لأن الناس لم يتعارفوا ذلك. ولأن اشتراط هذا الشرط إنما هو لأجل معرفة المكفول عنه: هل هو موسر أو ممن يبادر إلى قضاء دينه أو يستحق اصطناع المعروف أو لا.
ولا يشترط حضرة الأصيل ، فتجوز الكفالة عن غائب أو محبوس ، لأن الحاجة إلى الكفالة في الغالب تظهر في مثل هذه الأحوال.
وقال الشافعية والحنابلة: الأصح أنه لا يشترط معرفة المكفول عنه ، قياسا على رضاه ، فإنه ليس بشرط. وأما اصطناع المعروف ، فهو معروف ، سواء أكان لأهله أم لغير أهله.
شرط قدرة المكفول عنه على تسليم المكفول به:
هذا الشرط خاص عند أبي حنيفة وهو أن يكون الأصيل قادرا على تسليم المكفول به ، إما بنفسه وإما بنائبه. فلا تصح الكفالة عنده بالدين عن ميت مفلس مات ولم يترك وفاء لدينه ، لأنه دين ساقط ، فلم يصح ضمانه ، كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمة الميت قد زالت بالموت ، فلم يبق فيها دين والضمان عنده: ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة به.
وذهب الصاحبان وجمهور الفقهاء: إلى أنه يصح ضمان الدين عن الميت المفلس ، بدليل حديث أبي قتادة السابق ذكره ، فإنه ضمن دين ميت لم يترك شيئا لوفاء دينه ، والنبي صلى الله عليه وسلم حض الصحابة على ضمان دين الميت في حديث أبي قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ ولأن دين الميت دين ثابت ، فصح ضمانه كما لو خلف وفاء لدينه.
والدليل على ثبوت هذا الدين: أنه لو تبرع رجل بقضائه ، جاز لصاحب الدين اقتضاؤه ، وكذا لو ضمنه حيا ، ثم مات ، لم تبرأ ذمة الضامن ، مما يدل على أنه لم تبرأ ذمة المضمون عنه.
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق ، حيا كان أو ميتا ، مليئا أو مفلسا ، لعموم لفظه فيه ، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء ، فإن خلف بعض الوفاء ، صح ضمانه بقدر ما خلف ، لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه ، كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده ، فلم يبق فيها دين ، والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء ، والنبي صلى الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت ، فصح ضمانه ، كما لو خلف وفاء ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو ضمنه حيا ثم مات ، لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه ، برئت ذمة الضامن ، وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل ، لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه. ولا يعتبر رضا المكفول له ، لأنها وثيقة له ، لا قبض فيها ، فصحت من غير رضاه فيها ، كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض ، فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه ، لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه ، جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن ، فلا يصح ضمان المكره ، لأنه التزام مال ، فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له ، لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له ، وأقره الشارع صلى الله عليه وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه ، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه ، لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح ، فكذا إذا ضمن عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما ، أي للمضمون له والمضمون عنه ، لأنه لا يعتبر رضاهما ، فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما ، وأن يكون في مجلس العقد ، وهو شرط الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس ، وتفريع على مذهبهما أن يكون عاقلا ، فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل ، لأنهما ليسا من أهل القبول ، ولا يجوز قبول وليهما عنهما ، لأن القبول يعتبر ممن وقع له الإيجاب ، ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول ، ومن قبل ، لم يقع الإيجاب له ، فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست شرطا ، لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا ، وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه ، ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر معرفتهما ، ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف المضمون له ، فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك ، ولا تعتبر معرفة المضمون عنه ، لأنه لا معاملة بينه وبينه ، ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو ، وكم هو ، وعلى من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة ، وتجوز عندهم أيضا مع جهالة الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر:{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.