الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استحقاق الأجرة وتملكها
يذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأجرة تملك بالعقد ولكن لا تستقر إلا باستيفاء المنافع شيئا بعد شيء بينما يرى الحنفية والمالكية أن الأجرة لا تملك بالعقد وإنما تلزم جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع.
واتفق الفقهاء على أن للعاقدين أن ينظما طريقة دفع الأجرة ، فلهما أن يتفقا على تعجيلها ، أو تأجيلها ، أو دفعها على دفعات (تنجيمها) .
غير أن هناك حالات يرى فيها الشافعية والحنابلة وجوب تعجيل الأجرة لكي لا يؤول العقد إلى بيع الدين بالدين كما إذا كانت الإجارة في الذمة ، أو لاجتناب الغرر والنزاع كما في حالة كون الأجرة عينا معينة.
يرى الحنفية والمالكية أن عقد الإجارة على المنافع يثبت حكمه شيئا فشيئا ، على حسب حدوث ووجود محل العقد وهو المنفعة ، لأنها تحدث أو تستوفي شيئا فشيئا.
وارتأى الشافعية والحنابلة أنه يثبت حكم الإجارة في الحال ، وتجعل مدة الإجارة في موجودة تقديرا ، كأنها أعيان قائمة.
ويترتب على هذا الخلاف ما يأتي:
أن الأجرة تثبت الملكية فيها بمجرد العقد إذا أطلق عند الشافعية والحنابلة لأن الإجارة عقد معاوضة ، والمعاوضة إذا كانت مطلقة عن الشرط تقتضي الملك في العوضين عقب العقد ، كما يملك البائع الثمن بالبيع.
وأما تأجيل الأجرة وتعجيلها عند الشافعية والحنابلة: فهو أنه إذا كانت الإجارة إجارة ذمة ، فيشترط فيها تسليم الأجرة في مجلس العقد ، لأنها بمثابة رأس المال في عقد السلم ، كأن يقول المستأجر: أسلمت إليك عشرة دنانير في جمل صفته كذا ، يحمل لي متاعي إلى جهة كذا أو يقول: استأجرت منك سيارة بكذا. . الخ لأن تأخير الأجرة حينئذ من باب بيع الدين بالدين ، وهو لا يجوز.
وأما إذا كانت الإجارة إجارة عين: فإن كانت الأجرة فيها معينة ، مثل استأجرتك لتخدمني سنة بهذا الجمل أو بهذه السلعة ، فإنه لا يصح تأجيلها لأن تأجيل الأعيان فيه غرر ، فقد تتلف الأجرة أو تتغير أوصافها فيكون ذلك مدعاة للخصام والنزاع وإن كانت الأجرة في الذمة ، كأن يقول: بجمل صفته كذا ، أو بكتاب بوصف كذا ، فيجوز تأجيلها وتعجيلها. وفي حالة الإطلاق يجب تعجيلها ، كما في عقد البيع ، يصح بثمن حال أو مؤجل.
أما عند الحنفية والمالكية فلا تملك الأجرة بنفس العقد وإنما تلزم جزءا فجزءا ، بحسب ما يقبض من المنافع ، فلا يستحق المؤجر المطالبة بها إلا تدريجيا يوما فيوما ، لأن المعاوضة المطلقة عن الشرط إذا لم يثبت الملك فيها في أحد العوضين ، لا يثبت في العوض الآخر ، لأن المساواة في العقود مطلوبة بين المتعاقدين.
ومتى تجب الأجرة وتملك عند الحنفية والمالكية؟
تجب الأجرة وتملك كلها بأحد أمور ثلاثة:
الأول - بأن يشترط تعجيلها في نفس العقد.
الثاني - بتعجيلها من غير شرط: لأن تأخير التزام المستأجر بالأجرة ثبت حقا له ، فيملك إبطاله بالتعجيل ، كما لو كان عليه دين مؤجل ، فعجله.
الثالث - باستيفاء المعقود عليه: وهو المنافع شيئا فشيئا ، أو بالتمكين من الاستيفاء بتسليم العين المؤجرة إلى المستأجر ، وتسليم المفتاح أيضا ، لأن المستأجر يملك حينئذ المعوض ، فيملك المؤجر العوض في مقابلته ، تحقيقا للمعاوضة المطلقة وتسوية العاقدين في حكم العقد.
واذا تم الاتفاق بين العاقدين على أن الأجرة لا تجب إلا بعد انقضاء مدة الإجارة ، فهو جائز ، لأنه يكون تأجيلا للأجرة بمنزلة تأجيل الثمن.
وأما إذا لم يشترط في العقد شيء فالقول المشهور المتأخر الذي استقر عليه الإمام أبو حنيفة وهو قول الصاحبين: أن الأجرة تجب حالا فحالا ، كلما مضى يوم يسلم المستأجر أجرته ، لأن الأجرة تملك على حسب ملك المنافع ، وملك المنافع يحدث شيئا فشيئا على مر الزمان ، فتملك الأجرة شيئا فشيئا بحسب ما يقابلها.
وبما أن هذه القاعدة توجب تسليم الأجرة ساعة فساعة ، وهو أمر متعذر ، فتقدر الأجرة باليوم أو بالمرحلة استحسانا.