الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيغة الكفالة
اتفق الفقهاء على أن الكفالة لا تنعقد بغير الإيجاب بصيغة تدل على الالتزام ، ولا يجوز أن يشرط الكفيل الخيار لنفسه. أما القبول فهو ليس بشرط عند الجمهور خلافا لما ذهب إليه أبو حنيفة من اشتراط إيجاب من الكفيل وقبول من المكفول له.
وقد تكون الكفالة منجزة أي تترتب آثارها في الحال بمجرد وجود الصيغة مستوفاة شروطها ، كما قد تكون معلقة ، أو مضافة إلى زمن مستقبل. وأجاز الحنفية خلافا للشافعية تعليق الكفالة بشرط ملائم لمقتضى العقد ، كما أجازوا إضافتها لوقت في المستقبل معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة.
وقد ذكر الفقهاء أن الكفالة تصح مطلقة غير مقيدة بحسب حال الدين ، وتصح مقيدة بوصف التأجيل أو بوصف الحلول أي يصح ضمان الدين الحال مؤجلا وضمان الدين المؤجل حالا ، لأن الضمان تبرع ، والحاجة تدعو إليه ، فيصح على حسب ما التزم به الضامن سواء كان أجل الكفالة مماثلا لأجل الدين أو أزيد منه أو أنقص.
الإيجاب والقبول
الأصل في التصرفات الشرعية أن تتم بإيجاب وقبول ، ولهذا ذهب أبو حنيفة ومحمد - وهو رأي عند الشافعية - إلى أن صيغة الكفالة تتركب من إيجاب يصدر من الكفيل وقبول يصدر عن المكفول له ، لأن الكفالة عقد يملك به المكفول له حق مطالبة الكفيل أو حقا ثبت في ذمته فوجب قبوله.
ويترتب على ذلك أن الكفالة لا تتم بعبارة الكفيل وحده سواء كانت الكفالة بالنفس أو بالمال بل لا بد من قبول المكفول له.
وذهب أبو يوسف والمالكية ، والحنابلة ، وهو الأصح عند الشافعية: إلى أن صيغة الكفالة تتم بإيجاب الكفيل وحده ، ولا تتوقف على قبول المكفول له ، لأن الكفالة مجرد التزام من الكفيل بأداء الدين ، لا معاوضة فيه ، بل هو تبرع ينشأ بعبارته وحده ، فيكفى فيه إيجاب الكفيل.
وإيجاب الكفيل يتحقق بكل لفظ يفهم منه التعهد والالتزام والضمان صراحة أو ضمنا ، كما يتحقق بكل تعبير عن الإرادة يؤدى هذا المعنى.
وأما رضا المكفول عنه ، أي الأصيل ، فلا يشترط باتفاق العلماء ، لأن قضاء دين الغير بغير إذنه جائز ، فالتزامه أولى ولأنه يصح الضمان عن الميت اتفاقا ما عدا أبا حنيفة وإن لم يترك وفاء لديه ، بأن كان مفلسا.
الخيار في الكفالة
لا يجوز اشتراط الكفيل الخيار لنفسه ، لأن الكفالة عقد لازم ، لا يناسبها الخيار وهذا ما صرح به فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة ، وغيرهم ، فإنهم قالوا: لا يثبت في الضمان والكفالة خيار لأن الخيار لدفع الغبن ، وطلب الحظ ، أي جعل ليعرف ما فيه الحظ ، والضمين والكفيل على بصيرة أنه مغبون ولا حظ لهما.
ولهذا يقال (الكفالة أولها شهامة وأوسطها ملامة ، وآخرها غرامة) ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول ، فلم يدخله خيار كالنذر.
قال ابن قدامة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لا نعلم عن أحد خلافهم.
وقال أبو حنيفة إذا اشترط الكفيل الخيار في الضمان صح الضمان وبطل الشرط.
الكفالة المعلقة
الكفالة المعلقة هي التي يعلق وجودها على وجود شيء آخر.
وقد ذهب الحنفية والمالكية وفي رواية عند الحنابلة إلى أن الكفالة تكون صحيحة إذا علقت على الشروط الملائمة ولا تكون صحيحة إذا علقت على شرط غير ملائم ، بينما منع الشافعية تعليق الكفالة بشرط.
والشرط الملائم عند الحنفية هو:
- الشرط الذي يكون سببا لوجوب الحق ، كقول الكفيل للمشترى: أنا كفيل لك بالثمن إذا استحق المبيع.
- أو الشرط الذي يكون سببا لإمكان الاستيفاء ، كقول الكفيل للدائن: إذا قدم فلان (أي المكفول عنه) فأنا كفيل بدينك عليه.
- أو الشرط الذي يكون سببا لتعذر الاستيفاء ، كقول الكفيل للدائن: إن غاب فلان (أي المدين) عن البلدة فأنا كفيل بالدين.
- كما ذهب الحنفية إلى صحة الكفالة المعلقة بشرط جرى به العرف ، كما لو قال الكفيل: إن لم يؤد فلان ما لك عليه من دين إلى ستة أشهر فأنا له ضامن.
أما إذا علقت الكفالة على شرط غير ملائم ، كقوله: إن هبت الريح أو إن نزل المطر أو إن دخلت الدار فأنا كفيل ، فلا تصح الكفالة لأن تعليق الكفالة على شرط غير ملائم لا يظهر فيه غرض صحيح. ومع ذلك فقد ذهب بعض فقهاء المذهب الحنفي إلى صحة الكفالة فتثبت حالة ويلغو التعليق.
وخلافا لما ذهب إليه الجمهور من الأخذ بجواز تعليق الكفالة بالشرط الملائم ، وهو ما يساعد الكفيل المتبرع بأن يكون على بينة من أمره فلا يلتزم ولا يتحمل أكثر مما يطيقه. فقد منع الشافعية تعليق الضمان والكفالة سواء أكان الشرط المعلق عليه ملائما أم كان غير ملائم ، لأن كلا من الضمان والكفالة عقد كالبيع ، وهو لا يجوز تعليقه بالشرط.
الكفالة المضافة
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إضافة الكفالة بالمال إلى أجل مستقبل كأن يقول الكفيل: أنا ضامن لك هذا المال أو هذا الدين ابتداء من أول الشهر القادم.
وفي هذه الحالة لا يكون كفيلا إلا في ذلك الوقت ، أما قبله فلا يعد كفيلا ولا يطالب بالمال.
أما عند الشافعية فلا يجوز ذلك سواء كان الأجل معلوما أو مجهولا.
والكفالة المضافة عند الجمهور تجوز إذا كان التأجيل إلى وقت معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة كإضافة الكفالة إلى الحصاد أو إلى مهرجان أو غيره مما هو متعارف بين الناس لأن هذه الجهالة ليست فاحشة فتتحملها الكفالة.
أما إن لم يكن الأجل متعارفا بين الناس ، كالتأجيل إلى مجيء المطر ، أو هبوب الريح ، فالأجل باطل لأنه ليس من الآجال المتعارفة أو المنضبطة أما الكفالة فهي صحيحة وتكون منجزة.
الكفالة المقيدة
الكفالة المطلقة جائزة وفقا لشروطها المشروعة وهي لا تتقيد إلا بوصف الدين أي أنها تلزم بما يتصف به ذلك الدين من الحلول أو التأجيل:
- فإن كان الدين المكفول حالا ، كانت الكفالة حالا.
- وإن كان الدين المكفول مؤجلا ، كانت الكفالة مؤجلة.
ولكن قد تتقيد الكفالة إما بوصف التأجيل أو بوصف الحلول على النحو التالي:
تقيد الكفالة بوصف التأجيل:
يكون الدين المكفول هنا حالا ، وتضاف كفالته إلى زمن مستقبل مؤجل. وذلك كأن يقول الكفيل للدائن: كفلت لك دينك الذي على فلان ابتداء من أول الشهر الآتي. وهذا جائز باتفاق الفقهاء بدليل ما ثبت في السنة من حمالة الرسول صلى الله عليه وسلم لدين حال مؤجلا شهرا.
وفي هذه الحالة لا يكون للكفالة أثر إلا عند الزمن المؤجل (من أول الشهر الآتي) فيتأجل الدين بالنسبة إلى الكفيل وحده بسبب إضافة الكفالة. أما بالنسبة إلى المدين الأصيل فلا يتغير وصف الدين بل يظل حالا.
وقيل يكون التأجيل في حق الاثنين معا إذا كان التأجيل في نفس العقد لأن الأجل صفة للدين ، والدين واحد.
تقيد الكفالة بوصف الحلول:
يكون الدين المكفول هنا مؤجلا إلى أجل معلوم كشهر أو سنة ، وتنعقد الكفالة حالا أي يتبرع الكفيل بتعجيل الدين. وقد ذكر الفقهاء أنه يجوز أن يكون أجل الكفالة مماثلا لأجل الدين أو أزيد منه أو أنقص لأن المطالبة بالدين حق الدائن المكفول له ، فله أن يتفق مع الكفيل والمدين على ما يشاء.
ولكن يرى جمهور الفقهاء أن الكفيل هنا لا يلزمه الوفاء بالتعجيل كما لا يلزم الأصيل أي أن الكفالة لا تجعل المؤجل حالا.
جاء في مرشد الحيران (م822)
لا تصح الكفالة بإيجاب الكفيل وحده ما لم يقبل الطالب أو نائبه ولو فضوليا في مجلس العقد.
وجاء في المجلة (م621) :
تنعقد الكفالة وتنفذ بإيجاب الكفيل فقط ، وهذا مطابق لنص المادة (1127) من مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة.
المغني (5 / 94 - 95)
لا يدخل الضمان والكفالة خيار ، لأن الخيار جعل ليعرف ما فيه الحظ ، والضمين والكفيل على بصيرة أنه لا حظ لهما ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول ، فلم يدخله خيار كالنذر. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لا نعلم عن أحد خلافهم.
فإن شرط الخيار فيهما فقال القاضي: عندي أن الكفالة تبطل ، وهو مذهب الشافعي لأنه شرط ما ينافي مقتضاها ففسدت ، كما لو شرط ألا يؤدي ما على المكفول به ، وذلك لأن مقتضى الضمان والكفالة لزوم ما ضمنه أو كفل به ، والخيار ينافي ذلك ويحتمل أن يبطل الشرط وتصح الكفالة.
وقال النووي في روضة الطالبين (4 / 260)
لو شرط الضامن أو الكفيل الخيار لنفسه ، لم يصح الضمان ، فلو شرط للمضمون له ، لم يضر ، لأن الخيار في المطالبة ، والإبراء له أبدا.
الكاساني في البدائع (6 / 3 - 5)
عبارته تصور تماما ما ذكرته في الأحوال الأربعة.
ابن قدامة في المغني (4 / 544) :
(حول تأجيل الدين الحال في الكفالة)
إذا ضمن الدين الحال مؤجلا ، صح ، ويكون حالا على المضمون عنه ، مؤجلا على الضامن ، يملك مطالبة المضمون عنه دون الضامن. وبهذا قال الشافعي. قال أحمد في رجل ضمن ما على فلان أن يؤديه في ثلاث سنين ، فهو عليه ، ويؤديه كما ضمن ، ووجه ذلك: ما روى ابن عباس أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما عندي شيء أعطيكه. فقال: والله لا أفارقنك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل ، فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كم تستنظره ،؟ قال: شهرا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أحمل. فجاء في الوقت الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أين أصبت هذا؟ قال: من معدن ، قال: لا خير فيها ، وقضاها عنه. رواه ابن ماجة في سننه ، ولأنه ضمن مالا بعقد مؤجل فكان مؤجلا كالبيع.
وأضاف ابن قدامة في المغني (6 / 558) :
تصح الكفالة حالة ومؤجلة ، كما يصح الضمان حالا ومؤجلا ، إذا أطلق كانت حالة ، لأن كل عقد يدخله الحلول ، اقتضى كالثمن الضمان فإذا تكفل حالا كان له مطالبته بإحضاره ، فإن أحضره وهناك يد حائلة ظالمة ، لم يبرأ منه ، ولم يلزم المكفول له تسلمه ، لأنه لا يحصل له غرضه وأن لم تكن يد حائلة ، لزمه قبوله ، فإن قبله برئ من الكفالة.
وفي ص (560) : /50 وان كفل إلى أجل مجهول لم تصح الكفالة ، وبهذا قال الشافعي لأنه ليس له وقت يستحق مطالبته فيه ، وهكذا الضمان وان جعله إلى الحصاد والجذاذ والعطاء ، خرج على الوجهين في البيع ، والأولى صحتها هنا ، لأنه تبرع من غير عوض ، جعل له أجلا ، لا يمنع من حصول المقصود منه ، فصح كالنذر. وهكذا كل مجهول لا يمنع مقصود الكفالة.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1032) :
لا تصح الكفالة إلى أجل مجهول جهالة فاحشة كمجيء المطر وهبوب الريح ، أما إلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج مما لا يمنع مقصود الكفالة فتصح.
وفي ص (545) : /50 وإذا ضمن دينا مؤجلا عن إنسان فمات أحدهما ، إما الضامن وإما المضمون عنه ، فهل يحل الدين على الميت منهما؟ على روايتين ، رجح أن الدين لا يحل. وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361 - 362) مؤيدا هذا الترجيح: إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله ، لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل ، فلم يرجع قبل الأجل ، كما لو قضاه أكثر من الدين. وان مات المضمون عنه أو الضامن ، لم يحل الدين ، لأن التأجيل حق من حقوق الميت ، فلم يبطل بموته كسائر حقوقه وإن مات الضامن والمضمون عنه فكذلك ، أي لم يحل الدين ، لما تقدم.
وجاء في المهذب (1 / 341) :
ويجوز أن يضمن الدين الحال إلى أجل ، لأنه رفق ومعروف ، فكان على حسب ما يدخل فيه ، وهل يجوز أن يضمن المؤجل حالا؟ فيه وجهان -
أحدهما: يجوز كما يجوز أن يضمن الحال مؤجلا ،
والثاني: لا يجوز ، لأن الضمان فرع لما على المضمون عنه ، فلا يجوز أن يكون الفرع معجلا والأصل مؤجلا.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الكبير (3 / 331 - 332) :
وصح ضمان الدين المؤجل حالا على الضامن وان كان الدين مما يعجل ، أي يجوز تعجيله ، وهو العين مطلقا والعرض والطعام من قرض لا من بيع ، لما فيه من حفظ الضمان وأزيدك ، ويجوز عكسه: وهو ضمان الحال مؤجلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون الغريم الذي عليه الدين موسرا حتى لا يقع في سلف جر نفعا.
والثاني: أن يكون الغريم معسرا واستمر عسره إلى انقضاء الأجل ، حتى لا يحصل سلف بتأخيره ، لوجوب انتظار المعسر.
وجاء في مرشد الحيران (م828) :
يصح أن تكون الكفالة منجزة أو مضافة إلى زمن مستقبل أو معلقة بشرط ملائم ، بأن يكون شرطا لوجوب الحق أو لإمكان الاستيفاء أو لتعذره.
وفي مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1152) :
يصح تعليق الكفالة بشرط وتوقيتها ، مثلا: لو قال: إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان ، أو أنا كفيل بزيد شهرا ، صح ، ويطالب به إذا وجد الشرط في الصورة الأولى ، وفي داخل الشهر في الصورة الثانية ، ويبرأ بمضي الشهر إذا لم يطالبه فيه.