الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكفالة بالمال
الكفالة أو الضمان نوعان بالاتفاق: كفالة بالمال وكفالة بالنفس.
والكفالة بالمال يطلق عليها كثير من الفقهاء: الضمان.
وقد يكون المكفول به دينا ، وقد يكون عينا ، والحكم يختلف في كل حالة منهما.
قد يكون المال المكفول به دينا ، وقد يكون عينا. /50/50 الكفالة بالدين
الكفالة بالدين هي أن يلتزم الكفيل بما كان يلتزم به الأصيل من دين ، فيؤديه في الزمان والمكان المتفق عليهما ، وذلك مع مراعاة ما تضمنه عقد الكفالة من الشروط.
وذكر الحنفية أن كفالة المال قسمان:
- كفالة بنفس المال ومثالها أن يضمن مبلغا من المال أو دينا عند فلان وهو المدين.
- وكفالة بتقاضي المال أو بتسليم المال ومثالها أن يكون لشخص مال على رجل ، فيقول رجل للدائن (الطالب) : ضمنت لك ما على فلان أن أقبضه وأدفعه إليك ، هذا ليس من ضمان المال ، وإنما كفالة بتقاضي المال ودفعه إلى الدائن. ومثل ذلك ضمان تقاضي المال من الغاصب للمغصوب منه.
الكفالة بالعين
الكفالة بالعين هي أن يلتزم الكفيل برد عينها إن كانت قائمة ، وبرد مثلها أو قيمتها إذا تلفت.
وللفقهاء في حكم كفالة الأعيان تفصيل:
- إذا كانت الأعيان مضمونة بنفسها: وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها بعينها إن كانت قائمة ، فإن هلكت يرد مثلها إن كان لها مثل ، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل. وذلك كالعين المغصوبة ، والعين المبيعة بعقد فاسد ، والعين المقبوضة على سوم الشراء.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى صحة كفالة هذا النوع من الأعيان. فيلتزم الكفيل برد العين ما دامت قائمة ، أو يرد مثلها أو قيمتها إن تلفت.
وذهب المالكية إلى أنه لا تجوز الكفالة بالأعيان على أنه إذا استحق لزمه عينه ، وإنما تصح إذا ضمن المعين على أنه إذا تلف بتعد أو تقصير التزم بدفع قيمته أو برد مثله ، وعلى ذلك: إذا ضمن عين المغصوب لم يصح الضمان ، ولكن إذا كفله على أنه ملزم بضمانه إذا تعذر رده صح الضمان.
وعند الشافعية في جواز كفالة الأعيان المضمونة قولان: يذهب أولهما إلى مثل ما ذهب إليه المالكية ، ويذهب الآخر إلى صحة ضمان الأعيان المضمونة.
- إذا كانت الأعيان مضمونة بغيرها:
وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها إن كانت قائمة ، فإذا هلكت لا يجب عليه أن يرد مثلها ولا قيمتها. وذلك مثل المبيع في يد البائع قبل القبض فإنه مضمون بالثمن ، فإذا هلك سقط الثمن عن المشترى إذا لم يكن دفعه ووجب على البائع رده إليه إن كان دفعه. وكذلك الرهن في يد المرتهن فإنه مضمون بالدين إذا كانت قيمته لا تزيد عليه وإلا كان مضمونا بقدر قيمته من الدين.
ذهب الفقهاء إلى أنه لا تجوز الكفالة بهذه الأعيان المضمونة بغيرها ، فإذا هلكت لا يجب على الكفيل رد مثلها أو قيمتها لأنها إذا هلكت تهلك على صاحب الدين بما هو مضمون به ، فالمبيع مضمون بالثمن وإذا هلك في يد البائع سقط الثمن عن المشترى.
وقال الحنفية والحنابلة أن هذا النوع من الأعيان يجوز ضمان تسليمه فقط ما دام قائما ، فإذا هلك سقطت الكفالة.
- إذا كانت الأعيان أمانة واجبة التسليم:
وهي التي تعد أمانة في يد حائزها الذي يكون ملتزما بأن يسعى إلى تسليمها إلى أصحابها. وذلك مثل العارية في يد المستعير والعين المستأجرة في يد المستأجر.
ذهب الفقهاء إلى أنه تجوز الكفالة بتسليم هذا النوع من الأمانات لوجوب التسليم على صاحب اليد ، ولكن لا تصح الكفالة بالأعيان الواجبة التسليم متى هلكت ، فلا يلزم الكفيل رد قيمتها ولا يلزمه شيء لكونها أمانة والأمانة إذا هلكت بلا تعد ولا تقصير تهلك مجانا لأنها غير مضمونة على من في يده ، فكذلك على ضامنه.
وقد ذهب الحنابلة والمالكية وجمع من الفقهاء إلى أنه يصح ضمان هذا النوع من الأعيان (مثل الوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين التي تدفع للخياط وغيرها) ، على أنه إذا هلكت تلك الأعيان بتعد أو تقصير لزم الحائز ضمانها وكذلك لزم ضامنه ذلك لأنها مضمونة على من هي في يده.
وقال المالكية إنها كفالة معلقة على ثبوت الدين.
قال القدوري ونقله عنه المرغيناني في الهداية وشرحه الكمال بن الهمام في فتح القدير (5 / 391) :
الكفالة ضربان: كفالة بالنفس ، وكفالة بالمال ، ويدخل في الكفالة بالمال الكفالة بالأعيان. والكفالة بالنفس جائزة ، والمضمون بها إحضار المكفول به. ثم نقل عن الشافعي أن الكفالة بالنفس لا تجوز ، وهو قول مخالف للقول الأظهر عندهم ، وهو أنها جائزة ، كقولنا.
وقال في الدر المختار (4 / 679) :
ولا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص لأن النيابة لا تجرى في العقوبات.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 379) :
الكفالة تنقسم على قسمين: حمالة بالمال وحمالة بالوجه ، فأما الحمالة بالمال فإنها لازمة في الحياة وبعد الممات ، كانت في أصل البيع أو بعد عقد البيع ، لأنها وان كانت من المعروف ، فكأنها إنما خرجت عن عوض وهو ما رضي به المتحمل له من دفع سلعته أو تأخير غريمه.
وأيضا فإنه إذا غرم يرجع بما غرم.
وفي (ص 399) قال: وأما الحمالة بالوجه ، فإنها جائزة إذا كان المتحمل به مطلوبا بمال ، ولم يكن مطلوبا بشيء يجب عليه في بدنه من قتل أوحد أو قصاص أو تعزير.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الصغير والصاوي في الحاشية (3 / 429 - 430) :
شمل تعريف الضمان أنواعه الثلاثة أي ضمان الذمة أي (ضمان المال) وضمان الوجه أي (ضمان النفس) وضمان الطلب ، سواء كان الطلب على وجه الإتيان به لرب الدين أي (وهو ضمان الوجه) أو مجردا عن ذلك ، أي (وهو ضمان الطلب) لأنه تفتيش لا غير.
وقال النووي في متن المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
المذهب صحة كفالة البدن في الجملة ، وتسمى أيضا كفالة الوجه (وهي التزام إحضار المكفول له للحاجة إليها) لمن عليه مال أو لمن عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف ، والمذهب منعها في حدود الله تعالى ، كحد الخمر والزنى والسرقة ، لأنه يسعى في دفعها ما أمكن ، أي تصح في حدود الآدمي.
وقال الخرقي في متنه وابن قدامة في المغني (4 / 556 - 557) كما قال الشافعية:
ومن كفل بنفس ، لزمه ما عليها وان لم يسلمها ، وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم. وهذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة. ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد ، سواء كان حقا لله تعالى كحد الزنى والسرقة ، أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم شريح والحسن وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وبه قال الشافعي في حدود الله تعالى واختلف قوله في حدود الآدمي. فقال في موضع: لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان ، وقال في موضع: تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد ، لأنه حق لآدمي ، فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين. ودليلنا ما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال: لا كفالة في حد ولأنه حد ، فلم تصح الكفالة فيه ، كحدود الله تعالى ، ولأن الكفالة استيثاق ، والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات ، فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به ، فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنى.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 362 - 364) تشبه مع شيء من التفصيل العبارة السابقة ، قال: /50 لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أو قصاص لإقامة الحد ، لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل ، كحد زنى وسرقة وقذف وشرب ، إلا إذا كفل ببدنه لأجل مال بالدفع ، أي بالعفو إلى الدية ليدفعها ، وإلا إذا ضمن السلامة بسبب غرم السرقة ، أي المسروق ، فتصح ، لأنه حق مالي.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 279) :
لا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص ، لأن النيابة لا تجري في العقوبات. ولا تصح بحمل دابة معينة مستأجرة له وخدمة عبد معين مستأجر للخدمة ، لأنه يلزم تغيير المعقود عليه ، بخلاف غير المعين ، لوجوب مطلق الفعل ، لا التسليم لأنه لو كان الواجب التسليم ، لزم صحة الكفالة في المعينة أيضا لأن الكفالة بتسليمها صحيحة.
وجاء في المجلة (م632) :
لا تجري النيابة في العقوبات ، بناء عليه ، لا تصح الكفالة بالقصاص وسائر العقوبات والمجازات الشخصية ، ولكن تصح الكفالة بالأرش والدية اللذين يلزمان الجارح والقاتل.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1130) :
لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص أوحد أو تعزير لإقامة الحد أو التعزير ، أما إذا كفله لغرم السرقة أو لأجل الدية الواجبة بالعفو عن القصاص صح.
وقال النووي في المنهاج وشرحه مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
والمذهب صحة الكفالة ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف ، ومنعها في حدود الله تعالى.