الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يكون دينا موصوفا في الذمة
اتفق الفقهاء في اشتراط كون المسلم فيه دينا موصوفا في ذمة المسلم إليه ، وأنه لا يصح السلم إذا جعل المسلم فيه شيئا معينا بذاته لأن تعيينه ينشأ عنه غرر عدم القدرة على تنفيذ العقد.
لا يصح أن يكون المسلم فيه شيئا معينا بذاته
لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط كون المسلم فيه دينا موصوفا في ذمة المسلم إليه ، وأنه لا يصح السلم إذا جعل المسلم فيه شيئا معينا بذاته لأن ذلك مناقض للغرض المقصود منه ، إذ هو موضوع لبيع شيء في الذمة بثمن معجل ، ومقتضاه ثبوت المسلم فيه دينا في ذمة المسلم إليه ، ومحله ذمة المسلم إليه.
فإذا كان المسلم فيه معينا تعلق حق رب السلم بذاته ، وكان محل الالتزام ذلك الشيء المعين ، لا ذمة المسلم إليه. ومن هنا كان تعيين المسلم فيه مخالفا لمقتضى العقد.
يضاف إلى ذلك أن تعيينه يجعل السلم من عقود الغرر ، إذ ينشأ عنه غرر عدم القدرة على تنفيذ العقد ، فلا يدرى أيتم هذا العقد أم ينفسخ ، حيث إن من المحتمل أن يهلك ذلك الشيء المعين قبل حلول وقت أدائه ، فيستحيل تنفيذه ، والغرر مفسد لعقود المعاوضات المالية كما هو معلوم ومقرر.
وهذا بخلاف ما لو كان المسلم فيه دينا موصوفا في الذمة ، إذ الوفاء يكون بأداء أية عين مثلية تتحقق فيها الأوصاف المتفق عليها ، ولا يتعذر تنفيذ العقد لو تلف المسلم فيه قبل تسليمه ، إذ يسعه الانتقال عنه إلى غيره من أمثاله.
وقد رتب بعض الفقهاء على تضمن السلم غررا إذا عين المسلم فيه أيلولة العقد إلى السلف الذي يجر نفعا ، فقال ابن رشد (وإنما لم يجز السلم في الدور والأرضين ، لأن السلم لا يجوز إلا بصفة ، ولا بد في صفة الدور والأرضين من ذكر موضعها ، وإذا ذكر موضعها تعينت ، فصار السلم فيها كمن ابتاع من رجل دار فلان على أن يتخلصها له منه ، وذلك من الغرر الذي لا يحل ولا يجوز ، لأنه لا يدري بكم يتخلصها منه ، وربما لم يقدر على أن يتخلصها منه ، ومتى لم يقدر على أن يتخلصها منه رد إليه رأس ماله ، فصار مرة بيعا ومرة سلفا ، وذلك سلف جر نفعا) .
كما بنى بعض الفقهاء منع كون المسلم فيه معينا على أساس أن السلم إنما جاز شرعا على خلاف القياس للحاجة إليه ، فإذا عين المسلم فيه ، فيمكن عندئذ بيعه في الحال ، ولا يكون هناك ثمة حاجة إلى السلم ، فينسحب عليه الحكم الأصلي وهو عدم المشروعية.
دليل اشتراط أن يكون المسلم فيه موصوفا في الذمة
المستند النصي لوجوب كون المسلم فيه دينا موصوفا في الذمة ، وعدم جواز السلم إذا تعين ما روى ابن ماجة عن عبد الله بن سلام قال:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني فلان أسلموا (لقوم من اليهود وإنهم قد جاعوا ، فأخاف أن يرتدوا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من عنده؟
فقال رجل من اليهود عندي كذا وكذا (لشيء قد سماه) أراه قال ثلاثمائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بسعر كذا وكذا ، إلى أجل كذا وكذا ، وليس من حائط بني فلان.
ما يصح أن يكون مسلما فيه من الأموال
بناء على اشتراط كون المسلم فيه دينا في الذمة ، ذكر جماهير الفقهاء أن ما يصح أن يكون مسلما فيه من الأموال: المثليات كالمكيلات والموزونات والمذروعات والعدديات المتقاربة ، وكذا القيميات التي تقبل الانضباط بالوصف. قال الشيرازي (ويجوز السلم في كل مال يجوز بيعه وتضبط صفاته ، كالأثمان والحبوب والثمار والثياب والدواب والعبيد والجواري والأصواف والأشعار والأخشاب والأحجار والطين والفخار والحديد والرصاص والبلور والزجاج وغير ذلك من الأموال التي تباع وتضبط بالصفات) .
أما ما لا يمكن ضبط صفاته من الأموال فلا يصح السلم فيه ، لإفضاء العقد للمنازعة والمشاقة ، وعدمها مطلوب شرعا.
هذا ، ومع أن جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة يعدون المذروعات المتماثلة الآحاد والعدديات المتساوية أو المتقاربة من جملة المثليات التي تقبل الثبوت في الذمة دينا في عقد السلم ، ويصح كونها مسلما فيه قياسا على المكيلات والموزونات التي نص الحديث على جواز السلم فيها ، للعلة الجامعة بينهما وهي رفع الجهالة بالمقدار ، لأن القصد من التقدير هو رفع الجهالة وإمكان التسليم بلا منازعة ، وهذا حاصل بالعد والزرع فيما يقدر بالوحدات القياسية الطولية أو بالعدد كما هو حاصل بالوزن أو بالحجم فيما يقدر بالوزن أو الكيل. قال الخطيب الشربيني فإن قيل: لم خص في الحديث الكيل والوزن؟ أجيب بأن ذلك لغلبتهما وللتنبيه على غيرهما.
وقد خالف ابن حزم في ذلك ، ومنع صحة السلم في غير المكيلات والموزونات فقال:(ولا يجوز السلم إلا في مكيل أو موزون فقط ، ولا يجوز في حيوان ولا مزروع ولا معدود ولا في شيء غير ما ذكرنا) . واحتج على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أسلف فلا يسلف إلا في كيل معلوم ووزن معلوم قال: (فهذا منع السلف وتحريمه البتة إلا في مكيل أو موزون) .