الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط المكفول له
لم يشترط جمهور الفقهاء - خلافا للحنفية على وجه الخصوص - رضا المكفول له بالكفالة وقبوله لها كما لم يشترطوا فيه البلوغ والعقل ، وكذلك وجوب معرفته من قبل الكفيل.
أن يكون المكفول له معلوما للكفيل:
اشترط الحنفية في المكفول له وهو الدائن أن يكون معلوما للكفيل سواء كانت الكفالة منجزة أو معلقة أو مضافة. فإن كان مجهولا ، كما لو قال: أنا كفيل بما يحصل من هذا الدلال من ضرر على الناس ، لم تصح الكفالة. ذلك أنه إذا كان المكفول له مجهولا ، لا يتحقق المقصود من الكفالة ، وهو التوثق.
وهذا موافق لمذهب الشافعية في الأصح عندهم ، لأن مستحقي الدين يتفاوتون عادة في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا ، وليعلم الضامن هل المكفول له هو أهل لإسداء الجميل إليه أم لا.
وأجاز المالكية والحنابلة الضمان مع جهالة المكفول له. فإذا قال الضامن: أنا ضامن الدين الذي على زيد للناس - وهو لا يعرف عين من له الدين - فالكفالة صحيحة هنا لما ثبت في السنة (أن أبا قتادة كفل دين الميت دون أن يعرف المكفول له) .
ودليل ذلك أيضا في قوله تعالى: {نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} (يوسف 72) لأن المنادي لم يكن مالكا ، وإنما كان نائبا عن يوسف عليه السلام فشرط حمل البعير على يوسف عليه السلام لمن جاء بالصواع ، وتحمل هو به عن يوسف.
أن يكون المكفول له حاضرا في مجلس العقد:
وهذا شرط انعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يكن هناك نائب عن المكفول له يقبل الكفالة في المجلس فلو كفل إنسان الغائب عن المجلس ، فبلغه الخبر ، فأجاز ، لا تجوز الكفالة عندها إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس ، ودليلهما: أن في الكفالة معنى التمليك ، أي تمليك المطالبة من الطالب ، والتمليك لا يحصل إلا بالإيجاب والقبول ، فلا بد من توافره لإتمام صيغة العقد ، والموجود شطر العقد ، فلا يتوقف على ما وراء مجلس العقد.
وعن أبي يوسف روايتان ، والقول المتأخر عنه: أن الكفالة عن الغائب تجوز لأن معنى الكفالة ، وهو الضم والالتزام يتم بإيجاب الكفيل ، فكان إيجابه صالحا وحده لإتمام العقد وهذا الرأي هو رأي جمهور الفقهاء القائلين بأن الكفالة تنعقد بإرادة منفردة ، أي بالإيجاب وحده.
أن يكون المكفول له عاقلا
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومعهم أبو يوسف إلى عدم اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له لأن الكفالة تنعقد بإيجاب الكفيل دون حاجة إلى قبول المكفول له ، فلا يلزم أن يكون أهلا للقبول.
وذهب أبو حنيفة ومحمد - وهو رأي عند الشافعية - إلى اشتراط أن يكون المكفول له بالغا عاقلا ، لأن الكفالة تحتاج إلى إيجاب من الكفيل وقبول من المكفول له. ويجوز قبول الصبي المميز والسفيه ، لأن ضمان حقه نفع محض ، فلا يتوقف على إجازة وليهما.
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق ، حيا كان أو ميتا ، مليئا أو مفلسا ، لعموم لفظه فيه ، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء ، فإن خلف بعض الوفاء ، صح ضمانه بقدر ما خلف ، لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه ، كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده ، فلم يبق فيها دين ، والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء ، والنبي صلى الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت ، فصح ضمانه ، كما لو خلف وفاء ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو ضمنه حيا ثم مات ، لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه ، برئت ذمة الضامن ، وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل ، لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه. ولا يعتبر رضا المكفول له ، لأنها وثيقة له ، لا قبض فيها ، فصحت من غير رضاه فيها ، كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض ، فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه ، لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه ، جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن ، فلا يصح ضمان المكره ، لأنه التزام مال ، فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له ، لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له ، وأقره الشارع صلى الله عليه وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه ، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه ، لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح ، فكذا إذا ضمن عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما ، أي للمضمون له والمضمون عنه ، لأنه لا يعتبر رضاهما ، فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما ، وأن يكون في مجلس العقد ، وهو شرط الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس ، وتفريع على مذهبهما أن يكون عاقلا ، فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل ، لأنهما ليسا من أهل القبول ، ولا يجوز قبول وليهما عنهما ، لأن القبول يعتبر ممن وقع له الإيجاب ، ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول ، ومن قبل ، لم يقع الإيجاب له ، فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست شرطا ، لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا ، وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه ، ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر معرفتهما ، ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف المضمون له ، فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك ، ولا تعتبر معرفة المضمون عنه ، لأنه لا معاملة بينه وبينه ، ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو ، وكم هو ، وعلى من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة ، وتجوز عندهم أيضا مع جهالة الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر:{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.