الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكفالة بالنفس
الكفالة نوعان: كفالة بالمال وكفالة بالنفس.
والكفالة بالنفس يطلق عليها البعض: كفالة البدن أو الوجه.
وقد تكون الكفالة بإحضار من عليه دين ، أو بإحضار من عليه حد من الحدود.
واختلف الفقهاء في حكم كل حالة. فلا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص والتعزير عند الجمهور ، أما عند الشافعية فهي لا تجوز في الحدود الخالصة لله تعالى ، وتجوز في الحدود المتعلقة بحق الآدمي.
وانفرد المالكية بذكر نوع خاص من الكفالة: ضمان الطلب وهو يدخل في ضمان النفس ، حيث أنه التزام طلب الغريم والتفتيش عليه إن تغيب والدلالة عليه دون الالتزام بإحضاره.
الكفالة بالنفس (أو الكفالة بالوجه أو البدن) هي التزام إحضار المكفول إلى المكفول له أو إلى مجلس الحكم أو نحو ذلك.
والكفالة بالنفس تكون في الحقوق المالية أساسا ، وتكون كذلك في الحقوق غير المالية مثل حق القصاص من المعتدي وغيرها ، فهي إذن نوعان:
كفالة بإحضار من عليه دين ،
كفالة بإحضار من عليه حد.
وانفرد المالكية بذكر نوع ثالث من الكفالة: ضمان الطلب وهو يدخل في ضمان النفس ، حيث أنه التزام طلب الغريم والتفتيش عليه إن تغيب والدلالة عليه دون الالتزام بإحضاره.
واختلف الفقهاء في حكم كل حالة.
الكفالة بإحضار من عليه دين (الكفالة في غير الحدود)
أجاز أئمة المذاهب الأربعة كفالة النفس إذا كانت بسبب المال ، (الكفالة بإحضار من عليه حق مالي)، لقوله تعالى:{قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم} (يوسف: 66) .
وهذا يفيد مشروعية الكفالة بنوعيها ولأن ما وجب تسليمه بعقد ، وجب تسليمه بعقد الكفالة كالمال ولأن الكفيل يقدر على تسليم الأصيل بأن يعلم من يطلبه مكانه ، فيخلى بينه وبينه ، أو يستعين بأعوان القاضي في التسليم ، والحاجة ماسة إلى هذا النوع من الكفالة وقد أمكن تحقيق معنى الكفالة - في رأي الحنفية - وهو الضم في المطالبة فيه.
وقد روى البخاري عن أبى الزناد عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه: (أن عمر رضي الله عنه بعثه مصدقا ، فوقع رجل على جارية امرأته فأخذ حمزة من الرجل كفلاء حتى قدم على عمر وكان عمر قد جلده مائة جلدة ، فصدقهم ، وعذره بالجهالة) ، قال ابن حجر استفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان ، فإن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي ، فقد فعله ، لم ينكر عليه عمر مع كثرة الصحابة حينئذ.
وروى البخاري كذلك قول جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في المرتدين: (استتبهم وكفلهم ، فتابوا وكفله عشائرهم) قال ابن حجر قال ابن المنير (قياس) أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الديون من الكفالة بالأبدان في الحدود بطريق الأولى والكفالة بالنفس قال بها الجمهور.
وقد اختلف النقل عن الشافعي في حكم كفالة البدن ، لأنه نص عليها وقال - في موضع - هي ضعيفة ، وقال - في موضع آخر -: إنها جائزة إلا في الحدود.
وهكذا اختلف فقهاء الشافعية في حكم كفالة البدن: فعلى طريقة ابن سريج كفالة البدن تصح قطعا ، للحاجة إليها ، وهذا هو المشهور ، وعليه المذهب ، ومعنى قول الشافعي إن كفالة البدن ضعيفة - على هذا الرأي - أنها ضعيفة من جهة القياس ، لأن الشخص الحر لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه ، وأنها لا توجب ضمان المال.
وذهب بعض الشافعية إلى أن في حكم كفالة البدن قولين:
أحدهما أنها لا تصح ، لأنه ضمان عين في الذمة بعقد ، فلم يصح كسلم في ثمر نخلة بعينها
والثاني: تصح - وهو الأظهر - للخبر المتقدم ، ولأن البدن يستحق تسليمه بالعقد ، فجاز الكفالة به كالدين.
الكفالة بإحضار من عليه حد (الكفالة في الحدود) .
لا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص عند الحنفية والمالكية والحنابلة ، لتعذر الاستيفاء من الكفيل ، لأن النيابة لا تجري في العقود ، فلا تفيد الكفالة فائدتها. ودليلهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - مرفوعا -: لا كفالة في حد ولأن الكفالة استيثاق ، والحدود مبناها على الدرء والإسقاط بالشبهات ، فلا يلائمها الاستيثاق ولأن الحق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به.
ومعنى عدم جواز الكفالة بالحدود والقصاص عند الحنفية: عدم جواز الإجبار على إعطاء الكفالة ، فإن سمحت نفس المدعى عليه ، وتبرع بإعطاء الكفالة في حالة القصاص والحد الذي فيه حق للعبد: وهو حد القذف وحد السرقة ، جازت الكفالة بالنفس ، لأنها كفالة بمضمون على الأصيل ، مقدور الاستيفاء من الكفيل ، فتصح كالكفالة بتسليم نفس من عليه الدين.
فإذا لم يتبرع المدعى عليه: وهو الذي توجه عليه الحد أو القصاص ، فلا تجوز الكفالة عند أبي حنيفة أي لا يجبر على تقديم كفيل بنفسه بإحضاره في مجلس القضاء ، لإثبات ادعاء خصمه عليه ، لأن الكفالة لا تتلاءم مع الحدود كما عرفنا. وحينئذ يحبسه القاضي حتى تقام عليه البينة أو يستوفى الحد.
وقال الصاحبان: يجبر على تقديم كفيل بنفسه في القصاص وفي حد القذف ، لأن فيهما حق العبد ، فيليق الاستيثاق.
وصرح الشافعية بقولهم: المذهب أنه لا تجوز كفالة النفس أو البدن في الحدود الخالصة لله تعالى ، كحد الخمر والزنى والسرقة ، لأنه يسعى في دفعها ما أمكن وتجوز كفالة تسليم النفس في الحدود الخالصة للآدمي كقصاص وحد القذف ، وتعزير ، لأنها حق لآدمي فصحت الكفالة ، كسائر حقوق الآدميين. أي أن الشافعية يخالفون الجمهور في تجويز الكفالة في الحدود المتعلقة بحق العبد.
ضمان الطلب عند المالكية /50 ضمان الطلب هو التزام طلب المضمون والتفتيش عليه إن تغيب وإن لم يأت به لرب الحق. فيصح في غير المال من الحقوق البدنية كالقصاص والتعازير والحدود ، بخلاف ضمان الوجه.
وألفاظه: مثل أنا حميل بطلبه ، أو على طلبه ، أولا أضمن إلا طلبه ، أو أن يشترط نفي المال ، كأن يقول: اضمن وجهه (نفسه) بشرط عدم غرم المال إن لم أجده.
وعليه أن يطلب المضمون بما يقوى عليه عادة ، إن غاب عند حلول الأجل عن البلد وما قرب منه ، وعلم موضعه. وأما الحاضر فيطلبه في البلد وما قاربه إذا جهل موضعه. ويفهم من قوله (علم موضعه) أنه لا يكلف بالتفتيش عنه.
ويحلف إن قصر في طلبه ولم يعلم موضعه. ولا غرم عليه إلا إذا فرط في الطلب ، كأن ترك طلبه في مكان يظن أنه به ، أو يهربه ، أو يعلم موضعه ولم يدل رب الحق عليه.
وهذا النوع في الواقع اعتبره الإمام مالك كفالة وجه مع شرط عدم غرم المال ، لأن ضمان النفس أو الوجه يلزم فيه الضامن بغرم المال إذا لم يحضر المضمون.
قال القدوري ونقله عنه المرغيناني في الهداية وشرحه الكمال بن الهمام في فتح القدير (5 / 391) :
الكفالة ضربان: كفالة بالنفس ، وكفالة بالمال ، ويدخل في الكفالة بالمال الكفالة بالأعيان. والكفالة بالنفس جائزة ، والمضمون بها إحضار المكفول به. ثم نقل عن الشافعي أن الكفالة بالنفس لا تجوز ، وهو قول مخالف للقول الأظهر عندهم ، وهو أنها جائزة ، كقولنا.
وقال في الدر المختار (4 / 679) :
ولا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص لأن النيابة لا تجرى في العقوبات.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 379) :
الكفالة تنقسم على قسمين: حمالة بالمال وحمالة بالوجه ، فأما الحمالة بالمال فإنها لازمة في الحياة وبعد الممات ، كانت في أصل البيع أو بعد عقد البيع ، لأنها وان كانت من المعروف ، فكأنها إنما خرجت عن عوض وهو ما رضي به المتحمل له من دفع سلعته أو تأخير غريمه.
وأيضا فإنه إذا غرم يرجع بما غرم.
وفي (ص 399) قال: وأما الحمالة بالوجه ، فإنها جائزة إذا كان المتحمل به مطلوبا بمال ، ولم يكن مطلوبا بشيء يجب عليه في بدنه من قتل أوحد أو قصاص أو تعزير.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الصغير والصاوي في الحاشية (3 / 429 - 430) :
شمل تعريف الضمان أنواعه الثلاثة أي ضمان الذمة أي (ضمان المال) وضمان الوجه أي (ضمان النفس) وضمان الطلب ، سواء كان الطلب على وجه الإتيان به لرب الدين أي (وهو ضمان الوجه) أو مجردا عن ذلك ، أي (وهو ضمان الطلب) لأنه تفتيش لا غير.
وقال النووي في متن المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
المذهب صحة كفالة البدن في الجملة ، وتسمى أيضا كفالة الوجه (وهي التزام إحضار المكفول له للحاجة إليها) لمن عليه مال أو لمن عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف ، والمذهب منعها في حدود الله تعالى ، كحد الخمر والزنى والسرقة ، لأنه يسعى في دفعها ما أمكن ، أي تصح في حدود الآدمي.
وقال الخرقي في متنه وابن قدامة في المغني (4 / 556 - 557) كما قال الشافعية:
ومن كفل بنفس ، لزمه ما عليها وان لم يسلمها ، وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم. وهذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة. ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد ، سواء كان حقا لله تعالى كحد الزنى والسرقة ، أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم شريح والحسن وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وبه قال الشافعي في حدود الله تعالى واختلف قوله في حدود الآدمي. فقال في موضع: لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان ، وقال في موضع: تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد ، لأنه حق لآدمي ، فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين. ودليلنا ما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال: لا كفالة في حد ولأنه حد ، فلم تصح الكفالة فيه ، كحدود الله تعالى ، ولأن الكفالة استيثاق ، والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات ، فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به ، فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنى.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 362 - 364) تشبه مع شيء من التفصيل العبارة السابقة ، قال: /50 لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أو قصاص لإقامة الحد ، لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل ، كحد زنى وسرقة وقذف وشرب ، إلا إذا كفل ببدنه لأجل مال بالدفع ، أي بالعفو إلى الدية ليدفعها ، وإلا إذا ضمن السلامة بسبب غرم السرقة ، أي المسروق ، فتصح ، لأنه حق مالي.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 279) :
لا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص ، لأن النيابة لا تجري في العقوبات. ولا تصح بحمل دابة معينة مستأجرة له وخدمة عبد معين مستأجر للخدمة ، لأنه يلزم تغيير المعقود عليه ، بخلاف غير المعين ، لوجوب مطلق الفعل ، لا التسليم لأنه لو كان الواجب التسليم ، لزم صحة الكفالة في المعينة أيضا لأن الكفالة بتسليمها صحيحة.
وجاء في المجلة (م632) :
لا تجري النيابة في العقوبات ، بناء عليه ، لا تصح الكفالة بالقصاص وسائر العقوبات والمجازات الشخصية ، ولكن تصح الكفالة بالأرش والدية اللذين يلزمان الجارح والقاتل.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1130) :
لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص أوحد أو تعزير لإقامة الحد أو التعزير ، أما إذا كفله لغرم السرقة أو لأجل الدية الواجبة بالعفو عن القصاص صح.
وقال النووي في المنهاج وشرحه مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
والمذهب صحة الكفالة ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف ، ومنعها في حدود الله تعالى.