الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجوع في الهبة
ذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة الرجوع في الهبة ولو كانت بين الإخوة أو الزوجين إلا إذا كانت هبة الوالد لولده فإن له الرجوع فيها ولكن بشروط حددوها.
بينما يرى الحنفية أنه يصح للواهب أن يرجع في هبته سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم ، ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة بل إنه يمنع الرجوع في حالات خاصة حددوها.
حرمة الرجوع في الهبة
متى تمت الهبة بالقبض فإن جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والمالكية يقولون بأن الهبة تتم للموهوب له ولا حق للواهب في الرجوع إلا للوالدين فيما وهباه لأبنائهما أو بناتهما.
وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي.
شروط رجوع الوالد في هبته
وقد اشترط الجمهور عدة شروط لصحة رجوع الوالد في هبته ، نذكر منها:
- عدم خروج الموهوب عن ملك الموهوب له بأي سبب كان كالبيع أو الهبة أو الوقف ونحوه من كل ما يخرج الشيء الموهوب عن ملك الموهوب له ، فمثل هذا الخروج يمنع الوالد من الرجوع في الهبة.
- عدم تعلق حق الغير بالموهوب كأن يداين الناس الموهوب له نظرا لملاءة ذمته لما وهب له ، وذلك عملا بالقاعدة النبوية: لا ضرر ولا ضرار.
- عدم هلاك الموهوب أو استهلاكه لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الهالك ولا سبيل إلى الرجوع في قيمته ، لأنها ليست بموهوبة لعدم ورود العقد عليها ، وقبض الهبة غير مضمون. .
موانع الرجوع في الهبة
ويرى الحنفية أنه يصح للواهب أن يرجع في هبته ، سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم ، ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة فالرجوع في الهبة هو القاعدة عندهم إلا إذا وجدت موانع تمنع من ذلك الرجوع ،
وهذه الموانع تشكل ما يسمى (الفوات) في موضوع الهبة وتصل عند الحنفية إلى سبعة ، وهي:
1 -
أن يزيد المال الموهوب زيادة متصلة كأن يكون أرضا ، فيبني عليها.
2 -
أن يخرج الموهوب من يد الموهوب له كأن يبيعه ، أو يهبه بدوره.
3 -
أن يهلك موضوع الهبة ، كأن يكون حيوانا فيموت ، أو يكون دارا فتتهدم.
4 -
أن يموت أحد العاقدين: الواهب أو الموهوب له.
5 -
أن تكون الهبة بين الزوجين.
6 -
أن تكون الهبة بين ذوي الرحم المحرم كالهبة بين الشخص وخالته أو عمته.
7 -
أن يأخذ الواهب عوضا عن هبته.
وطبيعة الرجوع في الهبة عند الحنفية أنه فسخ للعقد الأول وليس هبة جديدة من الموهوب له إلى الواهب سواء كان الرجوع بدعوى قضائية ، أم كان بالتراضي بين الطرفين.
تبيين الحقائق (ج 5 ص 97 - 98)
إذا وهب شخص هبة وقبضها وليس فيه ما يمنع الرجوع من زيادة ، وموت أحدهما ، وعوض ، وخروج من الملك ، وزوجية ، وقرابة محرمة للنكاح ، وهلاك الموهوب ، جاز الرجوع في الهبة.
وقال الشافعي رحمه الله لا يصح الرجوع فيها إلا في الولد ، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده ولأنه عقد تمليك فوجب أن يلزم كالبيع ولأن الرجوع يضاد مقتضى العقد والعقد لا يقتضي ضده ، وإنما ثبت جواز الرجوع في الولد لأن إخراجه عن ملكه لم يتم ، لأن الولد من كسبه أو بعضه.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: الواهب أحق بهبته ما لم يثب (وهو ضعيف) ، أي لم يعوض ، والمراد بعد التسليم لأنها لا تكون هبة حقيقة قبله وتأيد ذلك بالشرع ، قال عليه الصلاة والسلام: تهادوا تحابوا والتفاعل يقتضي الفعل من الجانبين فكان له الرجوع إذا لم يحصل مقصوده كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا يرجع بالثمن لفوات مقصوده ، وهو صفة السلامة في المبيع.
موطأ مالك بشرح الزرقاني (ج 4 ص 47)
قال يحيى وسمعت مالكا يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا أو أعطاه عطاء ليس بصدقة: أن له أن يعتصر ذلك (يسترجعه) ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به ، ويأمنون عليه من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه ، فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئا بعد أن تكون عليه الديون ، أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل ، وإنما تنكحه لغناه وللمال الذي أعطاه أبوه ، فيريد أن يعتصر ذلك الأب ، أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل ، إنما يتزوجها ويرفع من صداقها لغناها ومالها وما أعطاها أبوها ، ثم يقول الأب: أنا أعتصر ذلك فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك ، إذا كان على ما وضفت لك.
المغني (ج 5 ص 670 - 674)
وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:
أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن ، فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة ، أو وقف أو إرث أو غير ذلك ، لم يعد له الرجوع فيها لأنه إبطال لملك غير الولد
الثاني: أن تكون العين باقية في تصرف الولد بحيث يملك التصرف في رقبتها وإن رهن العين أو أفلس ، وحجر عليه لم يملك الأب الرجوع فيها لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع
الثالث: أن يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك ، فعن أحمد روايتان أولاهما: ليس له الرجوع
الرابع: ألا تزيد (الهبة) زيادة متصلة كالسمن ، والكبر. فإن زادت فعن أحمد روايتان
المجموع (ج 15 ص 381)
فإن وهب لغير الولد وولد الولد شيئا ، وأقبضه ، لم يملك الرجوع فيه لما روى ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده. وإن وهب للولد ، أو ولد الولد - وإن سفل - جاز له أن يرجع للخبر (الحديث) ولأن الأب لا يتهم في رجوعه لأنه لا يرجع إلا لضرورة ، أو لإصلاح الولد
بدائع الصنائع (ج 6 ص 1345)
ولا خلاف في أن الرجوع في الهبة بقضاء القاضي فسخ ، واختلف في الرجوع فيها بالتراضي ، فمسائل أصحابنا تدل على أنه فسخ ، أيضا كالرجوع بالقضاء فإنهم قالوا يصح الرجوع في المشاع الذي يحتمل القسمة ، ولو كان (الرجوع بالتراضي) هبة مبتدأة لم يصح مع الشياع ، وكذا لا تقف صحته على القبض ولو كان هبة مبتدأة لوقفت صحته على القبض.