الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيتم في هذا الفصل تناول شروط الواقف الجعلية
(1)
، وذلك ضمن المباحث الآتية:
المبحث الأول التعريف بشروط الواقفين
يتكون العنوان من كلمتين هما: الشروط، والواقفين.
أ) فالشروط: جمع شرط، وهو لغة: ما يوضع ليلتزم في بيع، أو نحوه
(2)
.
وفي الفقه الإسلامي، يستعمل في معنيين:
أحدهما: الشروط التي اشترطها الشارع لصحة العبادات، أو المعاملات، أو نحوهما، بحيث إذا لم تتوافر أدى ذلك إلى بطلان التصرف، أو فساده
(3)
، فالشرط بهذا المعنى هو ما يتوقف عليه وجود الشيء وهو خارج عن ماهيته.
الثاني: الشروط التي يشترطها أحد العاقدين، أو كلاهما، وهي الشروط المقترنة بالعقد وتسمى كذلك: الشروط الجَعْلية، وهي المقصودة في هذا الفصل.
وقد عرفها بعضهم فقال: "الشرط: التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة"
(4)
.
(1)
شروط الواقف الجعلية: هي الشروط التي ينشئها الواقف بعد ثبوت الوقف، وهي شروط الأصل فيها الجواز بما يحقق مصلحة الوقف بما لا يخالف الشرع أو لا يخالف مقصود عقد الوقف، وقد تقدم في الفصل الخامس تناول الشروط التكليفية المتعلقة بالواقف بكونه يتكامل توجه إليه الخطاب الشرعي في حقه في تمكينه من الوقف ابتداء.
(2)
انظر: القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي مجد الدين، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 8، 2005 م، مادة "شرط".
(3)
انظر للتفرقة بين الباطل والفاسد عند الحنفية، وعدم التفرقة بينهما عند الجمهور: المنثور في القواعد، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، وزارة الأوقاف الكويتية، ط 2، 1405 هـ، 2/ 303، وشرح التلويح على التوضيح، سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، مكتبة صبيح، مصر، د. ط، 1/ 218.
(4)
غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أحمد بن محمد مكي أبو العباس شهاب الدين الحسيني الحموي الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 هـ/ 1985 م، 2/ 225.
ب) والواقفون:
جمع واقف، وهو الذي قام بحبس أصل وتسبيل ثمرته، أو منفعته.
ويشترط لصحة وقفه شروط سبق ذكرها عند الكلام عن المحور الخاص بالواقف.
ج) منزلة شروط الواقفين في الشرع:
سُنَّ الوقف في الإسلام ليفتح الشارع الحكيم بذلك بابًا عظيمًا من أسباب قوة الأمة وعزتها، وطريقًا إلى تحصيل الأجر والثواب، وكان الوقف في عصور الإسلام الزاهرة عماد حياة الناس في مصالح دينهم ودنياهم؛ فكانت أكثر المصالح العامة التي ترعاها الدول عادة تقوم على الأوقاف؛ كالمساجد والمدارس والمستشفيات وأعمال الحسبة وأعمال النظافة للسكك والأنهار، وإنارة الشوارع والساحات بالمصابيح، وسقيا الماء، والبريد، ونُزُل المسافرين، وكانت الدول تنهار وتقوم مكانها أخرى؛ دون أن تتأثر هذه المصالح العظيمة؛ لأن القائمين عليها هم نظار هذه الأوقاف.
إن لشروط الواقفين في أوقافهم أثرًا عظيمًا في توجيه مصارف الوقف نحو مثل هذه الأعمال، ولهذا عُني الفقهاء بتفصيل أحكامها في كتبهم، وبينوا أن لشروط الواقفين قوة واعتبارًا تستمدهما من أصل شرعية الوقف، وذلك لأن الأصل أن الواقف لم يرض بحبس ملكه لله تعالى وإخراجه من ملكه إلا بهذه الشروط، ومقتضي ذلك في سائر العقود أن الشرط إذا لم يتحقق بطل العقد وعاد المعقود عليه إلى صاحبه، ولا سبيل إلى ذلك في الوقف؛ فوجب اعتبار شروط الواقف في وقفه.
د) المعتبر في تفسير ألفاظ الواقفين:
شروط الواقف ربما تكون عامة أو مطلقة، وربما يشوبها في لفظها أو معناها ما يجعلها في حاجة إلى تفسير وبيان؛ فما المعتبر في ذلك؟
اختلف الفقهاء فيما يفسر شرط الواقف على قولين:
القول الأول: المعتبر في تفسير ألفاظ الواقفين عرف الشارع إن كان له عرف: قال السبكي "ولو كان فهم العوام حجة لم يُنظر في شيء من كتب الأوقاف، ولا
غيرها مما يصدر منهم، ولكنا ننظر في ذلك، ونجري الأمر على ما يدل عليه لفظها لغة وشرعًا سواء أعلمنا أن الواقف قصد ذلك أم جهله، وما ذاك إلا أن من تكلم بشيء التزم حكمه، وإن لم يستحضر تفاصيله حين النطق به"
(1)
.
وذهب الزركشي إلى أن "ما له مسمي عرفي وشرعي يُحمل عند الإطلاق على الحقيقة الشرعية أولًا، ثم العرفية"
(2)
.
القول الثاني: المعتبر عرف الاستعمال أو لغة المتكلم دون النظر إلى لغةٍ أو عرفٍ آخَرَيْن؛ لأن كلام الناس في عقودهم وإنشاءاتهم إنما يدل على مقاصدهم هم، فلا تكون لغة الشارع أو عرفه دليلًا على مقاصدهم. ويُقوَّى هذا أنه إذا كانت اللغة الغالبة لبلد إنما تُعرف بها مقاصد المتكلمين بها، وأنه لا يجوز أن يُفسَّر بها كلام أقلية تتكلم بغيرها؛ فكذلك ألفاظ وعقود الناس إنما تُفسر بلغتهم، أو عرف استعمالهم، وليس بلغة الشارع أو عرفه.
وهذه المسألة - في أصلها - ضرورية ظاهرة؛ ولهذا بني عليها العلماء في فهم ألفاظ الكتاب والسنة؛ فقرروا أن المعتبر في ذلك مصطلح الشارع؛ لأنه أقوى الدلالات على مراده؛ فإن لم يوجد له مصطلح فلغة العرب؛ لنزول القرآن بها؛ فإن لم توجد فعرف المخاطبين في ذلك.
مثال ذلك: لو وقف على الفقراء من يرى أن عادم بيت المثل فقير: جاز لناظر وقفه أن يُعطي مَنْ هذه صفته من ريع هذا الوقف، ولو كان حد الفقر في الشريعة لا ينطبق عليه؛ لأننا استنبطنا مراده من عرفه المطرد.
وكذلك من وَقَفَ على طلبة العلم وفي مصطلحه، أو عرفه الدارج عند الإطلاق أن العلم هو كل ما نفع الناس في دينهم ودنياهم جاز إعطاء طلاب العلوم البحتة النافعة للأمة من وقفه، ولو كان العلم في الشريعة واصطلاح الفقهاء يُطلق على علوم الكتاب والسنة.
(1)
فتاوى السبكي، أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، دار المعارف، مصر، 1/ 356.
(2)
البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي، 86/ 5.