الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا خلاف بين الفقهاء في جواز استعانة الناظر بأعوان على أعمال الوقف وإدارة شؤونه، ولهم في ذلك آراء نفصِّلها فيما يأتي:
أ) عند الحنفية:
نصَّ فقهاء المذهب الحنفي على مشروعية تنصيب الناظر لأعوان وأجراء له يقومون على رعاية الوقف وإدارة شؤونه، كما نصُّوا على استحقاق أولئك الأعوان للأجرة، وأن مرجع تقديرها إلى ما تعارفه الناس، وفيما يأتي بعض أقوالهم:
1 -
قال الخصاف: "لوالي الوقف أن يستأجر الأجراء لما يحتاج إليه من العمارة وهذا شيء قد كُفينا مؤونة الاحتجاج له؛ لأن عمل الناس عليه، قلت: وهل يحدُّ القيام الذي يستحق به هذا الرجل ما جعل له الواقف من غلَّة هذه الصدقة؟ قال: ليس عندنا في هذا شيء محدود، وإنما ذلك على ما يتعارفه الناس من القيام بعمارة ما وقعت عليه عقدة هذه الصدقة واستغلال ذلك وبيع غلاته وتفرقة ما يجتمع من غلاته في الوجوه التي سبلها فيها، قلت: أرأيت إن لم يباشر الرجل هذا بنفسه؟ قال: إنما يكلف من هذا ما يجوز أن يفعله مثله، ولا ينبغي له أن يقصر عن ذلك، وأما ما كان يفعله الوكلاء والأجراء فليس ذلك عليه، ألا ترى أنه لو جعل القيام بذلك إلى امرأة من أهله أو من بيته، وجعل لقيامها بذلك مالًا سماه لها في كل سنة؛ هل تكلف المرأة من القيام إلا مثل ما يفعله النساء؟ قال: ليس عليها من ذلك إلا ما يتعارفه الناس في هذا الأمر، ألا ترى أن الرجل يكون له الضياع فلا يباشرها بنفسه ولا يشاهدها، وإنما يقوم بأمرها كفاته، فكذلك حال القيم بأمر هذه الصدقة فيما يتولاه من ذلك
(1)
.
2 -
وقال برهان الدين الطرابلسي الحنفي: "فصل فيما يجعل للمتولي من غلَّة الوقف: يجوز أن يجعل الواقف للمتولي على وقفه في كل سنة مالًا معلومًا لقيامه بأمره،
(1)
أحكام الأوقاف، الخصاف، 345، وانظر: المحيط البرهاني، ابن مازة، 6/ 149.
والأصل في ذلك ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حيث قال: "لوالي هذه الصدقة أن يأكل منها غير متأثل مالًا"، وما فعله على بن أبي طالب رضي الله عنه؛ حيث جعل نفقة العبيد الذين وقفهم مع صدقته ليقوموا بعمارتها من الغلَّة، وهو بمنزلة الأجير في الوقف، ألا ترى أنه يجوز له أن يستأجر أجراء لما يحتاج إليه الوقف من العمارة، وعليه عمل الناس، وليس له حد معين، وإنما هو على ما تعارفه الناس من الجعل عند عقده الوقف؛ ليقوم بمصالحه من عمارة واستغلال وبيع غلات وصرف ما اجتمع عنده فيما شرطه الواقف، ولا يكلف من العمل بنفسه إلا مثل ما يفعله أمثاله، ولا ينبغي له أن يقصر عنه وأما ما تفعله الأجراء والوكلاء فليس ذلك بواجب عليه، حتى لو جعل الولاية إلى امرأة وجعل لها أجرا معلوما، لا تكلف إلا مثل ما تفعله النساء عرفًا"
(1)
.
3 -
وفي الفتاوى الهندية: "إذا جعل الواقف للقائم بأمر الوقف مالًا معلومًا كل سنة للقيام بأمر الوقف جاز، ويكلف القائم ما يفعله مثله وجاءت العادة به؛ من عمارة الوقف واستغلاله ورفع غلاته وتفريقها في وجوه الوقف، كذا في الحاوي، ولا ينبغي أن يقصر في ذلك، وأما ما كان يفعله الوكلاء أو الأجراء فليس له ذلك، كذا في المحيط، حتى ولو جعل الولاية إلى امرأة وجعل لها أجرًا معلومًا، لا تكلف إلا مثل ما تفعله النساء عرفًا، ولو نازع أهل الوقف القيم وقالوا للحاكم: إن الواقف إنما جعل هذا في مقابلة العمل، ولا يعمل شيئًا لا يكلفه الحاكم من العمل ما لا تفعله الولاة، كذا في البحر الرائق، وإن حدث للمتولي آفة؛ مثل: الجنون أو العمى أو الخرس .. فإن أمكنه مع ذلك الأمر والنهي؛ فالأجر قائم، وإن لم يمكنه ذلك لم يكن له من الأجر شيء، فإن طعن في الوالي طاعن لم يخرجه القاضي من الولاية إلا بخيانة ظاهرة، فإن أخرجه قطع عنه الأجر الذي جعل له الواقف لقيامه، وإن صلح من أخرجه القاضي رد عليه ولاية الوقف، كذا في الحاوي، وإن رأى أن يدخل آخر ويكون بعض هذا المال فلا بأس بذلك، وإن كان هذا المال الذي سمى قليلًا ضيقًا فرأى الحاكم أن يجعل للرجل الذي أدخل معه رزقًا من غلَّة الوقف؛ فلا بأس
(1)
الإسعاف في أحكام الأوقاف، 54.