الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج) اتجاهات الفقهاء في تضمين الناظر المجهّل إذا مات:
واختلف الفقهاء في تضمين الناظر إذا مات مجهّلًا لمال الوقف إلى ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: الناظر إذا مات مجهلًا لعين الوقف أو مال البدل - أي ثمن الأرض المستبدلة - فإنه يضمنه، ومعني ضمانه صيرورته دينًا في تركته، وإليه ذهب الحنفية
(1)
.
قال الحموي الحنفي: "ويُستفاد من قولهم: إذا مات مجهلًا لمال البدل يضمنه، جواب واقعة الفتوى؛ وهي أن المتولي إذا مات مجهلًا لعين الوقف كما إذا كان الوقف دراهم أو دنانير على القول بجوازه وعليه عمل الروم أن يكون ضامنًا له؛ لأنه إذا كان يضمن بتجهيل مال البدل فبتجهيل عين الوقف أولى"
(2)
.
واختلف الحنفية في تضمين الناظر إذا مات مجهلًا لغلَّة الوقف على أربعة أقوال:
القول الأول: ورد في غالب كتب المذهب المعتمدة أن الناظر إذا مات مجهلًا غلات الوقف فإنه لا يضمن
(3)
.
القول الثاني: جاء في أنفع الوسائل: إنه ينبغي أن يفصل فيه فيقال: إن حصل طلب المستحقين من الناظر وأخر حتى مات مجهلًا ضمن، وإن لم يحصل طلب منهم ومات مجهلًا ينبغي أيضًا أن يقال: إن كان محمودًا بين الناس معروفًا بالديانة والأمانة إنه لا ضمان عليه، وإن لم يكن كذلك ومضى الزمان والمال في يده ولم يفرقه ولم يمنعه من ذلك مانع شرعي يضمن.
القول الثالث: أنه إن مات فجأة لا يضمن لعدم تمكنه من بيانها فلم يكن حابسًا لها ظلمًا، وإن مات بمرض ونحوه فإنه يضمن؛ لأنه تمكن من بيانها ولم يبين فكان مانعًا ظلمًا فيضمن
(4)
.
(1)
انظر: غمز عيون البصائر، الحموي، 3/ 147، والفتاوى الهندية، 2/ 349، ومجمع الضمانات، البغدادي، 324، وحاشية ابن عابدين، 5/ 666.
(2)
غمز عيون البصائر، الحموي، 3/ 147.
(3)
انظر: المرجع السابق، 3/ 147.
(4)
انظر: المرجع السابق، 3/ 147.
القول الرابع: يرى قاضي خان من الحنفية أن المتولي إذا مات مجهلًا غلات المسجد ومات من غير بيان فإنه لا يضمن
(1)
.
وقال ابن عابدين من الحنفية بعد أن ذكر الخلاف بين علماء الحنفية في تضمين الناظر إذا مات مجهلًا لغلَّة الوقف: والحاصل أن المتولي إذا قبض غلَّة الوقف ثم مات مجهز بأن لم توجد في تركته ولم يعلم ما صنع بها لا يضمنها في تركته مطلقًا كما هو المستفاد من أغلب عباراتهم، ولا كلام في ضمانه بعد طلب المستحق ولا في عدم ضمانه لو كانت الغلَّة لمسجد، وإنما الكلام فيما لو كانت غلَّة وقف لها مستحقون مالكون لها هل يضمنها مطلقًا على ما يفهم من تقييد قاضيخان أو إذا كان غير محمود ولا معروف بالأمانة كما بحثه الطرسوسي، أو إذا كان موته بعد مرض لا فجأة كما بحثه في الزواهر فليتأمل، وهذا كله في غلَّة الوقف، أما لو مات مجهلا لمال البدل: أي لثمن الأرض المستبدلة أو لعين الوقف فإن يضمن بموته مجهلًا بالأولى كما قال الشارح عن المصنف، وبه يعلم أن إطلاق المصنف والشارح في محل التقييد فتنبه
(2)
.
الاتجاه الثاني: إذا مرض الناظر مرضًا مخوفًا أو حبس للقتل لزمه أن يوصي بالدين من عين الوقف أو غلته فإن سكت عنهما ضمن؛ لأنه عرضهما للفوات إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسيه والمراد بالوصية الإعلام والأمر بالرد، وهذا ما ذكره الشافعية ضمن أسباب التقصير
(3)
.
قال الشيخ زكريا الأنصاري من الشافعية في معرض بيان ذكر أسباب تقصير المودع: "السبب الثالث ترك الإيصاء بها فعلى ذي مرض مخوف أو حبس لقتل إن تمكن من الرد والإبداع والوصية الرد لها إلى المالك أو وكيله، ثم إن عجز عن الرد إليهما فعليه الوصية بها إلى الحاكم، ثم إن عجز فعليه الوصية إلى أمين، ومحل الضمان بغير إيصاء وإيداع إذا تلفت الوديعة بعد الموت لا قبله على ما صرح به
(1)
العقود الدرية، ابن عابدين، 2/ 208.
(2)
انظر: تكملة حاشية ابن عابدين، 8/ 346.
(3)
انظر: روضة الطالبين، النووي، 6/ 329.
الإمام ومال إليه السبكي؛ لأن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به، وقال الإسنوي: إنّه بمجرد المرض يصير ضامنا لها حَتَّى لو تلفت بآفة في مرضه أو بعد صحته ضمنها كسائر أسباب التقصيرات ويؤيده ما سيأتي أول السبب الرابع، ومحله أيضًا في غير القاضي"
(1)
.
الاتجاه الثالث: إذا مات الناظر وجهل ما بيده من مال الوقف عينًا كانت أو غلَّة فإنه يضمن ويكون دينًا في التركة أسوة الغرماء، وإليه ذهب الحنابلة
(2)
، وهذا ما يؤخذ من عبارات المالكية والإمامية.
قال الرحيباني من الحنابلة: "وإن مات عامل في مضاربة، أو مات مودع - بفتح الدال - أو مات وصي على صغير أو مجنون أو سفيه، وجهل بقاء ما بيدهم من مضاربة الوديعة ومال موليه، فهو دَيْن لصاحبه في التركة أسوة الغرماء
…
قال في الفروع: ولأنه لما أخفاه ولم يعينه، فكأنه غاصب، فتعلق بذمته، قال في شرح الإقناع من كتب الحنابلة: قلت: وقياسه ناظر الوقف وعامله، إذا قبض للوقف شيئًا ومات، وجهل بقاؤه، وقد وقعت مسألة الناظر وأفتيت فيها باللزوم"
(3)
.
قال المَوّاق (تعريف وضبط) من المالكية: "إذا مات المودع ولم توجد الوديعة أنها في ماله"
(4)
.
وقال المحقق الحلي من الإمامية: "إذا اعترف بالوديعة ثمّ مات، وجهلت عينها، قيل: تخرج من أصل تركته، ولو كان له غرماء، فضاقت التركة حاصهم المستودع، وفيه تردُّد"
(5)
.
(1)
أسنى المطالب، الأنصاري، 3/ 77.
(2)
كشاف القناع، البهوتي، 3/ 522.
(3)
مطالب أولي النهى، الرحيباني، 3/ 537.
(4)
التاج والإكليل، المَوّاق، 7/ 282.
(5)
شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، أَبُو القاسم نَجْم الدِّين جعفر بن الحسن الحلي، 2/ 134.