الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتختلف تصرفات الناظر بالنظر إلى تحقيق شرط الواقف بحسب تعيينه لشروط المستفيد من وقفه من عدمه في وقفيته، ومن هنا يكون الحديث عنها من جهتين:
الجهة الأولى: أن يحدِّد الواقف شروطًا لوقفه:
إن حدَّد الناظر شروط الاستفادة من العين الموقوفة ولم يكن فيها شرطًا يتناقض مع مقاصد الشرع والوقف، كأن يكون الوقف على معصية
(1)
؛ فإن الفقهاء يتفقهون على وجوب اتباع شروطه إلا إن تعذَّر تحقيق الشرط، ولا يحقُّ له الاجتهاد من نفسه، فإن فعل يكون ضامنًا.
فجاء عن الحنفية: "لا تجوز إجارة الوقف أكثر من المدة التي شرطها الواقف؛ لأنه يجب اعتبار شرط الواقف؛ لأنه ملكه أخرجه بشرط معلوم ولا يخرج إلا بشرطه"
(2)
.
واستثنوا من ذلك:
- مسألة الاجتهاد في تقدير ما هو أنفع أو أصلح للموقوف عليهم؛ كالقول بتغيير دفع العين إلى دفع القيمة، ومثاله ما جاء عن الحنفية في قولهم:"لو شرط للمستحقين خبزًا ولحمًا معيَّنًا كلَّ يوم، فللقيِّم دفع القيمة من النقد"
(3)
.
- العمل بالعادة الجارية في المصرف عند جهله أو مقدار استحقاقهم؛ ومثاله ما جاء في تكملة حاشية الدر المحتار من المدرسة الحنفية، قوله: "قال: سُئل شيخ الإسلام عن وقف مشهور اشتبهت مصارفه وقدر ما يصرف إلى مستحقيه؟ قال: ينظر إلى المعهود من حاله - فيما سبق - من الزمان من أن قوامه كيف يعملون فيه وإلى من يصرفونه، فيبني على ذلك لأن الظاهر أنهم كانوا يفعلون ذلك على
(1)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 232، والخرشي على مختصر سيدي خليل، 7/ 93.
(2)
الاختيار لتعليل المختار، الموصلي الحنفي، 3/ 52.
(3)
رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 387.
موافقة شرط الواقف، وهو المظنون بحال المسلمين، فيعمل على ذلك"
(1)
.
وجاء عن المالكية: "مهما شرط الواقف ما يجوز له؛ اتبع"
(2)
. واستثنوا من ذلك:
- تقديم نفقة صيانة الوقف على نفقة الموقوف عليهم، إذ لو شرط في وقفيته عدم صيانة الوقف من الغلَّة أو أن يجعلها بعد صرف مستحقات الموقوف عليهم لم يُتبع شرطه؛ ومثاله قولهم:"لو شرط الواقف ما يجوز أن يبدأ من غلتها بمنافع أهله ويترك إصلاح ما يتخرم منه؛ بطل شرطها"
(3)
.
- مراعاة المقصد والمصلحة لا ظاهر اللفظ في تحقيق شرطه؛ كقولهم: "واتبع شرطه بلفظه - ولو في كتاب وقفه إن كان جائزًا، كشرطه أن لا يزيد على كراسين في تغييره الكتاب؛ فإن احتيج للزيادة؛ جازت مخالفة شرطه بالمصلحة؛ لأن القصد الانتفاع"
(4)
.
- عند انعدام المصرف الذي عيَّنه الواقف؛ ومثاله قولهم إن "تعذر صرفه في الوجه الذي عينه له كالقنطرة أو المسجد يهدمان ولا يُرجى عودهما؛ فإنه لا يتبع وينتفع
…
أنقاض القنطرة والمسجد في مثليهما"
(5)
.
وجاء الشافعية من منع التجاوز على الوقف قولهم: "ولا تغييره عن هيئته كجعل البستان دارًا أو حمَّامًا"
(6)
، واستثنوا من ذلك كما قال السبكي: "والذي أراه أنه يجوز تغييره في غير ذلك أيضًا بثلاثة شروط:
- أن يكون يسيرًا لا يغيِّر مسمى الوقف.
- وألا يزيل شيئًا من عينه، بل يُنقل نقضه من جانب إلى جانب.
(1)
رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 7/ 98.
(2)
التاج والإكليل لمختصر خليل، المواق، 6/ 33.
(3)
المرجع السابق، 4/ 88.
(4)
حاشية الدسوقي، 4/ 88.
(5)
البهجة في شرح التحفة، التسولي، 2/ 377.
(6)
أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، 2/ 476.
- وأن تكون فيه مصلحة للوقف"
(1)
.
وجاء عن الحنابلة: "ويُرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف عليه وفي التقديم والتأخير والجمع والترتيب والتسوية والتفضيل"
(2)
.
وجاء عن الزيدية، وجوب الالتزام بشرطة إلا عند الضرورة كحالة العمل:"بالظن فيما التبس مصرفه"
(3)
، واستثنوا من ذلك في ظاهر المذهب وفي نطاق ضيق مراعاة المصلحة التصرُّف في شرطه، إذ جاء عنهم قولهم: "قد تقرَّر أن الْوَقْف ملك لله محبس للانتفاع به، وما كان هكذا فلا ينظر فيه إلى جانب الواقف إلا من جهة العناية بمصير ثواب وقفه إليه على أكمل الوجوه وأتمها مهما كان ذلك ممكنًا، ومعلوم أن الاستبدال بالشيء إلى ما هو أصلح منه باعتبار الغرض المقصود من الْوَقْف والفائدة المطلوبة من شرعيته حسن سائغ شرعًا وعقلًا، أنه جلب مصلحة خالصة عن المعارض
(4)
.
وجاء عن الإمامية: "الْوَقْف يجب أن يجري على ما يعيِّنه الواقف ويشترط فيه، ولا يجوز لأحد تغيير شيء من شروطه، اللهم إلا أن يكون شرطًا يتعلَّق بوجه قُبح؛ فإنه يجب تغييره"
(5)
.
وجاء عنهم أيضًا: "وإذا وقف إنسان شيئًا على مصلحة، فانقرضت، أو بطل رسمها؛ جُعلت منافعها على وجه من وجوه البر"
(6)
.
وجاء عن الإباضية "وسئل: وإن وقفت نخلة فأكثر على أن يشتري بغلَّتها أرزًا، فتعذر وجوده أو تعسر إلا بالثمن الكثير، فهل يبدل به غيره كالبر مثلًا؟ وأجرة عناء
(1)
أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، 2/ 476.
(2)
الإنصاف، المرداوي، 7/ 42.
(3)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 333.
(4)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 336.
(5)
المهذب، ابن البراج، 2/ 85.
(6)
المرجع السابق، 2/ 89.