الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابعًا: استثمار أرض الوقف بالبناء والغراس:
نبَّه فقهاء الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإمامية، والإباضية إلى أهمية استثمار أرض الوقف بالعقود الزراعية؛ كالمغارسة والمزارعة والمساقاة، وكذا بالبناء فيها؛ لما فيه من تنمية أرض الوقف؛ ولما لهذه العقود من فائدة اجتماعية واقتصادية وأمنية للموقوف عليهم وللمجتمع، وكذا تحقيقًا لمقاصد الوقف.
وإن أولى الناس بالاهتمام بهذا الأمر ناظر الوقف بحكم ولايته عليه، إذ هي نوع من التصرفات التي يقوم بها للمحافظة عليه ولتنميته.
فجاء عن الحنفية: "وإذا دفع أرض الوقف مزارعة؛ يجوز إذا لم تكن فيه محاباة قدر ما لا يتغابن الناس فيها، وكذلك لو دفع ما فيها من النخيل معاملة يجوز"
(1)
.
وجاء عن المالكية، ما نقله الونشريسي في المعيار قال:"وسئل غيره عن موضع محبس لزيت الاستصباح للمسجد وفيه شجرتان، وكان في الأعوام الماضية يدفعه الناظر في الأحباس لمن يحرثه ويخدمه على أن يأخذ النصف من العصير، أو يقف على غيره فيكون شريكا معه على النصف، فهل يجوز ذلك أم لا؟ أم يكون على العامل جمع العصير وتيبيسه، وحينئذ يقسمه مع الناظر في الأحباس؟ بينوا لنا وجه الصواب في ذلك مأجورين؟ فأجاب: عقد المساقاة على الوجه الذي كان يعقدها عليه الناظر في الأعوام الماضية جائز لا بأس به، وكذلك شرط الجمع والتيبيس على العامل جائز أيضًا، فعلى أي الوجهين عقده فيها واسع إن شاء الله"
(2)
.
وجاء عن الشافعية ما يفيد استثمار أرض الوقف بالغراس بقولهم: "ثم إلى المتولي العمارة وتحصيل الريع بالزرع"
(3)
، فيفهم من عبارة "تحصيل الريع الزرع" والذي لا يتحقق معناه إلا بشغل أرض الوقف واستغلالها بما يتضمن ذلك من عقود زراعية.
(1)
الفتاوى الهندية، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، 2/ 423.
(2)
المعيار المعرب، الونشريسي، 7/ 183 - 184.
(3)
الوسيط في المذهب، الغزالي، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر، دار السلام، القاهرة، ط 1، 1417 هـ، 4/ 258.
وجاء عن الحنابلة: "ولو دفع أرضه إلى آخر يغرسها بجزء من الغَرس؛ صح، كالمزارعة واختاره أبو حفص العكبري والقاضي في تعليقه، وهو ظاهر مذهب أحمد، ولو كانت الأرض مغروسة، فعامله بجزء من غراسها؛ صح، وهو متقضى ما ذكره أبو حفص ولا فرق بين أن يكون الغارس ناظر وقف أو غيره"
(1)
.
وجاء أيضًا عنهم في بيان وظيفة ناظر الوقف: "ووظيفة الناظر: حفظ الوقف وعمارته
…
وزرعه"
(2)
.
وجاء عن الزيدية: "ودفع الأرض ونحوها للاستغلال إلا عن حقٍّ فيؤجرها منه ثم يقبض الأجرة"
(3)
.
وجاء عن الإمامية: "ويجوز للمجتهد إيجاره لزراعة ونحوها"
(4)
.
وجاء عن الإباضية: "وسُئل: عن أرض للمسجد فيها سدرة لا ماء لها ولا قيمة لها إذا بيعت إلا بقدر ثلاثة قروش أو أربعة، هل يجوز أن يغرس في هذه الأرض نخلتان شاربتان أو يقايض هذه الأرض بصرمة تفسل أم لا؟ الجواب: علم الموقوف فيما يصلح له؛ فإن رأيتم غسل الأرض أصلح فأفسلوها، وإن رأيتم أن تقايضوا بها نخلًا، فقد أجاز ذلك بعض العلماء على نظر جماعة المسجد وعماره، والله أعلم"
(5)
.
إن مجموع هذه الفتاوي تفيد استثمار العين الزراعية الموقوفة وتحقق مقاصد الوقف الاقتصادية الاجتماعية التضامنية.
(1)
الاختيارات الفقهية، ابن تيمية، تحقيق: علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي، دار المعرفة، بيروت، 1397 هـ/ 1978 م، 488.
(2)
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، أبو النجا الحجاوي، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة بيروت، 3/ 14.
(3)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 332 - 333.
(4)
كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء، جعفر بن علي بن جعفر بن خضر الجناجي النجفي المعروف بـ"كاشف الغطاء"، انتشارات مهدوي، إيران، د. ت، ومكتب الإعلام الإسلامي، إيران، ط 1، 1422 هـ، 2/ 372.
(5)
خلاصة المسائل بترتيب المسائل، عيسى بن صالح الحارثي، 4/ 69.