الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع العبرة في شروط الواقف والقواعد الأصولية لتفسير ألفاظ الواقف
أولًا: هل العبرة في شروط الواقف بالألفاظ أو بالمقصود
؟
هل لفظ الواقف يجب اتباع دلالته الظاهرة المأخوذة من ظاهر اللفظ ومبناه دون النظر إلى قصوده وإرادته الباطنة التي قد يمكن الكشف عنها من خلال القرائن والملابسات التي تحيط بالوقف نفسه؟
وإذا كان الفقهاء قد اختلفوا في باب العقود حيث إن منهم من رجح الاعتماد على ظاهر اللفظ ومبناه دون الخروج عن محتواه، ومنهم من رجح المقاصد والبواعث
(1)
.
وهذا الخلاف السابق وارد في ألفاظ الواقف يستعاض عنه بالقول المستقرة: أن ألفاظ الواقف وشروطه إن كانت من المشترك، أو المجاز أو الكناية التي ليست نصًا في المعنى؛ فإن القرائن القولية والحالية والملابسات المحيطة بالموضوع لها دور كبير في تحديد مقصود الواقف، إضافة إلى أن للنيات هنا دورًا عظيمًا جدًّا في تحديد مراده.
وإن كانت نصًا، أو ظاهرًا فيفسر حسب الظاهر إلّا إذا وجد مقتضى قوي يصرفه عن ذلك، فيقول العز بن عبد السلام أن: اللفظ محمول على ما يدل عليه ظاهره في اللغة أو عرف الشرع أو عرف الاستعمال، ولا يحمل على الاحتمال الخفي ما لم يقصد أو يقترن به دليل
(2)
.
(1)
انظر: الفتاوى، السبكي، 1/ 356، والبحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي،5/ 86.
وانظر لمزيد من البحث والتفصيل: مبدأ الرضا في العقود، د. علي القره داغي.
(2)
انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي الملقب بسلطان العلماء، راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، جديدة مضبوطة منقحة 1414 هـ/ 1991 م، 2/ 102.
وهنا يرد السؤال حول دور القصد والنية، والفقهاء ليسوا على سنن واحد في الإجابة عن هذا السؤال كما سبق
(1)
.
فهناك من يرى أن للقصد دور مقبول في هذا النطاق أيضًا، فيقول الحافظ ابن رجب: "النية تعمم الخاص، وتخصص العام بغير خلاف، وهل تقيد المطلق أو تكون استشاءً من النص؟ على وجهين فيهما ....
(2)
، وقد عبّر القفال الشاشي عن ذلك فقال: ولا بد من النظر إلى مقاصد الواقفين، وكل أحد يجزم بان غرضه توفير الريع على جهة الوقف، وقد تحدث على تعاور الأزمان مصالح لم تظهر في الزمن الماضي، وتظهر الغبطة في شيء يقطع بأن الواقف لو اطلع عليه لم يعدل عنه، فينبغي للناظر أو الحاكم فعله"
(3)
، وهذا يدل على أن على الناظر التروي وبُعد النظر، وعدم الاستعجال.
ومما يتعلق بالموضوع ما جاء في المعيار عبارة جميلة واضحة في هذا الصدد، عند حديثه عن أن الواقف إذا قصر الحبس على الانتفاع لا يجوز فيه الكراء، فقال: "
…
إلّا على رأي من يلغي اللفظ ويعتبر القصد كما وقع للقابسي: فيمن حبس كتبًا واشترط أن لا يعطي منها إلا كتاب واحد، قال: فإن احتاج طالب لكتابين منها وكان مأمونًا أعطى، وإنما يمنع من ذلك غير المأمون، وعليه يتخرج إخراج الكتب من خزائنها لمن ينتفع بها في منزله، ونحوه ما وقع للخمي في مسألة المدونة: وهي امرأة حبست على ابنة ابنتها دنانير على أن تنفق منها إذا أرادت الحج أو نفست، فذلك نافذ فيما شرطت، وليس للابنة أن تتعجلها، فقال اللخمي: "لو نزلت شدة حتى خيف عليها لأنفق عليها منها، لأنه قد جاء أمر يعلم أن الجدة أرغب فيه من الأول
…
قال أبو عمران في اعتبار لفظ التحبيس: الناس عند شروطهم في أموالهم، وفيما أعطوا، وقال: يعمل ما يفهم عن المحبس، فالمفهوم من حاله كالمفهوم من مقاله"
(4)
.
(1)
مبدأ الرضا في العقود، د. علي القره داغي، 2/ 1223.
(2)
القواعد، ابن رجب، 301 - 305.
(3)
المجموع، النووي،15/ 361.
(4)
المعيار المعرب، الونشريسي، 7/ 291 - 292 وانظر أيضًا 7/ 340.