الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث تقسيمات الفقهاء لشروط الواقفين الجعلية
هناك تقسيمات متنوعة لشروط الواقفين نذكر أهمها:
التقسيم الأول: باعتبار الوصف الشرعي
(1)
فبهذا الاعتبار تقسم شروط الوقف بالنسبة للواقف إلى:
1 -
شروط مندوبة: أي أنه يستحسن له ويستحب أن يذكرها اقتداءً بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهي الشروط الثابتة في الأحاديث الثابتة، مثل النص على أن الموقوف لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، والنص على أن ثمرته، أو ريعها، أو إيرادها للفقراء، أو القربى، وفي سبيل الله، وابن السبيل ونحو ذلك من وجوه الخير
(2)
.
2 -
شروط محرمة، وهي الشروط التي تتعارض مع نص ثابت من نصوص الشريعة، مثل الوقف على المحرمات، أو اشتراط شرط فيه معصية.
3 -
شروط مكروهة، وهي الشروط التي تتضمن ترك ما أحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو فعل ما كرهه الله تعالى ورسوله
(3)
.
4 -
شروط مباحة.
التقسيم الثاني، باعتبار الحكم الوضعي
قسم الفقهاء شروط الواقفين بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام، شروط صحيحة، وشروط باطلة، وشروط فاسدة:
القسم الأول: الشروط الصحيحة:
وهي الشروط التي لا تتعارض مع مقتضى الوقف
(4)
، ولا تخالف الشرع.
(1)
أي الحكم الشرعي التكليفي.
(2)
انظر: صحيح البخاري مع الفتح، ابن حجر، 5/ 354 و 355، وصحيح مسلم، 3/ 1255.
(3)
انظر: حاشية الدسوقي، 4/ 79، ومجموع الفتاوي، ابن تيمية، 31/ 44.
(4)
المراد بمقتضى الوقف هو ما يستوحيه من آثار أصلية مثل انتفاع الموقوف عليه بالعين الموقوفة، ويدخل فيه الشروط التي تحقق هذا المقتضى، ولا تخل بأصله، وليس فيه تعطيل المصلحة الوقف، ويراجع: المصادر السابقة.
ونذكر فيما يلي بعض الشروط الصحيحة الواردة في كتب السنة:
1 -
ترجم البخاري في صحيحه: باب الشروط في الوقف
(1)
، ثم أورد حديث عمر رضي الله عنه الذي تضمن شروطه في الأرض الموقوفة، بأن لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، وهي شروط مؤكدة لمقتضى الوقف، وشروطه الخاصة بتوزيع ريعها في الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضعيف، وشروطه الخاصة بمتولي الوقف، فقال:"ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول - أي غير متخذ منها مالًا" - وفي رواية: "غير متأثل مالًا" والمراد أن لا يتملك شيئا من رقابها
(2)
، بل إن اشتراط بعض هذه الشروط مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روى البخاري بسنده عن جويرية عن نافع عن ابن عمر بلفظ: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق بأصله، لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ولكن ينفق ثمره"؛ فتصدق به عمر
…
(3)
.
بل إن سيدنا عمر رضي الله عنه عنه كتب في وصيته: "إن ولاية وقفه لأرض (ثمغ) لحفصة ما عاشت، تنفق ثمره حيث أراها الله، فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها"
(4)
، قال الحافظ ابن حجر:"وفيه أي في حديث عمر - أن للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف، لأن عمر شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف، ولم يستثن إن كان هو الناظر أو غيره، فدل على صحة الشرط، وإذا جاز في المبهم الذي تعينه العادة كان فيما يعينه هو أجوز .... "
(5)
.
2 -
اشتراط الواقف لنفسه أن يكون له نصيب من وقفه، حيث ترجم البحاري: باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا، أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين، ووقف أنس دارًا إذا قَدِم نَزَلها، وتصدق الزبير بدروه، وقال للمردودة من بناته: أن تسكن غير مضرة، ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فليس لها حق، وجعل ابن عمر نصيبه من دار سكنى
(1)
انظر: صحيح البخاري، مع الفتح، كتاب الوصايا، باب الشروط في الوقف، 5/ 354 - 355.
(2)
فتح الباري، ابن حجر، 5/ 401.
(3)
صحيح البخاري، 5/ 492.
(4)
فتح الباري، ابن حجر، 5/ 402.
(5)
فتح الباري، ابن حجر، 5/ 403.
لذوي الحاجات من آل عبد الله
(1)
. لذلك ترجم البخاري بابًا آخر عنون له: باب: هل ينتفع الواقف بوقفه؟ قال الحافظ ابن حجر: "أي بأن يقف على نفسه، ثم على غيره، أو يشرط لنفسه من المنفعة جزءًا معينًا
…
" وقد اختار البخاري جواز اشتراط أن ينتفع الواقف بوقفه، ثم أرود: أنه قد اشترط عمر رضي الله عنه: لا جناح على من وليه أن يأكل منها، وقد يلي الواقف وغيره، وكذلك كل من جعل بدنة وشيئًا الله، فله أن ينتفع بها كما ينتفع بها غيره وإن لم يشترط، ثم أورد حديث أنس بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة، فقال له: "اركبها"، فقال: إنها بدنة، قال في الثالثة أو الرابعة: "اركبها، ويلك أو ويحك"
(2)
.
وهذا الشرط محل اتفاق بين الفقهاء، وقد أيده الخليلي في جوابه عن حكم من وقف مالًا له في وجه من وجوه الخير في حياته، وشرط لنفسه الانتفاع به أو ببعض غلته، مع انتفاع من وقف لهم، فذكر أن للواقف أن ينتفع بالموقوف إن اشترط ذلك بنفسه في حياته، وله أن يشترط لنفسه الإشراف عليه في حياته، وله أن يشترط أيضًا أن يكون أحد من ورثته هو المشرف عليه من بعد وفاته، ولا مانع كذلك من أن يخصص أحدا من الناس يشرف على هذا الوقف
(3)
.
وذكر الحافظ ابن حجر أن هذه المسألة خلافية، وقال:"نعم إن شرط ذلك جاز على الراجح، والذي احتج به المصنف من قصة عمر ظاهر في الجواز، ثم قوّاه بحديث أنس"، وكذلك رجح ابن بطال، بل قطع بجواز ذلك بالشرط فقال:"وإنما يجوز ذلك آن شرطة في الوقف، أو افتقر هو أو ورثته"
(4)
، قال الحافظ: "والذي عند الجمهور جواز ذلك إذا وقفه على الجهة العامة دون الخاصة، ومن فروع المسألة: لو وقف على الفقراء مثلًا ثم صار فقيرا، أو أحد من ذريته، هل يتناول ذلك، والمختار أنه يجوز
(1)
انظر: صحيح البخاري مع الفتح، 5/ 406.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا، 5/ 383.
(3)
انظر: الفتاوى، أحمد خليلي، 4/ 102.
(4)
فتح الباري، ابن حجر، 5/ 383.