الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهناك نصوص فقهية تثبت للوقف حقوقًا باسمه ويطالب بواجبات.
فقد جاء في الدر المختار: "لا يجوز الاستدانة على الوقف إلا إذا احتيج إليها المصلحة الوقف"
(1)
.
وقال الخطيب الشربيني من الشافعية: "لو كان الشريك كمسجد له شقص لم يوقف باع شريكه يأخذ له الناظر بالشفعة"
(2)
.
فهل معنى ذلك أن للوقف نوعًا من ذمَّة وأهلية كذمَّة الإنسان
؟
هذا ما اختلف فيه الفقهاء المعاصرون: فمنهم من نفي الذمَّة عن الوقف ومنهم من أثبتها له.
قال د. مُحَمَّد علي القري: "وليس صحيحًا أن الوقف هو مثال للشخصية الاعتبارية ذات الذمَّة المالية المستقلة، إذ أن وصف الذمَّة المستقلة غير موجود في الوقف ولو وجد لأدي ذلك إلى جواز استيلاء دائنيه عليه إذا لم تفِ إيراداته في تسديد ديونهم، ولم يقل أحد بذلك، فدل ان الوقف ليس له ذمَّة مستقلة قابلة لتحمُّل الالتزامات"
(3)
.
ويقول على الخفيف: "نرى بعض الفقهاء - من الحنفية وغيرهم - يصرِّحون بأن الوقف ليس له ذمَّة، وأن بيت المال لا ذمَّة له"
(4)
.
ولذلك منع بعض فقهاء الحنفية من الاستدانة للوقف مطلقًا، كما نُقل ذلك عن هلال الرأي؛ فقد نقل ابن نجيم عنه قوله بأن الاستدانة إذا وقعت إنما تكون في ذمَّة الناظر
(5)
، وإلى ذلك ذهب ابن نجيم؛ وأنه إذا استدان الناظر يثبت عليه، ولا
(1)
الدر المختار مع رد المحتار، 4/ 439.
(2)
الإقناع في حل ألفاظ أَبِي شجاع، الخطيب الشربيني، 2/ 336.
(3)
أثر الخلاف بين الشخصية الطبيعية والاعتبارية في الأحكام الفقهية لمستجدات المصرفية الإسلامية، د. مُحَمَّد علي القري، 9 - 10.
(4)
الشركات في الفقه الإسلامي (بحوث مقارنة)، علي الخفيف، دار الفكر العربي، القاهرة، 1430 هـ/ 2009 م، 32.
(5)
انظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 227.
يملك قضاءه من غلَّة الوقف التي هي للفقراء
(1)
، وبرَّر بعضهم ذلك بـ"أن الوقف لا ذمَّة له"
(2)
.
ومن أجاز الاستدانة قال: إذا استدان ناظر الوقف لإصلاحه مثلًا مبلغًا يزيد عن قيمة الوقف، ثمّ لم يقدر على السداد؛ كانت الزيادة في ذمَّة الناظر؛ مما يدل على أن الوقف يفتقر إلى الذمَّة المالية المستقلة، وإلا كانت الديون قد ثبتت في ذمته، ولكانت تلك الديون في ذمَّة الوقف لا تنتقل بحال إلى ذمَّة الناظر، ففقهاء الإسلام عرفوا الشخصية الاعتبارية ذات الذمَّة المالية المستقلة، والمسئولية المحدودة لا مستند له ولا دليل عليه، وإن لم يتناولوه صراحة قديمًا، فاحتاج إلى قدر من النظر والتأمل المعرفة ما يترتب عليه من أحكام
(3)
.
بينما أورد د. علي محيي الدِّين القره داغي القول بثبوت نوع من الذمَّة للوقف
(4)
، وذهب إلى: "أن الفقه الإسلامي وإن لم يعترف للهيئات والشركات بوجود شخصية معنوية على غرار التشريعات الحديثة؛ لكنه وصل بطريقته إلى حلول تقترب منها حلول الفقه الوضعي من حيث الآثار والنتائج، فقد عالج الفقه الإسلامي الموضوع بشكل يقرُّ له بنوع من استقلالية الذمَّة، حيث قرَّر الفقهاء جواز الوقف على الجهة؛ وهي أشخاص غير معيَّنين؛ كالفقراء، أو مصالح خيرية؛ كالمساجد والمستشفيات .. ونحوها
(5)
، وقرَّر بعضهم - كالشافعية
(6)
والحنابلة
(7)
وغيرهم - جواز انتقال الملك إليها، فهذا دليل على انتقال الملك إلى غير الإنسان، بل أجاز بعضهم الوقف على بهيمة ويقبله المالك ويُنفق عليها من ريعه
(8)
، كما ذكر فقهاء الحنفية والشافعية أنه يجوز للقيِّم أن يستدين على
(1)
انظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 227.
(2)
حاشية ابن عابدين، 4/ 438.
(3)
انظر: أثر الخلاف بين الشخصية الطبيعية والاعتبارية، د. مُحَمَّد علي القري، 9 - 10.
(4)
الشخصية المعنوية أو الذمَّة المالية للوقف، د. علي القره داغي.
(5)
انظر: فتاوى قاضيخان، 3/ 293، وروضة الطالبين، النَّوَوِي، 5/ 319.
(6)
انظر: الروضة، النَّوَوِي، 5/ 342.
(7)
انظر: المغني، ابن قدامة، 5/ 601.
(8)
انظر: الروضة، النَّوَوِي، 5/ 318.