الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: اشتراط الواقف النظارة لنفسه:
ذكر بعض الفقهاء الإجماع على أن النظارة حقٌّ للواقف إذا اشترط النظارة لنفسه، حيث قال علاء الدين بن الحصكفي الحنفي:"جعل الواقف الولاية لنفسه جاز بالإجماع"
(1)
.
غير أن هذا الإطلاق فيه نظر؛ إذ لا بدَّ من
تحرير محلِّ النزاع:
تحرير محلِّ النزاع:
اتفق الفقهاء على أنه من الجائز شرعًا تولية نُظَّار على الوقف، واختلفوا في اشتراط الواقف النظارة لنفسه على قولين:
القول الأول: إن النظارة حقٌّ للواقف إذا اشترط النظارة لنفسه، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
، والظاهرية
(5)
.
(1)
الدر المختار، الحصفكي، 4/ 379، ولعل الإجماع المنطوق به هو اتفاق الحنفية على ذلك، لكي لا يتوهم متأخري الحنفية أن في المسألة خلافًا، إذ قد رُوي عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه يقول ببطلان الشرط، غير أن ما نُسب إليه فيه اضطراب واختلاف، ففي رد المحتار على الدر المختار: ردَّ العلامة قاسم على الزيلعي دعواه الإجماع بأن المنقول أن اشتراطها يُفسد الوقف عند محمد، كما في "الذخيرة"، ونازعه في "النهر" وأطال وأطاب، ثم ذكر ابن عابدين أن حاصل ما ذكره: أن فيه اختلاف الرواية عن محمد، واختلاف المشايخ في تأويل ما نقل عنه، انظر: الدر المختار، 4/ 397، حاشية رقم (1)، والذي يظهر من تتبُّع كلام الحنفية رحمهم الله أن خلاف محمد بن الحسن فيما إذا لم يشترط الواقف النظارة له، أما لو اشترطها فهي له، قولًا واحدًا. انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 379.
(2)
انظر: الدر المختار على تنوير الأبصار، الحصفكي، 4/ 379، وشرح فتح القدير (شرح كتاب الهداية في شرح البداية)، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بـ "ابن الهمام"، دار الفكر، دمشق، د. ت، 6/ 231.
(3)
انظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، ط 3، 1412 هـ/ 1991 م، 5/ 347.
(4)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 7/ 60.
(5)
انظر: المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الفكر، بيروت، د، ت، ودار الجيل ودار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت، 159.
وإلى هذا أيضًا ذهب الزيدية، إذْ نصوا على أن: ولاية الوقف إلى الواقف
(1)
، وعللوا ذلك أنه لما "قصد بذلك الوقف أن يكون صدقة جارية له، وثمرة يستفيد ثوابها حيًّا وميتًا، كانت هذه العلاقة التي هي الثمرة المستفادة من الوقف - مقتضية؛ لأن يكون للواقف مدخلًا فيما فيه جلب مصلحة للوقف، ودفع مفسدة عنه، ولا ينافي ذلك كون الرقبة قد صارت محبَّسة للانتفاع بها؛ لأن هذه العلاقة التي للواقف مقدَّمة على من له ولاية عامة من إمام وحاكم"
(2)
.
وكذا الإمامية، حيث نصوا على أنه:"يجوز للواقف أن يجعل لنفسه تولية الوقف ما دام حيًّا، أو إلى مدة معينة، مستقلًا فيها أو مشتركًا مع غيره"
(3)
.
القول الثاني: فيه تفصيل؛ حيث قال: إن الواقف إذا اشترط النظارة لنفسه وكان الوقف على غير صغار ولده أو من في حجره، فإن الشرط باطل، ويلزم الواقف إقباض الوقف للموقوف عليه، فإن امتنع من ذلك أجبر عليه، فإن لم يُقبض عنه ولا خرج عن يده حتى مات؛ فالوقف باطل، ويكون موروثًا عنه، ونُسب
(1)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب (شرح متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار)، القاضي صفي الدين أحمد بن قاسم العنسي اليمني الصنعاني، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، 1414 هـ/ 1993 م، 8/ 378، والبحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضي، صححه: القاضي عبد الله بن عبد الكريم الجرافي، مكتبة الخانجي، القاهرة، د. ت، ودار الحكمة اليمانية، صنعاء، 1409 هـ / 1988 م، 5/ 201.
(2)
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، بيروت، ط 1، 3/ 329، بتصرُّف.
(3)
مستند القضاء الجعفري، عبد الله فضل الله فحص، دار المحجة البيضاء، بيروت، ط 1، 1427 هـ/ 2006 م، 499، وأحكام الشريعة (طبقًا لفتاوى المرجع الديني الجعفري السيد محمد حسين فضل الله)، السيد محمد حسين فضل الله، دار الملاك، لبنان، 2006 م، 325، وفقه الإمام جعفر الصادق، محمد جواد مغنية، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، قم، إيران، طـ 2، 1421 هـ/ 2000 م، 5/ 73.