الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادس عشر: رهن الْوَقْف:
الرهن في اللغة:
يأتي الرهن في اللغة بعدة معانٍ؛ منها: الثبات والدوام، ومنها الحبس
(1)
.
والرهن في الشرع: جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفي منها أو من ثمنها إذا تعذَّر الوفاء
(2)
.
اختلف الفقهاء في حكم رهن الْوَقْف على قولين:
القول الأول: منع رهن الْوَقْف وتوابعه:
وهو ظاهر مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والإمامية، والإباضية، والمعتمد عند الزيدية.
فجاء عن الحنفية قولهم: "المتولي إذا رهن الْوَقْف بدَين لا يصح
(3)
، بل قَرَّروا عزله، وعدُّوا ذلك خيانة منه؛ إذ جاء عنهم أيضًا:"متولي الْوَقْف باع شيئًا منه أو رهن؛ فهو خيانة، فيُعزل"
(4)
، وهذا عملا بما تقرَّر عندهم من القاعدة الكلية في قولهم:"ما يجوز بيعه يجوز رهنه، وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه"
(5)
، وعلَّلوا ذلك أيضًا بقولهم:"لأنَّهُ لا يمكن بيعها وإيفاء الدين منها، وهو المقصود بالرهن"
(6)
.
وظاهر مذهب المالكية القول بمنع رهن الْوَقْف، ومن ذلك ما نقله لنا صاحب مواهب الجليل في قوله: "شتل الشيخ تقي الدين: إذا وقف كتابًا على عامة
(1)
انظر: لسان العرب مادة (رهن).
(2)
انظر: أسنى المطالب، الأنصاري، 2/ 144، ورد المحتار، ابن عابدين، 5/ 307، وحاشية الدسوقي، 3/ 231، والمغني، ابن قدامة، 4/ 361، ونهاية المحتاج، الرملي، 4/ 233.
(3)
الفتاوي الهندية، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، 2/ 420، والاختيار لتعليل المختار، ابن مودود الموصلي، 3/ 53.
(4)
الفتاوي الهندية، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، 2/ 413.
(5)
المرجع السابق، 2/ 413.
(6)
منار السبيل في شرح الدليل، ابن ضويان، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، ط 7، 1409 هـ. / 1989 م، 353.
المسلمين وشرط ألَّا يُعار إلا برهن؛ فهل يصح هذا الرهن أم لا؟ فأجاب: لا يصح هذا الرهن؛ لأنها غير مأمونة في يد موقوف عليه، ولا يُقال لها: عارية أيضًا، بل الآخذ لها إن كان من أهل الْوَقْف مستحقًّا للانتفاع؛ فيده عليها يد أمانة، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، ويكون في يد الخازن للكتب أمانة؛ لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها، والرهن أمانة، هذا إذا أُريد الرهن الشرعي، وأما إن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة؛ فيصح الشَّرط؛ لأنَّهُ غرض صحيح، وأما إذا لم يعلم مراد الواقف، فيحتمل أن يقال بالبطلان بالشرط؛ حملًا على المعنى الشرعي، ويحتمل أن يقال بالصحة؛ حملًا على المعنى، وهو الأقرب لصحته"
(1)
.
وجاء عن الشافعية: "وإذا باع أو رهن الْوَقْف؛ هل يعزل ويفسق بفعله، ذلك ويقيم الحاكم الشرعي غيره؛ سواء كان من قبل الواقف أو غيره؛ فأجاب بقوله
…
وإذا تعدى الناظر بنحو بيع أو رهن انعزل، ولزم الحاكم أن يولِّي غيره"
(2)
.
وجاء عن الحنابلة: "ولا يصح رهن ما لا يصح بيعه؛ كأم الولد، والوقف والعين المرهونة؛ لأن المقصود من الرهن استيفاء الدين من ثمنه؛ وما لا يجوز بيعه لا يمكن ذلك فيه"
(3)
وجاء عن الإمامية: "وكذلك أرض الْوَقْف لا يصح رهنها، فإن رهنها كان باطلًا، فإن كان فيها بناء نظرت: فإن كان من ترابها؛ فهو وقف، وإن كان من غير ترابها؛ فالبناء طلق والأرض وقف، وكذلك إن غُرست فيها أشجار؛ فالشجر طلق دونها، فإن رهن البناء والشجر؛ صحَّ، وإن رهنها دون الشجر والبناء؛ بَطَل، وإن رهنهما معًا؛ بطل في الأرض، وصحَّ في البناء والشجر"
(4)
.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، الحطاب، 7/ 654، وحاشية الدسوقي، 4/ 88.
(2)
الفتاوى الكبرى الفقهية، الهيتمي، 3/ 252.
(3)
انظر: المغني، ابن قدامة، 4/ 412.
(4)
المبسوط، الطوسي، 2/ 210.