الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن عابدين من الحنفية أيضًا في تعليقه على عبارة الحصكفي "والظاهر أن المراد بالحفظ حفظ مال الوقف عنده": "لكن قال في الفتح: وهذا يختلف بحسب العرف في معنى المشرف ومقتضاه أنه لو تعورف تصرفه مع المتولي اعتبر، ويحتمل أن يراد بالحفظ مشارفته للمتولي عند التصرُّف لئلا يفعل ما يضر ويؤيده ما ذكروه في مشرف الوصي"
(1)
.
وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية من كتب الحنفية: " (سُئِلَ) في وقف له متولٍّ ومشرف بمعنى الناظر بشرط واقفه والمتولي يتصرَّف في أمور الوقف بدون إذن المشرف واطلاعه ومعرفته بلا وجه شرعي فهل ليس له ذلك؟ (الجواب): نعم قال الفضلي يكون الوصي أولى بإمساك المال ولا يكون المشرف وصيًا، وأثر كونه مشرفًا أنه لا يجوز تصرف الوصى إلا بعلمه ا هـ. كذا نقله الشيخ خير الدين عن الخانية، وكذا نقله في أدب الأوصياء ثم قال: وفي الخاصي ويقول الفضلي يُفتي. ا هـ. وأنت على علم بأن الوقف يستقي من الوصية، ومسائله تنزع منها"
(2)
.
وقال القليوبي من الشافعية: "ليس لمشرف ولا ناظر حسبة تصرف، بل يتوقف صحة تصرف غيره على مراجعته فلا بدَّ من إذنه"
(3)
.
مسألة: محاسبة الناظر:
المحاسبة مفاعلة من الحساب، وهو استيفاء الأعذار فيما للمرء وعليه
(4)
.
والمراد بمحاسبة الناظر هو مناقشته فيما قام به من تصرفات في مال الوقف.
والأصل أن الناظر يتصرَّف بمقتضى المصلحة؛ قال السبكي من الشافعية: "كل متصرِّف عن الغير؛ فعليه أن يتصرَّف بالمصلحة"
(5)
.
(1)
حاشية ابن عابدين، 4/ 458، وشرح فتح القدير، ابن الهمام، 9/ 241.
(2)
العقود الدرية، ابن عابدين، 1/ 229.
(3)
حاشية القليوبي، 3/ 181، وحاشية البجيريمي على الخطيب، 4/ 75.
(4)
انظر: التعاريف، المناوي، 640.
(5)
الأشباه والنظائر، ابن نجيم، 310.
وناظر الوقف فرد من أفراد هذه القاعدة، وإذا تقرَّر أن الناظر لا يتصرَّف إلا بمقتضى المصلحة وأنه ممنوع من التصرُّف خلاف ذلك شُرعت محاسبته؛ للتأكد من عدم إخلاله بالمصلحة التي هو مطالب بالتصرف على حسبها، وفي الصحيح "أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على الصدقة؛ فلما رجع حاسبه"، وهذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين
(1)
.
يقول ابن نجيم الحنفي نقلًا عن القنية: "إن مشروعية المحاسبات للنظار إنما هي ليعرف القاضي الخائن من الأمين"
(2)
.
وبتتبُّع عبارات الفقهاء يتبيَّن أن الجهات التي لها محاسبة الناظر هي: الموقوف عليهم، والقاضي، وللسلطان كذلك أن ينصب ديوانًا يختصُّ بمحاسبة النظار؛ باعتبار أن السلطان هو الذي يقرر ولاية القضاة في الرقابة على الناظر، فلا مانع من أن يقرر الولاية لغيرهم؛ فقد سُئل ابن تيمية الحنبلي عن أوقاف ببلد؛ بعضها له ناظر خاص، وبعضها له ناظر من جهة ولي الأمر، وقد أقام ولي الأمر على كل صنف ديوانًا، يحفظون أوقافه، ويصرفون ريعه في مصارفه، وينظر في تصرفات النظَّار والمباشرين، ويحقِّق ما يجب تحقيقه من الأموال المصروفة .. فهل لولي الأمر أن يفعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة؟ أم لا؟ فأجاب: نعم لولي الأمر أن ينصب ديوانًا مستوفيًا لحساب الأموال الموقوفة عند المصلحة، كما له أن ينصب الدواوين لحساب الأموال السلطانية كالفيء وغيره، وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال، واستيفاء الحساب وضبط مقبوض المال ومصروفه من العمل الذي له أصل
(3)
.
كما أسند الفقهاء مهمة محاسبة النظار ومتابعة سير أعمالهم إلى القاضي إذا كانت ولايته عامَّة، أو كان قد خصه الحاكم بالنظر في الأوقاف فأصبح هو الذي يتابع أعمال الناظر ويشرف عليها
(4)
.
(1)
انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، 31/ 85 - 86، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 277.
(2)
البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 263.
(3)
انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، 31/ 85، ومطالب أولي النهى، الرحيباني، 4/ 334.
(4)
انظر: الأحكام السلطانية، الماوردي، 70.