الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: القائلون باشتراط أن يكون الناظر على الوقف بالغًا، وعدم صحة تولية الصبي على الوقف ولو كان من أهل الحفظ.
المعقول:
وهو من وجهين:
الوجه الأول: أن النظر على الوقف من باب الولاية، والصغير يولَّى عليه لقصوره، فلا يصحُّ أن يولَّى على غيره
(1)
.
الوجه الثاني: أن مراعاة حفظ الوقف مطلوية شرعًا، وإذا لم يكن الناظر متَّصفًا بالبلوغ
لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف، كما أن الصبي لا ينظر في ملكه الطلق؛ ففي الوقف أَوْلى
(2)
.
أدلة أصحاب القول الثاني: القائلون بأن القاضي إذا فؤض التولية إلى صبي صحَّ إذا كان أهلًا للحفظ، وتكون له ولاية التصرُّف.
المعقول:
قالوا بأن شرط التفويض لولاية النظر على الوقف ثبوت أهلية الحفظ، فإن كان صبيًّا وأهلًا للحفظ جاز؛ لأن العبرة بأهلية الحفظ، وهي التي تؤهِّله لولاية التصرُّف
(3)
.
الشرط الثالث: العدالة
(4)
:
العدالة شرط لا بدَّ من توافره في ناظر الوقف، لكن: ما هو الفرق بين شرط العدالة والشرط الذي سبق ذكره وهو الأمانة؟
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 381.
(2)
انظر: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، ابن النجار محمد بن محمد الفتوحي، 2/ 414، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 4/ 328.
(3)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، 5/ 245، وحاشية ابن عابدين، 4/ 381.
(4)
العدالة لغة: ضد الجور، وما قام في النفوس أنه مستقيم، وشرعًا: الاستقامة في طريق الحقِّ، بتجنُّب ما هو محظور في دينه، وقيل: صفة توجب مراعاتها التحرُّز عما يخل بالمروءة عادة ظاهرًا. انظر: القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزابادي، 1/ 1331، والتوقيف على مهمات التعاريف، زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي المناوي القاهري، عالم الكتب، القاهرة، ط 1، 1410 هـ / 1990 م، 1/ 505، والحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، تحقيق: د. مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط 1، 1411 هـ / 1990 م، 1/ 73.
من لازم العدالة الأمانة، وليس من لازم الأمانة العدالة، فبينهما عموم وخصوص مطلقًا، فكل عادل أمين، وليس كل أمين عادلًا، فقد يكون أمينًا لا يخون، إلا أنه يشرب الخمر .. ونحوه، وإلى ذلك أشار أبو عبيد عند قوله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
(1)
؛ حيث قال: "فمن ضيَّع شيئًا مما أمر الله به، أو ركب شيئًا مما نهى عنه؛ فليس ينبغي أن يكون عدلًا"
(2)
.
وقد اختلف الفقهاء في اشتراط عدالة الناظر إلى أقوال:
القول الأول: إنه لا بدَّ لصلاحية المتولي لشغل التولية على الوقف من العدالة؛ سواء ولَّاه الواقف أو الحاكم، بل في الجميع، حتى الواقف إذا شرط النظر لنفسه، وسواء كان الوقف على الجهة العامة والأشخاص المعيَّنين؛ فلو كان فاسقًا أو غير عدل لم تصح ولايته، ولو على وَقْف نفسه، وهذا في قول عند الحنفية
(3)
، وهو مذهب الشافعية
(4)
، وقول عند الإمامية
(5)
، وأصحُّ القولين عند الزيدية
(6)
.
واستثني الشافعية من ذلك القاضي إذا كان ناظرًا، فإنه لا تُشترط عدالته، قال البجيرمي نقلًا عن شيخه: "محلُّ اشتراطها ما لم يكن الناظر القاضي، وإلا فلا
(1)
سورة الأنفال، آية 27.
(2)
لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، 13/ 145.
(3)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين بن إبراهيم بن نجيم، 5/ 244.
(4)
انظر: روضة الطالبين، يحيى بن شرف النووي، 2/ 347، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 2/ 393، والسراج الوهاج، محمد الزهري الغمراوي، 1/ 307، وفتح المعين، زين الدين بن عبد العزيز المليباري، 3/ 185، وفتاوى ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، 1/ 387.
(5)
انظر: فقه الإمام جعفر الصادق، محمد جواد مغنية، 5/ 73.
(6)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، القاضي صفي الدين أحمد بن قاسم الصنعاني، 8/ 379، والبحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن يحيى المرتضي، 5/ 201.
يُشترط عدالته
…
وأما منصوبه فلا بد فيه من العدالة"
(1)
، وسبب استثناء الشافعية عدم اشتراط عدالة القاضي إذا كان ناظرًا؛ لأن تصرُّفه بالولاية العامة، والمراد بالعدالة عند الشافعية العدالة الباطنة والعدالة الظاهرة؛ فالعدالة الباطنة: هي التي يُرجع فيها إلى قول المزكين، والظاهرة: هي التي لم يعرف لصاحبها مفسِّق
(2)
، وقيل: يُشترط في منصوب الحاكم العدالة الباطنة، وفي منصوب الواقف العدالة الظاهرة، والمعتمد: اعتبار العدالة الباطنة في الجميع، حتى الواقف إذا شَرَط النظر لنفسه
(3)
.
القول الثاني: إن العدالة من شرائط الأولوية، لا شرائط الصحة، وإن الناظر إذا فسق استحقَّ العزل ولا ينعزل، وإلى هذا ذهب جمهور الحنفية
(4)
والزيدية في مقابل الأصح
(5)
، وهو المشهور عند الإمامية
(6)
، وبه قال الإباضية، وضمَّنوا من جعل الوقف في يد غير الأمين؛ قال السالمي في متولِّي جباية الفلج:"إن جباة الفلج الثقات يلزمهم القيام بمصالحه إن كانوا قادرين على إنفاذ الحق فيه، ويلزمهم أن يجعلوا خبورتهم في يد عدل، وينزعوها من يد الخائن؛ لأن الخائن لا يؤمَن على شيء؛ وكفى بالمرء خيانة أن يكون أمينه خائنًا! وأخشى على الجباه القادرين على القيام بمصالح الأوقاف والأفلاج والأيتام؛ إذا ضيَّعوا أو أهملوا القيام بما عليهم من غير عذر .. أن يلحقهم الضمان، والإثم لازم لهم بلا خلاف نعلمه مع القدرة على ذلك"
(7)
.
(1)
انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين، عثمان الدمياطي البكري، 3/ 186.
(2)
انظر: المرجع السابق، 3/ 186.
(3)
انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 2/ 393، وحاشية البجيرمي، سليمان بن عمر البجيرمي، 3/ 214، وحواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، عبد الحميد الشرواني، 6/ 288.
(4)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 380، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين بن إبراهيم بن نجيم، 5/ 244.
(5)
انظر: التاج المذهب الأحكام المذهب، القاضي صفي الدين أحمد بن قاسم الصنعاني، 8/ 379.
(6)
انظر: أحكام الشريعة طبقًا لفتاوى المرجع الديني الجعفري السيد محمد حسين فضل الله، 326.
(7)
جوابات السالمي، 3/ 470.
وهو ما يفيده قول العوتبي من الإباضية أيضًا، حيث قال:"ومن كان في يده وقوف للمسجد وغيرها وهي نخل وملح، ولا يجد ثقة يعمل تلك النخل والملح؛ فلينظر من يأتمنه على ذلك، ولو لم يكن ثقة، أو كان لا يعلم "منه" خيانة، فإذا وجد هذا واستعمله في ذلك وسعه ذلك إن شاء الله، ولا يستعمل خائنًا يعلم خيانته، إلا أن يكون هو يحضر حصاد الثَّمرة وإخراج الملح، أو يأمر من يحصد ذلك ممَّن يأتمنه على ذلك"
(1)
.
القول الثالث: ذهب للتفصيل؛ فقال: إن العدالة شرط في صحة ولاية الوقف، ما لم يكن الناظر هو الموقوف عليه، وتصحُّ ولاية غير العدل إن رضي الموقوف عليه وكان مالكًا أمر نفسه، وإلى هذا ذهب المالكية
(2)
، وهو وجه عند الشافعية
(3)
، ووجه عند الحنابلة
(4)
.
القول الرابع: ذهب للتفصيل أيضًا؛ فقال: إن كان النظر لغير الموقوف عليه، وكانت توليته من الحاكم أو الناظر؛ فلا بدَّ من شرط العدالة فيه، وإن كانت توليته من الواقف، وهو فاسق، أو كان عدلًا ففسق؛ يصح، ويُضمُّ إليه أمين، وإن كان النظر للموقوف عليه؛ إما بجعل الواقف النظر له، أو لكونه أحقَّ بذلك عند عدم ناظر؛ فهو أحقُّ بذلك، عدلًا كان أو فاسقًا، وإلى هذا ذهب جمهور الحنابلة
(5)
.
(1)
الضياء، العوتبي، 20/ 161.
(2)
انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي المواق المالكي، 6/ 37، الشرح الكبير، أحمد بن محمد الدردير، 4/ 88.
(3)
انظر: روضة الطالبين، يحيى بن شرف النووي، 5/ 347، والوسيط في المذهب، محمد بن محمد الطوسي الغزالي، 4/ 258.
(4)
انظر: المغني، ابن قدامة عبد الله بن أحمد المقدسي، 5/ 378، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علي بن سليمان المرداوي، 7/ 67.
(5)
انظر: الفروع، ابن مفلح محمد بن مفلح المقدسي، 4/ 450، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علي بن سليمان المرداوي، 7/ 67.