الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحُجة القائلين بالمنع النظر إلى المآل والعمل بسد الذريعة، أي أنهم راعوا بالقول بمنع بيع العقارات دون المنقولات لإمكانية الانتفاع به مستقبلا في العقار، فشددوا في استبداله؛ وعدم رجاء ذلك في المنقولات فلم يشددوا فيه
(1)
.
المسألة الثانية: حكم بيع الأعيان الموقوفة غير العقارات:
يجيز فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة، والزيدية، والإمامية، والإباضية بيع الأعيان الموقوفة غير العقارات، والتي قالوا بوقفها استقلالًا أو بالتبع لغيرها؛ كحالة وقف المنقولات والحيوانات مثلًا.
فجاء عن الحنفية: أن "الدواليب والآلات يبيعها -الناظر- ويشتري بثمنها ما هو أصلح للوقف"
(2)
وجاء عن المالكية: "وما بلي من الثياب المحبسة ولم يبق فيه منفعة، بيعت واشتري بثمنها ثياب ينتفع بها؛ فإن لم يبلغ تصدق به في السبيل"
(3)
.
وجاء عن الشافعية جواز بيع بعض المنقولات الموقوفة كالفرس المسبل للغزو التي هرمت، والحصر المسبلة على المساجد التي بليت واستبدالها بغيرها
(4)
.
وجاء عن الحنابلة: "وإن وقف نخلة، فيبست أو جذوعا فتكسرت، جاز بيعها؛ لأنه لا نفع في بقائها وفيه ذهاب ماليتها، فكانت المحافظة على ماليتها ببيعها أولى؛ لأنه لا يجوز وقف ما لا نفع فيه ابتداء، فلا يجوز استدامة وقفه؛ لأن ما كان شرطًا لابتداء الوقف كان شرطًا لاستدامته كالمالية، وإذا بيعت صرف ثمنها في مثلها وإن
(1)
انظر: محاضرات في الوقف، أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 173.
(2)
رد المحتار علي الدر المختار، ابن عابدين، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، ط 1، 1421 هـ/ 2000 م، 4/ 362.
(3)
التاج والإكليل، المواق، 6/ 21.
(4)
التجريد لنفع العبيد (حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب)، سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ المصري الشافعي، المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا، د ت، ومطبعة الحلبي 1369 هـ/ 1950 م، 3/ 213.
حبس فرسًا في سبيل الله فصارت بحيث لا ينتفع بها فيه بيعت لما ذكرنا وصرف ثمنها في حبيس آخر"
(1)
.
وجاء عن الزيدية قولهم: بجواز بيع ما وقف تبعا له، وكذا كل ما لا يجوز الانتفاع به على الوجه الذي قصده الواقف
(2)
، وجاء عنهم أيضًا:"إذا بطل نفع الوقف لم يبق فيه فائدة للواقف بالثواب، الذي هو صائر إليه ولا للمصرف والانتفاع به، فإن ترك كذلك باطل النفع ذاهب الفائدة، كان ذلك من أعظم التفريط من المتولي، فواجب عليه أن يستدرك الأمر ببيعه بحسب الإمكان، ويشتري بثمنه عوضًا يكون وققًا كما كان"
(3)
.
وجاء عن الإمامية: "فلا يصح بيع الوقف العام مطلقًا إلا أن يتلاشى ويضمحل بحيث لا يمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة مطلقًا، كحصير يبلى ولا يصلح للانتفاع به"
(4)
.
وجاء عن الإباضية "وسُئل: عمن أوقف بيوتًا ثم بعد مدة انهدم شيء منها، ولم يكن شيء من المال يعمر به البيت، فهل يجوز بيع ما اشتمل عليه من الحطب وغيره ليعمر بثمنه البيوت الباقية من الموقوفة؛ لأنها شارفة على الضياع؟ الجواب: يجوز بيع ذلك لعمارة البيوت، والله أعلم"
(5)
.
وقيدت قرارات منتدى قضايا الوقف الفقهية الثالث والرابع البيع والاستبدال بجملة من الأسباب أجملوها في الآتي:
(1)
الكافي، ابن قدامة، 2/ 250.
(2)
انظر: شرح التجريد في فقه الزيدية، أبو الحسن السيد أحمد، 4/ 272 - 273.
(3)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 336.
(4)
شرح اللمعة، الشهيد الثاني، 3/ 253.
(5)
خلاصة المسائل بترتيب المسائل، عيسى بن صالح الحارثي، ترتيب: حمد بن عبد الله بن حميد السالمي، تحقيق: محمد بن سعيد المعمري، طبعة وزارة الثقافة العمانية، ط 1، 1427 هـ/ 2006 م، 4/ 69.
- إذا نصَّ الواقف على جواز استبداله وتحققت الغبطة والمصلحة في ذلك، أما إذا نص الواقف على عدم الاستبدال، فيعمل بشرطه، ولا يجوز استبداله إلا إذا اقتضت الضرورة الشرعية ذلك.
- إذا تعطلت منافع الوقف تعطلًا كاملًا.
- إذا تعطَّلت أكثر منافع الوقف بحيث تصير الاستفادة منه قليلة جدًّا.
- إذا كانت إيرادات الوقف لا تغطي نفقاته.
- إذا احتاج الوقف بيع بعضه لإصلاح الباقي.
- إذا كان في استبدال الوقف ريع يزيد عن ريعه زيادة معتبرة، ويكون الاستبدال بالضوابط الآتية:
* أن يكون ذلك بإشراف هيئة شرعية محايدة.
* أن يبني الاستبدال على دراسة جدوى اقتصادية معتمدة.
* إذا كان للمصلحة العامة الضرورية التي لا مناص منها مثل: توسيع المسجد أو بناء جسر أو مدرسة، أو إنشاء طريق أو مقبرة، على أن يتم التعويض العادل للوقف.
* بناء على ما سبق تقييده من حالات الجواز، فلا يجوز تعديها إلى غيرها من غير مسوِّغ شرعي"
(1)
.
* كما ضبطوا الاستبدال أو البيع بجملة من الشروط ممثلة في:
- إذا توافرت حالة من الحالات السابقة لجواز الاستبدال فيجب مراعاة الضوابط الآتية:
- أن يكون التصرُّف أمرا غير فردي وبإشراف هيئة شرعية محايدة.
- أن يكون الاستبدال بثمن المثل أو أعلى.
(1)
قرارات وتوصيات منتدى قضايا الوقف الفقهية الثالث والرابع.
- ألا توجد تهمة أو محاباة في عملية الاستبدال
(1)
.
وحددوا الجهة المخوَّلة شرعًا وقانونًا بملكية حقِّ الاستبدال ممثلة في "الجهة المسؤولة عن الوقف مباشرة بإذن الجهة المخولة قانونًا، حسب كل بلد"
(2)
.
فاستبدال الوقف، موضع خلاف بين الفقهاء، فضيقوا في العقار، ووسعوا في المنقول بحسب كل مذهب عملًا بالمصلحة الشرعية لحفظ الوقف ومقاصده وسدًّا لذريعة استبدال الناظر المرافق الوقف دون سبب معتبر، كما فرَّقوا بين أن يشترطه الواقف أو لم يشترطه؟ وبين ما كان موقوفًا لمصلحة عامة أو غير ذلك من المسائل
(3)
.
ب) الاستثمار بإحداث زيادة منفعة في الأصول الموقوفة:
أجاز الفقهاء الاستثمار في الأصول الموقوفة بإحداث زيادة منفعة فيها تزيد من ريع الوقف وتحفظ مقاصده، وهو عند الفقهاء على قولين إجمالًا؛ أحدهما: ظاهره جواز ذلك وإن لم يشترطه الواقف، والثاني: لا يكون إلا بشرطه أو إذنه، وإلى القول الثاني ذهب الحنفية، فقد جاء في الفتاوى الهندية:"وَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْوَقْفِ عن هَيْئَتِه فَلَا يَجْعَلُ الدَّارَ بُسْتَانًا وَلَا الْخَانَ حَمَّامًا وَلَا الرِّبَاطَ دُكَّانًا إلَّا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ إلَى النَّاظِرِ ما يَرَى فيه مَصْلَحَةَ الْوَقْفِ كَذَا في السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ"
(4)
.
فإن لم يكن فيه مصلحة للوقف فإنه يؤمر بهدم ما بناه وإعادته كما كان؛ قال العلامة عبد الرحمن السويسي: "لا يجوز تغيير معالم الوقف إلا إذا كان فيه مصلحة للوقف بأن كان أنفع، وإلا يؤمر بهدمه وإعادته كما كان"
(5)
.
(1)
قرارات وتوصيات منتدى قضايا الوقف الفقهية الثالث والرابع.
(2)
المرجع السابق.
(3)
انظر: محاضرات في الوقف، أبو زهرة، 171 وما بعدها.
(4)
الفتاوي الهندية، 2/ 490.
(5)
مختصر الفتاوى المهدية في الشريعة المحمدية في الفقه الحنفي، عبد الرحمن السويسي الحنفي، مطبعة المؤيد، مصر، 1380 هـ.
ومن تلك المصالح ما ذكره الطرابلسي في الإسعاف حيث قال: "وليس له أن يبني في الأرض الموقوفة بيوتًا لتستغل بالإجارة؛ لأن استغلال الأرض بالزراعة، فإن كانت متصلة ببيوت المصر، وترغب الناس في استئجار بيوتها، والغلَّة من البيوت فوق غلَّة الزراعة، جاز له حينئذ البناء لكون الاستغلال بهذا أنفع للفقراء"
(1)
.
وقد قال قبل ذلك: "ولو أراد المتولي أن يشتري من غلَّة وقف المسجد دهنا أو حصرا أو إجراء أو حصا ليفرش فيه، يجوز إن وسَّع الواقف في ذلك للقيِّم، بأن قال يفعل ما يراه من مصلحة المسجد وإن لم يوسع بل وقف لبناء المسجد وعمارته فليس له أن يشتري ما ذكرنا؛ لأنه ليس من العمارة والبناء وإن لم يعرف شرطه في ذلك، ينظر هذا القيم إلى من كان قبله، فإن كان يشتري من الغلَّة ما ذكرنا جاز له الشراء وإلا فلا"
(2)
.
فمبنى التصرُّف على إذن الواقف واعتبار المصلحة، ومن هذا الباب ما جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام (المادة 58) حيث قال: "التصرف على الرعية منوط بالمصلحة. هذه القاعدة مأخوذة من قاعدة (تصرُّف القاضي فيما له فعله من أموال الناس والأوقاف مقيَّد بالمصلحة)؛ أي أن تصرف الراعي في أمور الرعية يجب أن يكون مبنيا على المصلحة، وما لم يكن كذلك لا يكون صحيحًا
(3)
.
وتفصيله:
القول الأول: جواز الاستثمار بإحداث زيادة منفعة في الأصول الموقوفة مطلقًا:
وهو ظاهر الرواية عن المالكية، ومذهب الحنابلة والزيدية.
جاء عن المالكية: "وسئل - العبدوسي - عن دار محبسة على المسجد، وهي خربة، وأراد رجل أن يحدث فيها مطمورتين للزرع ويعطي من عنده إجارة حفرهما،
(1)
الإسعاف، الطرابلسي، 58.
(2)
المرجع السابق، 56.
(3)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام، 1/ 51.
ويكريهما، وهذه منفعة للدار والمسجد، فهل يجوز هذا ويقدم عليه ولا فيه ضرر على الدار المذكورة بوجه
…
؟ فأجاب: إذا ثبت لديكم أنه ليس على الدار المحبسة المذكورة ضرر في حفر المطمورتين لا بحيطانها، ولا بغيرها لا حالًا ولا استقبالًا إذا ثبت به الكراء فيها على الوجه المذكور، جائز"
(1)
.
وجاء عنهم أيضًا مشروعية الاستثمار بتحويل الأصل الموقوف من منفعة لأخرى؛ كتحويل المراحيض المستغني عنها بحوانيت تكرى ويستفاد من أجرتها في النفقة على الوقف ومصارفه
(2)
.
وعند الحنابلة يجوز إحداث زيادة منفعة في الأصول الموقوفة وكل ما من شأنه تثمير الوقف، فوظيفة الناظر: حفظ الوقف والعمارة، والإيجار، والزراعة، والمخاصمة فيه، وتحصيل ريعه من تأجيره، أو زرعه، أو ثمره والاجتهاد في تنميته، وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح، وإعطاء مستحق .. ونحو ذلك
(3)
.
فللناظر أن يغيِّر صورة الوقف من صورة إلى صورة أصلح منها، كما غيَّر الخلفاء الراشدون صورة المسجدين اللذين بالحرمين الشريفين، وكما نقل عمر بن الخطاب مسجد الكوفة من موضع إلى موضع، وأمثال ذلك
(4)
، وضابط ذلك أن يفعل الناظر في الوقف ما هو أصلح
(5)
.
وعند الزيدية: يجوز للمتولي على وقف مسجد أو غيره البيع من الغلات للمصلحة حال العقد وبيع ما خشي فساده وبيع بعض الوقف لإصلاح بعضه والشراء ونحوه من
(1)
المعيار المعرب، الونشريسي، 7/ 78.
(2)
المرجع السابق، 7/ 15.
(3)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 7/ 67، والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، الحجاوي، 3/ 14، ودليل الطالب لنيل المطالب، الكرمي الحنبلي، 190، وشرح منتهى الإرادات، البهوتي، 2/ 415.
(4)
انظر: الفتاوى الكبرى ابن تيمية، 4/ 282.
(5)
انظر: المرجع السابق، 4/ 357.
التصرفات لمصلحة حال العقد
(1)
، ويجوز له أن يزرع أرض الوقف لنفسه ويدفع أجرة المثل كغيره، بلا عقد من الإمام أو الحاكم، ويكون حكم ذلك في يده حكم المعاطاة؛ فتلزم القيمة في ذلك يوم القبض، وليس له أن يأخذ المثل وقت غلائه بمثله في وقت رخصه، بل يتحرَّى الأصلح
(2)
.
القول الثاني: جواز الاستثمار بإحداث زيادة منفعة في الأصول الموقوفة بإذن الواقف:
وهو ظاهر الرواية عن الشافعية والإمامية.
فجاء عن الشافعية في ظاهر الرواية المنقولة عنهم جواز ذلك إن شرطه الواقف، إذ قالوا:"ولا تغييره عن هيئته كجعل البستان دارًا أو حمَّامًا"
(3)
.
وجاء عن الإمامية: "لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته؛ فلا يجوز جعل الدار الموقوفة بستانًا ولا حمَّامًا، ولا العكس، إلا إذا جعل الواقف للمتولي ما يرى فيه الوقف"
(4)
، واستثنوا من ذلك حالة تعذُّر الاستمرار؛ فإذا "تعذَّر الاستمرار؛ جاز التغيير إلى أقرب الأوصاف إلى الوقف"
(5)
.
وجاء في توصيات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة ما يؤيِّد إلى استثمار الوقف بالصيغ التي تحقق مقاصده ومنها:
- إقامة شركة بين جهة الوقف بقيمة أعيانه وبين أرباب المال بما يوظفونه لتعمير الوقف.
- تقديم أعيان الوقف - كأصل ثابت - إلى من يعمل فيها بتعميرها من ماله بنسبة من الريع.
(1)
انظر: التاج المذهب، صفي الدين أحمد بن قاسم الصنعاني، 3/ 322.
(2)
انظر: المرجع السابق، 3/ 323.
(3)
أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، 2/ 476.
(4)
تذكرة الفقهاء، الحلي، منشورات المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران، 2/ 446.
(5)
المرجع السابق، 2/ 446.