الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - أخذ الرهن لحق الْوَقْف:
يقرر الفقهاء أن من وظائف الناظر المالية المحافظة على مال الْوَقْف ومن وسائله طلب الرهن للاستيثاق على الديون الثابتة للوقف على غيره.
وقد تناول الفقهاء المسألة من جهة الحديث عن الكتب الموقوفة، ومدى مشروعية المطالبة برهن عند استعارتها، فجاءت أقوالهم مختلفة بين قائل بجواز ذلك بإطلاق؛ ضمانًا لحقِّ الْوَقْف، وبين مقيِّده بشرط الواقف لذلك؟ وبين حالة المرتهن من الأمانة وعدمها؟
فجاء عن الحنفية: "حدث في الأعصار القريبة وقف كتب، شرط الواقف ألا تُعار إلا برهن أو لا تُخرج أصلًا، والذي أقول في هذا: إن الرهن لا يصح بها؛ لأنها غير مضمونة في يد الموقوف عليه، ولا يقال لها: عارية أيضًا؛ بل الأخذ لها إن كان من أهل الْوَقْف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، وإن أعطى كان رهنًا فاسدًا ويكون في يد خازن الكتب أمانة، هذا إن أريد الرهن الشرعي، وإن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة فيصح الشَّرط؛ لأنَّهُ غرض صحيح وإذا لم يعلم مراد الواقف فالأقرب الحمل على اللغوي تصحيحًا لكلامه، وفي بعض الأوقاف يقول: لا تخرج إلا بتذكرة، فيصح ويكون المقصود أن تجويز الواقف الانتفاع مشروط بذلك ولا نقول: إنها تبقى رهنًا؛ بل له أخذها فيطالبه الخازن بردِّ الكتاب، وعلى كلٍّ فلا تثبت له أحكام الرهن ولا بيعه ولا بدلٌ الكتاب الموقوف بتلفه إن لم يفرط"
(1)
.
وجاء عن المالكية ما نقله لنا صاحب مواهب الجليل، قوله: "سُئل الشيخ تقي الدين: إذا وقف كتابًا على عامة المسلمين، وشرط ألا يُعار إلا برهن؛ فهل يصح هذا الرهن أم لا؟ فأجاب: لا يصح هذا الرهن؛ لأنها غير مأمونة في يد موقوف عليه، ولا يُقال لها: عارية؛ أيضًا، بل الآخذ لها إن كان من أهل الْوَقْف مستحقًا للانتفاع فيده عليها يد أمانة، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، ويكون في يد الخازن للكتب أمانة؛ لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها، والرهن أمانة، هذا إذا أريد الرهن الشرعي، وأما إن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة؛ فيصح الشَّرط؛ لأنَّهُ غرض صحيح، وأما
(1)
رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 352.
إذا لم يعلم مراد الواقف فيُحتمل أن يقال ببطلان الشَّرط حملًا على المعنى الشرعي، ويحتمل أن يقال بالصحة حملًا على المعنى وهو الأقرب لصحته"
(1)
.
ومثاله ما ذكره صاحب كشاف القناع عن متن الإقناع من الحنابلة: "قال في الفائق: قلت: وعليه يخرج الرهن على عواري الكتب الموقوفة ونحوها كالأسلحة والدروع الموقوفة على الغزاة
…
يعني: إن قلنا: هي مضمونة؛ صحَّ أخذ الرهن بها، وإلا فلا، ويأتي في العارية أنها غير مضمونة؛ فلا يصح أخذ الرهن بها، وعلم من ذلك: أنه يصح أخذ الرهن للوقف، فيصح الضمان أيضًا لجهة الْوَقْف؛ لأن ما صحَّ رهنه؛ صحَّ ضمانه"
(2)
.
وجاء في ظاهر مذهب الحنابلة جواز أخذ الناظر الرهن لحق الْوَقْف، وإن اختلفوا في حدود تطبيقات القاعدة الكلية من قولهم:"يصح أخذ الرهن على كل دين واجب في الجملة"
(3)
.
ومثاله قول صاحب الإنصاف: "قال في الفائق: قلت: وعليه يخرج الرهن على عواري الكتب للوقف ونحوها، والوجه الثاني: يصح أخذ الرهن بذلك، قال القاضي: هذا قياس المذهب، قلت: وهو أولى"
(4)
.
وبجواز الاستيثاق بأخذ الرهن لحساب الْوَقْف عندما يقرض غيره من الشخصيات الحقيقية أو الاعتبارية .. جاءت فتاوى وتوصيات منتدى قضايا الْوَقْف الفقهية الأول، إذ أقرَّ المؤتمرون أن: "الأصل عدم جواز إعطاء القرض من مال الْوَقْف للغير، إلا إذا كان الإقراض من أهداف الْوَقْف، كما في وقف النقود للقرض الحسن، أو كانت تقتضيه الضرورة أو المصلحة المعتبرة التي يقررها القاضي، وتراعى في ذلك الضوابط الآتية:
(1)
مواهب الجليل، لشرح مختصر الخليل، الحطاب، 7/ 654، وحاشية الدسوقي، 4/ 88.
(2)
كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 3/ 324.
(3)
الإنصاف، المرداوي، 5/ 105.
(4)
المرجع السابق، 5/ 105.