الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجارة الوقف، والعمل بمقتضى إجارة المثل ما هي إلا طريقة من طرق تحصيل هذه الزيادة المنشودة.
ثالثًا: تحويل الريع إلى أصل موقوف:
يعد تحويل ريع الوقف أو عائداته من أصول نقدية إلى أصول أو منشآت وقفية من وظائف الناظر؛ لأنه يحفظ الوقف ومقاصده، وكذلك لما في هذا التحويل من زيادة مداخيله، والذي ينتج عنه زيادة رأسماله، وتوفير حظ أوفر لمصارفه، كما يسهم في توفير مناصب شغل لأفراد المجتمع بحسب طبيعة الوقف الاقتصادية أو الخدمية.
في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز تحويل الريع إلى وقف مراعاة لمصلحة الوقف:
فقد أجاز فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية والإمامية والإباضية - في الرواية الأولى عنهم - تحويل ريع الوقف أو غلته إلى وقف جديد لما فيه من مصالح للوقف وللموقوف عليهم وقيدوا ذلك أن يكون فائضا عن نفقات الصيانة للمرفق الوقفي ومصارفه الضرورية.
فجاء عن الحنفية: "المتولي إذا اشترى من غلَّة المسجد حانوتًا أو دارًا أو مستغلًا آخر؛ جاز؛ لأن هذا من مصالح المسجد"
(1)
.
وجاء عن المالكية: "وسُئل أيضا - ابن رشد - عن غلات مسجد واسعة، هل يستنفق لأيمته وقومته، ووقيده، وحصره أو يوقف فاضلها؟ وهل يشتري منها أصل للحبس أم لا؟ وكيف إن لم يجز الشراء، ففعله حاكم هل يضمن ما اشترى به أم لا؟ فأجاب:
…
وشراء ما استفضل من الغلات أصلًا يكون حبسًا صواب، ووجه نظر، فكيف يضمن فاعله؟ "
(2)
.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 224، والاختيار لتعليل المختار، عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن، بيروت، لبنان، ط 3، 1426 هـ./ 2005 م، 3/ 53.
(2)
فتاوي البرزلي، أبو القاسم بن أحمد البلوي، تحقيق: د محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 2002 م، 5/ 391.
وجاء عنهم أيضًا قول بعضهم: "وقد جرى العمل باستحداث الأصول من وفر الأحباس واستكثار الرباع من غلتها، إن ذلك من حسن النظر"
(1)
.
وجاء عن الشافعية في الرواية الأولى عنهم: "الوقف الفاضل من ريعه شيء، تارة يكون على مسجد، وتارة يكون على غيره؛ فإن كان على المسجد، فتارة يكون على مصالحه، وتارة يطلق، وتارة يكون على عمارته.
ففي الحالين الأولين: يدّخر من الزائد ما يعمره وأملاكه أو الدور ونحوها الموقوفة عليه لوجوب ذلك، ويشترى له بباقيها ما فيه زيادة غلته ويقفه؛ لأنه أحفظ له"
(2)
.
فالشاهد قولهم: بمشروعية شراء أوقاف جديدة مراعاة للمصلحة الوقف ومقاصده والتي عبروا عنها بقولهم: "لأنه أحفظ له".
وجاء عن الحنابلة، جواز شراء ما فيه منفعة للوقف من غلته لخدمته وخدمة مصالحه، كمسألة شراء العبد لخدمة الوقف
(3)
.
وجاء عنهم أيضًا: "مسألة: هل يجوز أن يبني خارج المسجد من ريع الوقف مسكنا ليأوي فيه أهل المسجد الذين يقومون بمصالحه؟ الجواب: نعم، يجوز لهم أن يبنوا خارج المسجد من المساكن ما كان مصلحة لأهل الاستحقاق لريع الوقف القائمين بمصلحته"
(4)
.
وجاء عن الزيدية قولهم: "للمتولي كسب مستغل للمسجد بفاضل غلته حيث فضل شيء من غلات أوقافه ولم يحتج إليها"
(5)
.
(1)
النوازل الجديدة، الوزاني، تحقيق: عمر بن عباد، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، ط 1419 هـ/ 1998 م، 8/ 404.
(2)
الفتاوى الكبرى الفقهية، أَبُو العباس شهاب الدِّين أحمد بن مُحَمَّد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، جمعها: عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي المكي، دار الفكر، دمشق، 140 هـ، 3/ 242، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، الأنصاري، 2/ 475.
(3)
انظر: الإنصاف، المرداوي، 7/ 37.
(4)
الفتاوى الكبري، ابن تيمية، تحقيق: مُحَمَّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، بيروت، ط 1، 1408 هـ/ 1987 م، 481.
(5)
شرح الأزهار، ابن مفتاح، 4/ 384.
وجاء عن الإمامية: "مسألة: الوقف على مسجد أو مشهد إذا صرف حاصله الناظر على عمارته أو إضاعته أو شراء له أو غير ذلك، ثمّ فضل منه من فضلة مال الوقف فماذا يصنع به؟ الجواب: أما الوقف على المساجد، فيجوز صرفه إلى مسجد آخر، وأما وقف المشهد فالأجود التربُّص به إلى حين الحاجة، ولو اشترى به ملكًا وجعله وقفًا لم يكن بعيدًا"
(1)
.
وجاء عن الإباضية: "مسألة: بيع مال المسجد ليؤخذ به أفضل منه؟ الجواب: لا يعد من الجواز على نظر الصّلاح"
(2)
.
فالشاهد في قوله: "بيع مال المسجد"، وهي غلته وما ينسب إليه ليحول من أصل إلى آخر ينتفع به المسجد ومصارفه التي نص عليها الواقف.
القول الثاني: جواز تحويل الريع إلى وقف إن اشترطه الواقف:
جاء في ظاهر الرواية الثانية عن الشافعية جواز تحويل ريع الوقف إلى أصل موقوف جديد إن اشترطه الواقف، إذ جاء عنهم" هل يسوغ للناظر أن يشتري به دارًا، ويوقفه ويجعل ريعه في مصالح الوقف الأول بعد عمارته إذا حصل فيه هدم إذا رأى ذلك مصلحة للوقف الأول؟ والحال أن الواقف لم يشرط ذلك في وقفه"
(3)
.
القول الثالث: منع تحويل الريع إلى وقف:
منع الشافعية - في ظاهر الرواية الثالثة عنهم - والإباضية - في الرواية الثانية عنهم - تحويل ريع الوقف إلى وقف جديد.
فجاء عن الشافعية منعه مطلقًا في حالة كونه ثمرة ريع أصل موقوف على صيانة الوقف إن كان الريع من أصل موقوف على مصالح المسجد، فقالوا: "الموقوف على
(1)
الينابيع الفقهية، على أصغر مرواريد دار التراث، الدار الإسلامية، ط 1410 هـ، 43/ 74.
(2)
الجامع الكبير، سعيد بن بشير الصبحي، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، ط 1407 هـ/ 1986 م، 3/ 22.
(3)
الفتاوى الكبرى الفقهية، الهيتمي، 3/ 242.
عمارته، لا يشترى من زائد غلته شيء؛ بل يرصده للعمارة، وإن كثر؛ لأن الواقف، إنما وقف على العمارة فلم يجز صرفه لغيرها"
(1)
.
بل ذهبوا إلى القول في هذه الرواية: "وإن كان الوقف على غير مسجد، كانت فوائده ملكًا للموقوف عليهم، فتصرف إليهم جميع غلته ما لم يحتج لعمارة، فحينئذ تقدم على حقهم، ولا يصرف لهم شيء ما دام الاحتياج للعمارة موجودا سواء شرط الواقف تقديم العمارة أم لم يشرطه"
(2)
، فيفهم من هذا القول: إنهم يشترطون موافقة الموقوف عليهم؛ لإنشاء وقف جديد بريع الوقف القديم وإلا فلا يصح ذلك.
وجاء عن الإباضية في كتاب الجامع الكبير قوله: "مسألة: بيع مال المسجد ليؤخذ به أفضل منه؟ الجواب:
…
وعلى قول من لا يجيزه يكون مشتريه كالداخل بسبب"
(3)
، فالشاهد من المنع قولهم:"كالداخل بلا سبب"، ولا ينصرف هذا المعنى إلا للغاصب.
فتحويل ريع الوقف إلى أعيان أو أصول وقفية يحفظ الوقف ومقاصده، ويوسع نشاطاته الخدمية، وينوع مداخيلة المالية، وإن اختلفت فتاوى المذاهب الفقهية؛ بل في المذهب الواحد في مشروعية ذلك، وشروطه، ومدى اعتباره وقفًا من عدمه، ومدى مشروعية بيعه كما هو حال قول الحنفية
(4)
فيما جاء عنهم، وغير ذلك من المسائل الفقهية.
(1)
الفتاوى الكبرى الفقهية، الهيتمي، 3/ 242.
(2)
المرجع السابق، 3/ 242.
(3)
الجامع الكبير، سعيد بن بشير الصبحي، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، ط 1407 هـ/ 1986 م، 3/ 22.
(4)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 224. والاختيار لتعليل المختار، عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، تحقيق: عبد اللطيف مُحَمَّد عبد الرحمن، بيروت، لبنان، ط 3، 1426 هـ/ 2005 م، 3/ 53.