الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب) أما إذا كان الوقف على جهة؛ كالفقراء والفقهاء أو قنطرة: فلا بد من قبض الناظر، وإن لم يكن ناظرًا فينصب الحاكم قيمًا يقبض الوقف، ولو قبض الحاكم جاز قطعًا؛ لأنه نائب عن الموقوف عليه
(1)
.
القول الثاني: الذي لا يرى اشتراط حيازة الموقوف عليه للوقف:
أولًا: قول أبي يوسف:
وهو أن القبض ليس بشرط، والوقف جائز قبض من المتصدق به أو لم يقبض، فلم يجعل حيازة الموقوف عليه شرطًا.
فقال الكاساني: "وأما شرائط الجواز فأنواع بعضها يرجع إلى الواقف وبعضها يرجع إلى نفس الوقف وبعضها يرجع الموقوف، أما الذي يرجع إلى الواقف فأنواع
…
ومنها: أن يخرجه الواقف من يده ويجعل له قيمًا، ويسلمه إليه عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف هذا ليس بشرط، واحتج بما روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه وقف وكان يتولى أمر وقفه بنفسه وكان في يده، وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه كان يفعل كذلك؛ ولأن هذا إزالة الملك لا إلى أحد
(2)
فلا يشترط فيه التسليم؛ كالإعتاق"
(3)
.
وذكر علي القاري في فتح باب العناية بشرح النقاية: " (وعند أبي يوسف يزول) ملك الواقف (بنفس القول) وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم، لأنه إسقاط للملك، كالإعتاق"
(4)
.
(1)
انظر: جامع المقاصد في شرح القواعد، المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي، 9/ 23 - 24، و إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، العلامة الحلي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، 1/ 453.
(2)
في الأصل: (حد)، وما أثبتناه أصح.
(3)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي، 6/ 219 - 220.
(4)
فتح باب العناية بشرح النقاية، ملا علي القاري، 2/ 565.
وقال الطحاوي: "ثم تكلم الذين أجازوا الصدقات الموقوفات فيها بعد تثبيتهم إياها على ما ذكرنا فقال بعضهم: هي جائزة قبضت من المصدق بها أو لم تقبض، وممن قال بذلك أبو يوسف رحمة الله عليه، وقال بعضهم: لا ينفذها حتى يخرجها من يده ويقبضها منه غيره، وممن قال بهذا القول ابن أبي ليلى ومالك بن أنس ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم، فاحتجنا أن ننظر في ذلك لنستخرج من القولين قولًا صحيحًا فرأينا أشياء يفعلها العباد على ضروب؛ فمنها العتاق ينفذ بالقول؛ لأن العبد إنما يزول ملك مولاه عنه إلى الله عز وجل، ومنها الهبات والصدقات لا تنفذ بالقول حتى يكون معه القبض من الذي ملكها له، فأردنا أن ننظر حكم الأوقاف بأيها هي أشبه فنعطفه عليه، فرأينا الرجل إذا وقف أرضه أو داره فإنما يملك الذي أوقفها عليه منافعها، ولم يملك من رقبتها شيئًا، إنما أخرجها من ملك نفسه إلى الله عز وجل، فثبت أن ذلك نظير ما أخرجه من ملكه إلى الله عز وجل، فكما كان ذلك لا يحتاج فيه إلى قبض مع القول كان كذلك الوقوف لا يحتاج فيها إلى قبض مع القول، وحجة أخرى: أن القبض لو أوجبناه فإنما كان القابض يقبض ما لم يملك بالوقف، فقبضه إياه وغير قبضه إياه سواء، فثبت بما ذكرنا ما ذهب إليه أبو يوسف رحمة الله عليه"
(1)
.
وقال العيني شارحًا لكلام الطحاوي: "أراد بالذين أجازوا الصدقات أهل المقالة الأولى، وأنهم بعد اتفاقهم على صحة الوقف وجوازه، اختلفوا في القبض هل هو شرط فيه كالهبة، أم ليس بشرط كالعتق؟ فقال بعضهم (وأراد بهم الشافعي - في قول - وأحمد وإسحاق): القبض ليس بشرط، وممن قال بهذا القول: أبو يوسف
…
واستدل لمن لا يشترط القبض، بأن اشتراط القبض لا يفيد، لأن الموقوف عليه يقبض حينما يقبض ما لم يملكه؛ لأنه لا يملك رقبته، فإذا كان كذلك فقبضه وعدم قبضه سواء، فظهر بذلك قول أبي يوسف على قول غيره"
(2)
.
(1)
شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، 4/ 98.
(2)
انظر: نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار، محمود بن أحمد بن موسى بدر الدين العيني، 14/ 407 - 409.