الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤخذ منها زكاة؛ لأنها تفرق ولا تترك مسبلة، وهو رأيي في الإبل إذا أمر أن تباع ويفرق ثمنها مثل قول مالك في الدنانير"
(1)
.
كما قرر فقهاء المالكية أن ما نتج عن الأصول الموقوفة من ريع الوقف يستقبل به الحول؛ قال الحطَّاب: "إذا وقفت الدور، فلا تجب الزكاة في غلاتها؛ لأنها لو كانت ملكًا لم تجب في غلاتها زكاة إلا أن يقبضها ربها ويقيم في يده سنة؛ فكذلك المحبسة، والله أعلم"
(2)
.
الاتجاه الثالث: وجوب الزكاة في غلَّة الأعيان الزكوية الموقوفة:
وهو ظاهر مذهب الإمامية؛ إذ جاء عنهم: "وإن كان الوقف غير مملوك، وإن وقف على إنسان أربعين شاة، وحال عليها الحول؛ لا تجب فيه الزكاة؛ لأنها غير مملوكة، والزكاة تتبع الملك؛ فإن ولدت وحال على الأولاد الحول، وكانت نصابًا؛ وجب عليه الزكاة"
(3)
.
مسألة: دفع زكاة غلَّة الأرض وثمار الشجر (ريع الوقف):
اتجه الفقهاء في هذه المسألة اتجاهين:
الاتجاه الأولى: وجوب الزكاة في غلَّة الأرض وثمار الشجر الوقف:
ولأصحاب هذا الاتجاه قولان:
القول الأول: وجوب الزكاة في غلَّة الأرض وثمار الشجر مطلقًا:
وإليه ذهب فقهاء الحنفية، والمالكية، وهي رواية لابن المنذر عن الشافعي
(4)
، دون تفرقة بين كون الوقف على معيَّن أو جهة عامة، ومنه يتعيَّن على ناظره إخراجها من غلَّتَيْهما.
(1)
المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس، أَبُو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي المعروف بـ"سحنون"، 1/ 380، ومواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، الحطَّاب، 3/ 203.
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، الحطَّاب، 3/ 203.
(3)
المبسوط، الطوسي، 1/ 205.
(4)
المجموع شرح المهذب، النَّوَوِي، 5/ 340.
فجاء عن الحنفية في بيان شروط وجوب الزكاة عدم اشتراط ملكية الأرض حَتَّى يثبت هذا الحق فيها، ومثل له بأرض الوقف:"وكذا ملك الأرض ليس بشرط لوجوب العشر؛ وإنما الشرط ملك الخارج، فيجب في الأراضي التي لا مالك لها، وهي الأراضي الموقوفة"
(1)
، فدلَّ بكلامه على ثبوت الزكاة في غلَّة الأرض الموقوفة دون قيد التعيين أو عدمه بشرط تحقق النصاب.
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والمعقول؛ كقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}
(2)
(3)
، وقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"فِيمَا سَقَتِ السَّمَاء، فَفِيهِ الْعُشْرِ، وَمَا سُقِيَ بالْغَرْبِ وَالدَّالِيَةِ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ"
(4)
؛ ولأن العشر يجب في الخارج لا في الأرض؛ فكان ملك الأرض وعدمه بمنزلة واحدة
(5)
.
واستثنى الحنفية من عدم ثبوت الزكاة في ريع الوقف صورة مثلوا لها بأرض الوقف العشرية، إن دفعها الناظر مزارعة أو معاملة، ومثاله ما نقله ابن مازة من المدرسة الحنفية في كتابه المحيط البرهاني، إذ قال: "أرض الوقف إذا كانت عشرية دفعها القيم مزارعة ومعاملة، فعشر جميع الخارج في نصيب الدافع، وهذا على قول أَبِي حنيفة، فإن عنده في الإجارة بالدراهم العشر على الأجر
(1)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، 2/ 56.
(2)
سورة البقرة، آية 276.
(3)
سورة الأنعام، آية 141.
(4)
إطراف المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي، ابن حجر العسقلاني، طبعة دار ابن كثير، دمشق ودار الكلم الطيب، دمشق: 4/ 428، ثمّ قال المؤلف: قال عبد الله: حدثني عثمان بن أَبِي شيبة، ثنا جرير، عن مُحَمَّد بن سالم، عن أَبِي إسحاق، عنه بهذا، قال عبد الله: فحدثت به أَبِي فأنكره، وكان لا يحدثنا عن مُحَمَّد بن سالم لضعفه عنه وإنكاره لحديثه.
(5)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، 2/ 56.
كالخراج، وعندهما: يجب في الخارج فكذلك في المزارعة؛ لأنه إن كان البذر من قبل ربِّ الأرض، فهو مستأجر للعامل، فالعشر كله عليه، وإن كان البذر من قبل الزارع فالقيم يؤاجر الأرض فكان العشر عليه، وكان ينبغي أن لا يجب العشر في أرض الوقف في الحاصل على الفقراء إنما وجب؛ لأن الآخذ مختلف؛ لأن حقَّ أخذ العشر للسلطان، وله فيه حقُّ العمالة، وإنما الوقف، فالقيِّم هو الذي يتصرَّف فيه، وهو نظير المال المنذور بالتصدق بها إذا حال الحول عليها يجب الزكاة فيها، فيؤدي صاحب المال الخمسة زكاة ويتصدق بالباقي، وإن كان المصرف في كلا الحقين واحدًا"
(1)
.
وجاء عن المالكية القول بوجوب الزكاة في ريع الوقف من الأرض وثمار الأشجار الموقوفة؛ إذ جاء في المدونة: "قال: وقال مالك: تؤدي الزكاة عن الحوائط المحبسة لله، وعن الحوائط المحبسة على قوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم"
(2)
.
وجاء عنهم أيضًا: "وإن كان الموقوف نباتًا
…
فإن كان على مساجد أو على غير معينين؛ فكذلك تزكي جملته على ملك الواقف، وكذا إن كان على معينين إن تولى المالك علاجه"
(3)
.
واستثنى المالكية ناظر الوقف من إخراج الزكاة في حالة إذا كانت إدارة الوقف من الموقوف عليهم: "وإن تولاه الموقوف عليهم، إن حصل لكل نصاب زكاة وإلا فلا؛ ما لم يكن عنده ما يكمل به نصابًا"
(4)
.
(1)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أَبِي حنيفة، أَبُو المعالي برهان الدِّين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مَازَةَ البخاري الحنفي، تحقيق: عبد الكريم سامي الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1424 هـ/ 2004 م، 5/ 758، والفتاوي الهندية، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، دار الفكر، 1411 هـ/ 1991 م، 2/ 442.
(2)
المدونة الكبري، سحنون، 1/ 380، ومواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، الحطَّاب، 3/ 203.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، تحقيق: مُحَمَّد عليش، دار الفكر، بيروت، 1/ 486.
(4)
المرجع السابق، 1/ 486.
ولقد فصَّل الفقيه الرجراجي من المالكية
(1)
ما جاء في المدونة في مسألة ما تجب الزكاة في غلته دون عينه كالحوائط المحبسة، فجاء كلامه على النحو الآتي:
- تجب الزكاة في غلَّة عين الوقف في ثمرتها إذا بلغت جملة ما تجب فيه الزكاة.
- إن كان الحبس على معينين مثل أن يحبس ثمر حائطه وجنانه على قوم بأعيانهم، فإنه يتقرر ما يأتي:
• إن كان الواقف هو الذي يتولى السقي والعلاج دونهم ويقسم الثمرة عليهم؛ فإن الثمرة تزكي على ملك المحبس قولًا واحدًا، من غير اعتبار ما يحصل كل منهم فمن حصل عنده نصاب من المحبس عليهم.
• إن كان المحبَّس عليهم هم يسقون ويعملون؛ لأنفسهم؛ فالقول الأول: هم كالشركاء، ويعتبر النصاب في حقِّ كل واحد منهم، فمن حصل عنده نصاب، إمَّا من ثمر الحبس بانفرادها أو بإضافتها إلى ثمر جنان له؛ فإنه يزكي دون من لم يحصل له نصاب، وهو قول أشهب في كتاب الحبس من المدونة، والثاني: أنه يعتبر نصاب خمسة أوسق في جميع ثمرة الحائط، فإذا كان فيها خمسة أوسق أخذت منها الزكاة من غير اعتبار بما يصح لكل واحد من المحبس عليهم ويزكي على ملك المحبس الذي هو رب الحائط، فإن كان ثمرة الحبس دون النصاب أضافها إلى ما يتم به النصاب إن كان عنده، وهو قول: ابن القاسم في كتاب الحبس من المدونة وهو ظاهر قول: مالك في كتاب الزكاة الثاني من المدونة
(2)
.
واستدلوا على ما قرروه بما نقل من فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أَبِي جعفر: أنه قال في النخل التي هي صدقة رقابها: إن فيها الصدقة تخرص كل عام مع النخل. قال أشهب: وقال مالك بن أنس ذلك.
(1)
انظر: مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل، الرجراجي، اعتنى به: أَبُو الفضل الثقافي الدمياطي وأحمد بن علي، مراكز التراث الثقافي المغربي، دار ابن حزم، ط 1، 1428 هـ/ 2007 م، 2/ 416 وما بعدها.
(2)
انظر: مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، الحطَّاب، 3/ 204 - 205.