الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن هذه الشروط العشرة (وبعضهم أضافوا شرطي التفضيل والتخصيص)
(1)
في حقيقتها تفصيل للشروط الجائزة عندهم، وقد صيغت في قوالب موجزة حتى يسهل حفظها وضبطها، كما أن هذه الشروط ليست مما انفرد بها الحنفية، بل ذكر بعضها أو معظمها بقية المذاهب وهي تعود في معظمها إلى الشروط الصحيحة التي أجازها الجمهور أيضًا وهي: اشتراط الولاية للواقف نفسه، وحق الانتفاع له، وتحديد زمن التأجير، وحق التسوية والتفضيل ونحو ذلك مما ذكرناه سابًقا
(2)
.
وهذه الشروط العشرة تعود من حيث مآلاتها إلى حق الواقف في التغيير، والتحكم في القيود التي توضع في صرف الغلة أو الريع على المستحقين، وهي تدخل في الشروط السابقة، غير أن شرطي الإدخال والإخراج وكذلك شرطا الاستبدال وعدمه يحتاجان إلى مزيد من الشرح والتفصيل، وبيان موقف بقية الفقهاء منهما، ولذلك نفردهما بشيء من التفصيل ثم نشرح بقية الشروط بشيء من الإيجاز.
أ - شرطة الإدخال والإخراج:
يراد بشرطي الإدخال والإخراج عند الحنفية أن يشترط الواقف بأن يكون له حق إدخال من يشاء في المستحقين، وإخراج من يشاء منهم، وأن يزيد من استحقاق من يشاء من الغلة أو الريع، وينقص من يشاء، فقد جاء في الإسعاف ما يوضح ذلك، ولأهميته ننقله بلفظه، حيث قال: "لو اشترط الواقف في وقفه أن يزيد في وظيفة من يرى زيادته، وأن ينقص من وظيفة من يري نقصانه من أهل الوقف، وأن يدخل معهم من يرى إدخاله، وأن يخرج منهم من يرى إخراجه جاز، ثم إذا زاد
(1)
انظر: أحكام الوقف، مصطفى أحمد الزرقا، دار عمار، الأردن، ط 1، 1997 م، 1/ 141.
(2)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 5/ 56، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 423، والذخيرة، القرافي، 6/ 329، والحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشهير بالماوردي، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 هـ / 1999 م، 9/ 394، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني، 2/ 385، ومعونة أولى النهي، ابن النجار، 5/ 760.
أحدًا منهم أو نقصه مرة أو أدخل أحدًا أو أخرج أحدًا ليس له أن يغيره بعد ذلك، لأن شرطه وقع على فعل يراه فإذا رآه وأمضاه فقد انتهى ما رآه، وإذا أراد أن يكون ذلك له دائمًا ما دام حيًا يقول: على أن لفلان بن فلان أن يزيد في مرتب من يرى زيادته، وأن ينقص من مرتب من يري نقصانه، وأن ينقص من زاده، ويزيد من نقصه منهم، وأن يدخل معهم من يرى إدخاله ويخرج منهم من يرى إخراجه متى أراد، مرة بعد أخرى رأيًا بعد رأي ومشيئة بعد مشيئة، ما دام حيًا، ثم إذا أحدث فيه شيئًا مما شرطه لنفسه أو مات قبل ذلك يستقر أمر الوقف على الحالة التي كان عليها يوم موته، وليس لمن يلي عليه بعده شيء من ذلك، إلّا أن يشترطه له في أصل الوقف
…
ولو قال الواقف: على أن لي أن أحرم وأخرج من شئت منهم، ثم مات قبل ذلك تكون الغلة بينهم جميعًا، وأن أخرج واحدًا منهم أو أخرجهم إلّا واحدًا منهم مطلقًا أو مدة معلومة؛ صحَّ، وليس له حرمان الجميع قياسًا، وإذا مات من بقي منهم أو أخرجهم كلهم بناء على الاستحسان تكون الغلة للمساكين، وليس له أن يعيدها إليهم؛ لأنه لما حرمهم غلّتها أبدًا، فقد خرجت من أن تكون لهم، وانقطعت مشيئته فيها وصارت للمساكين
(1)
.
وأما المالكية، والشافعية فلم يجيزوا شرطي الإدخال والإخراج على هذا المعنى الذي ذكره الحنفية؛ لأنهما يدخلان في الشروط التي تنافي مقتضى الوقف، وحينئذ تفسده
(2)
، إضافة إلى وجود غرر فاحش فيه، هذا لكنهم أجازوا شرطي الإدخال والإخراج على معنى تعليق الاستحقاق أو عدمه على صفة معينة، فيكون المراد بالإدخال عندهم هو أن يشترط الواقف استحقاق بعض الموقوف عليهم للغلة أو الريع إذا توافرت صفة معينة مثل العلم، أو القرابة، أو نحو ذلك.
(1)
انظر: الإسعاف في أحكام الوقف، الطرابلسي، 34 - 35 و 127.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 97، والذخيرة، القرافي، 6/ 329، والمهذب في فقة الإمام الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الكتب العلمية، القاهرة، 1/ 450، والمغني، ابن قدامة، 5/ 618.
والإخراج هو ترتيب عدم استحقاق بعض الموقوف عليهم على صفة، فهو إذن ليس بإخراج للموقوف عليه متى شاء الواقف، ولا بإدخال من يشاء، فالواقف يعلق من خلال شرط الاستحقاق، أو عدمه لبعض الموقوف عليهم على صفة معينة.
وقالوا بترتيب الاستحقاق وعدمه على الصفة، حيث مثل المالكية بأنه يجوز للواقف أن يشترط في وقفه على العلماء مثلًا أن من زال وصفه يخرج، وأن غير العالم أو فلانًا إذا أصبح عالمًا فإنه يدخل فيه، وقالوا: إن من وقف على الفقراء، أو طلبة العلم، أو على الشباب أو الصغار، ثم زال وصفه فإنه يخرج، لأن الاستحقاق علق بوصف، فإذا زال الوصف زال الاستحقاق
(1)
.
ومثّل الشافعية للإدخال والإخراج بصفة؛ بأن يقول الواقف: وقفت على أولادي، على أن مَنْ تتزوج مِنْ بناتي، فلا حق لها فيه، فإن طلقت أو مات عنها زوجها عاد إليها حقها، وللإخراج فقط بأن يقول: وقفت على أولادي على أن مَنْ تتزوج مِنْ بناتي فلا حق لها، وأن مَنْ استغني من أولادي فلا حق له فيه
(2)
، وقال الشيرازي: "وتصرف على شرط الواقف من الأثرة، والتسوية
…
وإدخال مَنْ شاء بصفة، وإخراجه بصفة .. "
(3)
.
وأما الحنابلة فعندهم تفصيل في المسألة؛ فإنهم أجازوا اشتراط الإدخال والإخراج لمن شاء من المستحقين للوقف دون غيرهم .. وأما إذا اشترط الواقف إدخال من يشاء من غير المستحقين للوقف؛ فإنه لا يجوز، وينبني عليه بطلان الوقف. قال في منتهى الإرادات:"ويُرجع إلى شرط الواقف في تقديم بعض أهله"
(4)
، وضرب الحنابلة لذلك مثلًا؛ بأن يقول الواقف: وقفت على أولادي بشرط كونهم فقراء، أو علماء، أو يقول: وقفت على أولادي، وأن مَنْ فسق منهم، أو استغنى فلا شيء له
(5)
.
(1)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 97.
(2)
انظر: المهذب في فقة الإمام الشافعي، الشيرازي، 1/ 443 - 444.
(3)
المرجع السابق، 1/ 443 - 444.
(4)
شرح منتهى الإرادات، ابن النجار، 2/ 411.
(5)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 4/ 261.