الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستثمار أرض الوقف بالعقود الزراعية مساهمة من الوقف ومؤسسته الاقتصادية والاجتماعية - التضامنية لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني في الحدِّ من الفقر وحماية كلية النفس، والتي دعت الشريعة إلى حمايتها.
ثامنًا: تعمير أعيان الوقف:
يتفق فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة، والزيدية، والإمامية، والإباضية على أن من وظائف الناظر الاهتمام بتعمير أعيان الوقف، لما فيه من مصلحة على الوقف ومقاصده.
والمقصود بتعمير الوقف: إعادة الاعتبار للعقارات الموقوفة التي تعطلت عن تأدية مقاصد الوقف بتقصير من الناظر أو بفعل تعدي المجتمع عليها أو بسبب العوامل الزمنية والبيئة كالفيضانات والزلازل والحروب بترميمها وصيانتها وبناء ما تهدم منها.
وأما دليل مشروعية تعمير أعيان الوقف عند الفقهاء فقياس مال الوقف على مال اليتيم في تنميته وإعادة الاعتبار له بحفظه
(1)
؛ عملًا بما جاء عن مالك "أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: اتَّجِرُوا في أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ! "
(2)
، ومن وسائل الحفظ إعادة الاعتبار له بتعميره.
ويستدل على مشروعية تعمير الوقف بدليل المصلحة الشرعية، فمن مقاصد الشريعة جلب المصلحة ودفع المفسدة، وهي محققة هنا في هذا الباب من جهة المحافظة على مقاصد الوقف والواقف ولأن للوسائل أحكام المقاصد من جهة أن في إعادة الاعمار تحقق مقاصد الواقفين والوقف.
(1)
انظر: تعمير أعيان الوقف واختلاف وسائله قديمًا وحديثًا (مع دراسة حالة ليبيا)، د جمعة محمود الزريقي، منتدى قضايا الوقف الفقهية الخامس، اسطنبول، تركيا، 10 - 12 جمادي الآخرة 1433 هـ الموافق 13 - 15 مايو 2011 م.
(2)
الموطأ، مالك بن أنس، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، أبو ظبي - الإمارات، ط 1، 1435 هـ/ 2004 م، كتاب الزكاة، زكاة أموال اليتامى، والتجارة لهم فيها، 2/ 352.
فإن دليل المصلحة الشرعية على اعتبار أن تنمية المال مصلحة شرعية معتبرة، في عموم المال ويتأكد في مال الضعفاء كالأيتام والوقف من باب أولى.
فجاء عن الحنفية: "من المعلوم أن أول ما يفعله القيم في غلَّة الوقف البداءة بالعمارة وأجرة القوام؛ وإن لم يشترطها الواقف"
(1)
؛ لأن عمارة العين الموقوفة والمحافظة عليها أمر لا ينفك عن معنى الزيادة فيها؛ وهذا؛ لأنها "وإن لم تكن مشروطة في الوقف نضا؛ فهي مشروطة اقتضاء"
(2)
.
وجاء عنهم أيضًا: "ولو كان الوقف على عمارة المسجد، هل للقيم أن يشتري سلمًا ليرتقي على السطح لكنس السطح وتطيينه، أو يعطى من غلَّة المسجد أجر من يكنس السطح ويطرح الثلج ويخرج التراب المجتمع من المسجد؟ قال أبو نصر: للقيِّم أن يفعل ما في تَرْكه خراب المسجد"
(3)
.
وورد أيضًا: "للقيِّم أن يفعل ما في تركه خراب المسجد"، ضرورة إعمار الوقف بما يناسب غرضة منه كالصيانة الدورية له، أو من خلال إعادة بنائه مجددا عند خرابه، أو التعدي عليه بالهدم.
قال صاحب الاختيار لتعليل المختار: "وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرف في عمارته، فإن استغني عنه حبس لوقت حاجته، وإن تعذَّر إعادة عينه بيع، ويصرف الثمن إلى عمارته، ولا يقسمه بين مستحقي الوقف"
(4)
.
وجاء عن المالكية: "الناظر على الوقف يقدم إصلاحه وعمارته إن كان عقارًا ونفقته إن كان حيوانًا على المحبس عليهم. ولو شرط الواقف عدم التبدئة بذلك؛ لم يعمل بشرطه"
(5)
، وجاء أيضًا عنهم:"قال ابن كنانة: فالدار الحبس تخرب، أنها تصلح من فضل الكراء"
(6)
.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 254.
(2)
المحيط البرهاني، ابن مازه، دار إحياء التراث العربي، 5/ 337.
(3)
البحر الرائق، ابن نجيم، 5/ 233.
(4)
بدائع الصنائع، الكاساني، 6/ 221.
(5)
البهجة في شرح التحفة، التسولي، ضبطه وصححه: محمد عبد القادر شاهين، لبنان، ط 1، 1418 هـ. 2/ 1998 م، 2/ 392.
(6)
النوادر والزيادات، ابن أبي زيد القيرواني، 12/ 95.
وجاء عن الشافعية: "ويصرف الموقوف، أي ريع الموقوف على المسجد، وقفًا مطلقًا، أو على عمارته في البناء والتجصيص المحكم والسلم والبواري للتظلل بها والمكانس ليكنس بها والمساحي لينعل بها التراب
…
؛ لأن ذلك كله لحفظ العمارة"
(1)
.
وجاء عن الحنابلة: "ووظيفة الناظر: حفظ الوقف وعمارته"
(2)
.
وجاء عن الزيدية: "ويصرف غلَّة الوقف في إصلاحه"
(3)
.
وجاء عن الإمامية: "ووظيفة الناظر مع الإطلاق: العمارة والإجارة"
(4)
.
وجاء عن الإباضية: "وسئل: عن عمارة المسجد الذي يجب على وكيله وما لا يلزمه من عماره، وما هو خارج عن عماره؟ أيُبدأ بعماره أم عمار ماله؟ وإذا أكمل عماره ولم يعمر ماله وبقيت دراهم أتعد فاضلة أم لا إلى أن يستكمل عمار ماله بين لنا ذلك؟ الجواب: يجعل الوكيل مال المسجد لحيطانه وسوارية وسقوفه؛ فإذا فضل شيء عن عمارته جعله في صلاح أمواله من فسل وسقي وما يحتاجه من عمارة، والله أعلم"
(5)
.
ونصَّت توصيات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عشرة على التوصية بصيانته والمحافظة عليه إذ فيها: "يتعيّن المحافظة على الموقوف بما يحقق بقاء عينه ودوام نفعه"
(6)
، ولا يتحقق ذلك إلا بمحافظة ناظره عليه وتعميره.
(1)
أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، 2/ 476، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 5/ 360.
(2)
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، أبو النجا الحجاوي، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة بيروت، 3/ 14.
(3)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 334.
(4)
اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول، 3/ 177.
(5)
خلاصة الوسائل، عيسى بن صالح، 4/ 91.
(6)
انظر: قرار رقم 140 (6/ 15) بشأن الاستثمار في الوقف وفي غلاته وريعه، مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الخامسة عشرة بمسقط (سلطنة عُمان) من 14 - 19 المحرم 1435 هـ، الموافق 6 - 11 آذار (مارس) 2004 م.