الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ) دفع التعويضات المالية للضرر الناتج عن الوقف:
يثبت فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والإمامية، والإباضية، والزيدية الذمَّة المالية للوقف، ومنه أقروا له حقوقًا على الغير، كما رتبوا عليه حقوقًا للآخرين.
ومن أمثلة ذلك جبر الضرر الحاصل من الوقف نحو جيرانه، فيقوم الناظر بجبر ذلك من غلته أو يقترض من غيره أو من ماله ثمّ يأخذه من ريعه رفعا للخصومة ودفعا للضرر.
فجاء عن الحنفية: "في حائط فاصل بين دار زيد ودار وقف مشترك بين الجهتين، ولكل منهما عليه ركوب فوهن وتلف وسقط، وطلب زيد تعميره، وامتنع الناظر من تعميره مع زيد من غلَّة الوقف، وللوقف غلَّة؛ فهل يجبر الناظر على تعميره مع زيد من غلَّة الوقف بحسب ما يخصُّه منه؟ الجواب: نعم، حائط مشترك انهدم وأبى الآخر أن يبني إن كان أساس الحائط عريضًا يمكنه أن يبني حائطًا في نصيبه بعد القسمة لا يجبر الشريك الآبي، وإن كان لا يمكن؛ يجبر وعليه الفتوى. ومعنى الجبر إذا كان أساس الحائط لا يقبل القسمة ولا يوافقه الشريك، له أن ينفق هو في العمارة ويرجع على الشريك بنصف ما أنفق"
(1)
، وجاء عنهم أيضًا:"وجناية عبد الوقف في مال الوقف"
(2)
.
وإن القول بتضمين التعدي الصادر من الوقف هو ظاهر قول المالكية جريا على ضوابط وأسباب الضمان عندهم إذ يحصرونها في "الإفساد بغير إذن كإحراق الثوب أو التسبب كوقد النار بقرب الزرع أو وضع اليد غير مؤمنة كالغاصب"
(3)
، وهي أسباب تتحقق في الوقف بالنظر إلى القول من كونه شخصًا اعتباريًّا.
(1)
العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، دار المعرفة، 2/ 275.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 217.
(3)
الذخيرة، القرافي، تحقيق: مُحَمَّد بوخبزة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1994 م، 12/ 259.
وجاء عن الشافعية ما يفيد تعويض الضرر من مال الوقف إن اشترطه الواقف، ما جاء عندهم في مسألة الخلاف بين ناظر الوقف والمستأجر للأرض بعقد المغارسة:"لو أراد الناظر بعد المدة القلع وغرم الأرش من مال الوقف ولم يقتضه شرط الواقف لم يجز"
(1)
.
وجاء عن الحنابلة: "ولو وقف كرومًا على الفقراء، ويحصل على جيرانها ضرر، يعوض عنها بما لا ضرر فيه على الجيران ويعود الأول ملكًا، والثاني وقفًا"
(2)
.
والشاهد من هذه الفتوى القول بأن الضرر كما يقع من الشخص الحقيقي ويترتب عنه التعويض عنه، كذلك الشأن للوقف باعتباره شخصية معنوية، فكما جازت الفتوى بتغييره أو باستبداله أو مناقلته دفعا للضرر؛ جاز للمتضرر طلب التعويض عما وقع عليه من ضرر.
وجاء عن الإمامية، مسألة جناية العبد على غيره مما يوجب الضمان في المال واختلافهم في تعلقها هل هي في كسب الجاني أو واقفه أو بيت المال أو قالوا:"إن تعذَّر تعلقه برقبته، تعلق بما هو أقرب"
(3)
، والشاهد من كلام الفقيه أنه يثبت الضمان والتعويض من الوقف نحو الجهة التي تسبب لها في ذلك.
وجاء عن الإباضية: "وسئل: عن نخلة المسجد أو شجرته إذا مالت على حائط أو مسجد أو بيت، هل يصلح زوالها إن خيف الضرر؟ الجواب: يزال ما خيف ولو كانت النخلة لمسجد أو غيره إن مالت على حائط أو مسجد أو بيت أو غير ذلك، والله أعلم"
(4)
، فالقول بإزالة النخلة الآيلة للسقوط، إشارة ضمنية من المفتي بجواز التعويض لو وقعت على ما وصفه في سؤاله.
(1)
الفتاوى الكبرى الفقهية، الهيتمي، 3/ 160.
(2)
الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، 5/ 433.
(3)
المبسوط في فقه الإمامية، الطوسي، صحَّحه وعلَّق عليه: مُحَمَّد تقي الكشفي، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1992 م، 3/ 289.
(4)
خلاصة المسائل بترتيب المسائل، عيسى بن صالح بن علي الحارثي، ترتيب: حمد بن عبد الله بن حميد السَّالِمِي، تحقيق: مُحَمَّد بن سعيد المعمري، وزارة الثقافة العمانية، ط 1، 1427 هـ./ 2006 م، 4/ 91.