الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني: من فرغ، الإنسان عن وظيفته سقط حقُّه وإن لم يقرِّر القاضي المنزول له:
وبهذا أفتى العلامة قاسم من الحنفية
(1)
، وهو الظاهر من قول المالكية.
قال ابن نجيم من الحنفية: أفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان عن وظيفته سقط حقُّه منها؛ سواء قرَّر الناظر المنزول له أو لا
(2)
، فلا بدَّ من تقرير القاضي
(3)
.
وهذا ما يؤخذ من عبارات المالكية، قال الدردير: واتبع وجوبًا شرط الواقف إن جاز شرعًا؛ كتخصيص مذهب أو ناظر معيَّن، وله عزل نفسه، فيولي صاحبه من شاء إن كان حيًّا، وإلا فالحاكم
(4)
.
القول الثالث: إن الناظر لا ينعزل بمجرد عزل نفسه ونزوله عن وظيفة النظر لغيره، بل لا بدَّ من تقرير القاضي المفروغ له لو أهلًا، وأنه لا يلزم القاضي تقريره ولو أهلًا.
وإلى هذا القول ذهب أكثر الحنفية
(5)
؛ جاء في البحر الرائق: إذا عزل نفسه عند القاضي فإنه ينصب غيره، وهل ينعزل بعزل نفسه في غيبة القاضي؟ الجواب: لا ينعزل حتى يبلغ القاضي، كما صرحوا به في الوصي والقاضي
(6)
.
ح) الاعتياض عن نزول حقِّ النظر للغير:
اختلف الفقهاء في حكم الاعتياض عن نزول حقِّ النظارة للغير على قولين:
القول الأول: جواز الاعتياض عن نزول حقِّ النظارة للغير:
(1)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 383، والبحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 253.
(2)
انظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 253 - 254.
(3)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 426.
(4)
انظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، 4/ 88.
(5)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 519.
(6)
انظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 253.
وإليه ذهب الحنفية في المفتي به، والشافعية، وهو ما يؤخذ من عبارات المالكية.
قال ابن عابدين من الحنفية تعليقًا على عبارة الحصكفي: "وعليه فيفتى بجواز النزول عن الوظائف بمال"
(1)
.
وقال العلامة العيني الحنفي في فتاواه: ليس للنزول شيء يعتمد عليه ولكن العلماء والحكام مشوا ذلك للضرورة
(2)
، ثم قال في معرض الاستدلال بجواز الاعتياض عن جواز النزول عن وظائف بمال: وذكر الحموي أن العيني ذكر في شرح نظم درر البحار في باب القسم بين الزوجات أنه سمع من بعض شيوخه الكبار أنه يمكن أن يحكم بصحة النزول عن الوظائف الدينية قياسا على ترك المرأة قسمها لصاحبتها؛ لأن كلا منهما مجرد إسقاط
(3)
.
وأضاف: ورأيت بخط بعض العلماء عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجواز أخذ العوض في حق القرار والتصرف وعدم صحة الرجوع، وبالجملة فالمسألة ظنية والنظائر المتشابهة للبحث فيها مجال وإن كان الأظهر فيها ما قلنا فالأولى ما قاله في البحر من أنه ينبغي الإبراء العام بعده والله سبحانه وتعالى أعلم
(4)
.
وقال البجيرمي من الشافعية في تعليقه على عبارة الخطيب "لم ينعزل بنفسه": "ومِن عَزل نفسه ما لو أسقط حقَّه من النظر لغيره بفراغ له؛ فلا يسقط حقُّه، ويستنيب القاضي من يباشر عنه في الوظيفة، وهذا يفيد أن الواقف إذا شرط من الوظائف شيئًا لأحد حال الوقف اتُّبع، ومنه ما لو شرط الإمامة أو الخطابة لشخص ولذريته، ثم إن المشروط له ذلك فرغ عنها الآخر، وباشر المفروغ له فيهما مدة، ثم مات الفارغ عن أولاد .. وهو أن الحقَّ في ذلك ينتقل لأولاد الفارغ على ما شرطه الواقف، ثم ما استغله المفروغ له من غلَّة الوقف لا يرجع عليه بشيء منه؛ لأنه استحقه في مقابلة العمل؛ سيَّما وقد قرَّره الحاكم؛ غاية الأمر أن تقريره وإن
(1)
حاشية ابن عابدين، 4/ 383.
(2)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 519.
(3)
انظر: المرجع السابق، 4/ 519.
(4)
انظر: المرجع السابق، 4/ 520.
كان صحيحًا للنيابة عن الفارغ ثابت له مدة حياة الفارغ؛ وكذلك لا رجوع للمفروغ له على تركة الفارغ بما أخذه في مقابلة الفراغ، وإن انتقلت الوظيفة عنه لأولاد الفارغ؛ لأنه إنما دفع الدراهم في مقابلة إسقاط الحقِّ له، وقد وجد وقرره الحاكم على مقتضاه
(1)
.
وقال الصاوي المالكي في تعليقه على عبارة الدردير "نعم، له أن يُسقط حقَّه": "ظاهره جواز ذلك، ولو بمال يأخذه لنفسه"
(2)
.
القول الثاني: عدم جواز النزول عن وظيفة النظر بالمال، وللمنزول له الرجوع به:
وإليه ذهب الخير الرملي من الحنفية؛ قال ابن عابدين من الحنفية: أفتى في الخيرية بأنه لو فرغ عن الوظيفة بمال فللمفروغ له الرجوع بالمال؛ لأنه اعتياض عن حق مجرد وهو لا يجوز
(3)
.
ثم نقل ما جاء في الانتصار للرأي القائل بثبوت حقِّ المفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ، وقال: ما قلنا في الفراغ عن الوظيفة يُقال مثله في الفراغ عن حقِّ التصرُّف في مشدِّ مسكة الأراضي، ويأتي بيانها قريبًا، وكذا في فراغ الزعيم عن تيماره، ثم إذا فرغ عنه لغيره ولم يوجهة السلطان للمفروغ له، بل أبقاه على الفارغ، أو وجَّهه لغيرهما .. ينبغي أن يثبت الرجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ؛ لأنه لم يرض بدفعه إلا بمقابلة ثبوت ذلك الحقِّ له، لا بمجرد الفراغ، وإن حصل لغيره، وبهذا أفتى في الإسماعيلية والحامدية وغيرهما، خلافًا لما أفتى به بعضهم عن عدم الرجوع؛ لأن الفارغ فعل ما في وسعه وقدرته؛ إذ لا يخفى أنه غير مقصود من الطرفين، ولا سيَّما إذا أبقى السلطان والقاضي التيمار أو الوظيفة على الفارغ؛ فإنه يلزم اجتماع العوضين في تصرُّفه، وهو خلاف قواعد الشرع
(4)
.
(1)
حاشية البجيرمي على الخطيب، 3/ 633.
(2)
حاشية الصاوي على الشرح الصغير، 4/ 99.
(3)
انظر: حاشية ابن عابدين، 3/ 382.
(4)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 520 - 521.