الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الخامس: الرشد
(1)
:
نصَّ المالكية والحنابلة على اشتراط الرشد في الناظر على الوقف، وعدم صحة تولية السفيه على النظارة على الوقف؛ ففي الشرح الكبير للدردير المالكي:"فإن كان المستحق معيَّنًا رشيدًا؛ فهو الذي يتولى أمر الوقف، وإن كان غير رشيد فوليُّه"
(2)
، وقال الرحيباني الحنبلي في المنتهى: "وشرط أيضًا في الناظر المشروط تكليف
…
وشرط فيه أيضًا رشدٌ
…
وشرط فيه أيضًا كفاية لتصرُّف وخبرة
…
وقوة عليه"؛ وذلك لأن السفيه محجور عليه في تصرفاته في ماله، فلا يتصرَّف في غيره
(3)
.
وأما فقهاء الحنفية والشافعية فلم يتعرضوا لذكر شرط الرشد عند ذكرهم الشروط ولاية الوقف
(4)
، ولا يدلُّ ذلك على صحة ولاية السفيه عندهم، بل إنهم لم
(1)
انظر: الرشد والرشاد: نقيض الغي والسفه، رشد الإنسان (بالفتح)، يَرشُد، رُشْدًا (بالضم) ورشدًا (بالكسر) ورشادًا، فهو راشد ورشيد، وهو نقيض الضلال: إذا أصاب وجه الأمر والخير والطريق، وهو حسن التصرُّف في الأمر حسًّا أو معنى، دِينًا أو دُنيا، قال تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} . (النساء: آية 6)، أي: صلاحًا في أمر دنياه ودينه، وقيل: الرشد: الاستقامة على طريق الحقِّ مع تصلُّب فيه، والرشيد في صفات الله تعالى: الهادي إلى سواء الصراط، والذي حسن تقديره فيما قدر، والسفيه: فعيل من سَفِه (بكسر الفاء)، يسفه، سفهًا وسفاهة وسفاهًا، وأصله: الخفِّ والحركة، فالسفيه: ضعيف العقل وسيئ التصرُّف، وسُمي سفيهًا لخفة عقله، ولهذا سمَّى الله تعالى الصبيان: سفهاء، في قوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (النساء: آية 5).
انظر: لسان العرب، 3/ 175، والمطلع على أبواب المقنع، أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، تحقيق: محمد بشير الأدلبي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1401 هـ/ 1981 م، 1/ 288، والتوقيف، 1/ 365، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، دار الطلائع، القاهرة، د. ت، 1/ 229، والقاموس المحيط، الفيروزابادي، 1/ 360، والدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، يوسف بن حسن بن عبد الهادي الحنبلي الدمشقي الصالحي المعروف بـ"ابن المبرد"، تحقيق: د رضوان مختار بن غربية، دار المجتمع، السعودية، ط 1، 1411 هـ/ 1991 م، 3/ 503 - 504.
(2)
الشرح الكبير، أحمد بن محمد الدردير، 4/ 88.
(3)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 4/ 348.
(4)
انظر: شرح فتح القدير، محمد بن عبد الواحد السيواسي المشهور بـ"ابن الهمام"، 6/ 321، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 380، وإعانة الطالبين علي حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين، عثمان الدمياطي البكري، 3/ 186، والسراج الوهاج، محمد الزهري الغمراوي، 1/ 307.
يتعرضوا إلى هذا الشرط؛ لأنه داخل ضمنًا في شرط الكفاية في التصرُّف والخبرة به والقوة عليه، ولا يمكن أن يتحقَّق في الناظر على الوقف الكفاية إذا لم يكن رشيدًا؛ لأن الرشد لازم من لوازم الكفاية؛ إذ الرشد - كما مرَّ - هو حسن التصرُّف في الأمر حسًّا أو معنى، دينا أو دُنيا.
ويؤيد هذا ما نصَّ عليه الشافعية في باب الوصية، حيث جعلوا الرشد وعدم السفة من لوازم الكفاية، قال النووي: "الركن الأول: الوصي، وله خمسة شروط: وهي التكليف، والحرية، والإسلام، والعدالة، والكفاية في التصرفات
…
ولا تجوز (أي الوصاية) إلى فاسق، ولا إلى عاجز عن التصرُّف لا يهتدي إليه؛ لسفه أو هرم .. أو غيرهما"
(1)
، وقال الشربيني: "وشرط الوصي (أي الموصى إليه) تكليف
…
وهداية إلى التصرُّف في الموصى به، فلا يصحُّ إلى من لا يهتدي إليه؛ لسفه أو مرض أو هرم أو تغفل؛ إذ لا مصلحة في تولية من هذا حاله"
(2)
.
وأما الإمامية فقد نصُّوا على اشتراط الرشد في الناظر على الوقف، وجعلوه صفة لكونه جائز التصرُّف، حيث نصُّوا على أنه:"لا يشترط في الولي أكثر من أن يكون جائز التصرُّف بالبلوغ والعقل والرشد"
(3)
.
فيكون شرط الرشد شرطًا لصحة ولاية الناظر على الوقف عند الفقهاء، فلا تصحُّ نظارة سفيه على الوقف.
(1)
روضة الطالبين، يحيى بن شرف النووي، 6/ 311.
(2)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 3/ 74.
(3)
أحكام الشريعة طبقًا لفتاوى المرجع الديني الجعفري السيد محمد حسين فضل الله، 236، وانظر أيضًا مستند القضاء الجعفري، السيد عبد الله فحص، 503، وفقه الإمام جعفر الصادق، محمد جواد مغنية، 5/ 73.