الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع اشتراط حيازة الموقوف عليه للوقف
هنالك قولان في اشتراط حيازة الموقوف عليه للوقف:
القول الأول: اشترط حيازة (قبض) الموقوف عليه للوقف ولو حكما عن طريق وليه أو من ينوب عنه: وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني من الحنفية، وإليه ذهب المالكية في المذهب، وهو رأي عند الحنابلة، وذهب إليه الإمامية في المذهب.
القول الثاني: لم يشترط حيازة الموقوف عليه للوقف: وهو قول أبي يوسف من الحنفية، ورأي عند المالكية، وذهب إليه الشافعية في المذهب، والحنابلة في المذهب، والظاهرية في المذهب، والزيدية في المذهب.
وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
القول الأول: الذي يرى اشتراط حيازة (قبض) الموقوف عليه للوقف ولو حكمًا عن طريق وليه أو من ينوب عنه:
أولًا: مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني من الحنفية:
وهو اشتراط التسليم للمتولي وحيازته، إلا أن أبا حنيفة يشترط لزوال ملك الرقبة الموقوفة عن الواقف أن يتصل به قضاء القاضي، أو أن يضيفه إلى ما بعد الموت بأن قال: إذا مُتّ، فقد جعلت داري أو أرضي وقفًا على كذا، أو قال: هو وقف في حياتي صدقة بعد وفاتي.
أما إذا لم توجد الإضافة إلى ما بعد الموت، ولا اتصل به حكم حاكم، فاختلفا في جوازه مزيلًا لملك الرقبة، فقال أبو حنيفة: لا يجوز، وللواقف بيع الموقوف وهبته، وإذا مات يصير ميراثًا لورثته. وقال محمد بن الحسن الشيباني: يجوز، فلا يباع ولا يوهب ولا يورث.
فقال الكاساني: "وأما شرائط الجواز فأنواع بعضها يرجع إلى الواقف وبعضها يرجع إلى نفس الوقف وبعضها يرجع الموقوف. أما الذي يرجع إلى الواقف
فأنواع
…
ومنها أن يخرجه الواقف من يده ويجعل له قيما ويسلمه إليه عند أبي حنيفة ومحمد
…
واحتج بما روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه وقف وكان يتولى أمر وقفه بنفسه وكان في يده، وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه كان يفعل كذلك؛ ولأن هذا إزالة الملك لا إلى أحد
(1)
، فلا يشترط فيه التسليم؛ كالإعتاق، ولهما أن الوقف إخراج المال عن الملك على وجه الصدقة فلا يصح بدون التسليم كسائر التصرفات. وأما وقف عمر وعلي رضي الله عنهما فاحتمل أنهما أخرجاه عن أيديهما وسلماه إلى المتولي بعد ذلك، فصح؛ كمن وهب من آخر شيئًا أو تصدق أو لم يسلم إليه وقت الصدقة والهبة ثم سلم صح التسليم، كذا هذا، ثم التسليم في الوقف عندهما أن يجعل له قيما ويسلمه إليه، وفي المسجد أن يصلي فيه جماعة بأذان وإقامة بإذنه، كذا ذكر القاضي في شرح الطحاوي، وذكر القدوري رحمه الله في شرحه أنه إذا أذن للناس بالصلاة فيه فصلى واحد كان تسليما ويزول ملكه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله"
(2)
.
وذكر علي القاري في فتح باب العناية بشرح النقاية: " (فلا يزول ملك المالك عند أبي حنيفة رحمه الله
…
(إلا أن يحكم به حاكم) ولَّاه الإمام، فإنه حينئذ يزول ملك الواقف عنه لقضائه في أمر مجتهد فيه. وصورة الحكم أن يسلم الواقف وقفه إلى المتولي، ثم يريد أن يرجع بعلة عدم اللزوم، فيختصمان إلى القاضي فيقضي باللزوم. (وإلا في مسجد بُني وأفرز بطريقه) أي ميز به عن غيره بتعينه (وأذن للناس بالصلاة فيه) أي إذنا عاما (وصلى فيه واحد) فإنه أيضًا يزول ملكه عنه، لأنه جعله خالصا لله تعالى. وشرط الإفراز، لأنه لا يخلص لله إلا به، والإذن بالصلاة لأن التسليم لا بد منه عند أبي حنيفة ومحمد، وهو في المسجد بذلك، لأنه في كل شيء بحسبه، واكتفى بصلاة الواحد، لأن فعل الجميع متعذر فاشترط الأقل، ولأن
(1)
في الأصل: (حد)، وما أثبتناه أصح.
(2)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، 6/ 219 - 220.