الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى: لو شرط الواقف استواء المستحقين من الإمام ونحوه بالعمارة عند الضيق؛ لم يُعتبر شرطه، وتقدم العمارة عليهم. وكذا لو شرط الواقف استواء أرباب الشعائر بغيرهم من المستحقين عند الضيق؛ يقدم أرباب الشعائر.
الثانية: إن السلطان يجوز له مخالفة الشرط إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع؛ فيُعمل بأمره، وإن غاير شرط الواقف؛ لأن أصلها لبيت المال؛ فلم تكن وقفًا حقيقة؛ بل هي أرصاد أخرجها الإمام من بيت المال، وعيّنها لمن يستحق منه من العلماء ونحوهم.
الثالثة: لو شرط عدم ناظر ومات، ونفذ في موته أو في حياته نصب القاضي قيمًا
(1)
.
د) مخالفة شروط الواقف في تعيين جهة خيرية واحدة لتشمل جهة خيرية أخرى:
وهذا ما يعبر عنه بالقول: هل ذمة الوقف الخيرية واحدة أم ذمم متعددة؟
للجواب عن ذلك نقول: إن الواقف إما أنه قد حدد في صك وقفه، أو شروطه أن يكون لصالح شخص وذريته، أو نحو ذلك مما يسمى في الفقه الإسلامي بالوقف الأهلى، أو الذري، فهذا له طابعه الخاص وتكون إدارته في إطار الشخص الموقوف عليه، أو ذريته فيما بعد حسب تفصيل لا يهم موضوع البحث.
وأما أن يكون الوقف على جهة خيرية مثل الوقف على المساجد، أو المدارس، أو الفقراء أو المساكين، أو الأرامل، أو اليتامى أو المدرسة خاصة، أو المؤسسة علمية خاصة بدراسة علم معين، أو ابتكار معين.
وهذا النوع الثاني هو الذي نتحدث عنه، حيث يرد سؤال: هل هذه الجهات لو اجتمعت كلها أو بعضها تحت إشراف مؤسسة يكون لكل واحدة منها ذمة مستقلة وتعمل على أساس شخصيتها المستقلة، فلا يجوز التداخل بين حقوقها والتزاماتها
(1)
انظر: الدر المنتقى في شرح الملتقى بهامش مجمع الأنهر، داماد أفندي، 1/ 755، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين،3/ 418.
وبين حقوق والتزامات جهة أخرى؟ أم أنها ينظر إلى كلّ هذه الجهات كذمة واحدة، وحينئذٍ يحمل بعضها عن بعض؟
للجواب عن ذلك نقول: إن الأصل والمبدأ العام والقاعدة الأساسية هو الحفاظ على خصوصية كل وقف وكل جهة وإن كانت تحت إشراف إدارة واحدة، وذلك لضرورة مراعاة أن يكون ريع الوقف النفس الجهة التي وقف عليها الواقف، قال البهوتي:"ويتعين مصرف الوقف إلى الجهة المعينة"
(1)
، وكذلك الأمر في حالة الالتزامات، والتعمير والبناء وذلك من خلال ترتيب هذه الجهات كصناديق خاصة لها ذمتها المالية المستقلة بقدر الإمكان.
هذا هو الأصل ما دام ذلك ممكنًا ولم يكن هناك ما يعارضه.
ويشهد لهذا الأصل القائم على التفريق الأدلةُ المعتبرةُ على ضرورة الحفاظ على الوفاء بالعقود وشروط الواقف الموافقة للكتاب والسنة، أو التي تحقق الغرض المنشود من الوقف، قال القرافي: "ويجب اتباع شروط الوقف
…
لأنه ماله، ولم يأذن في صرفه إلّا على وجه مخصوص، والأصل في الأموال العصمة"
(2)
.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن المقصود إجراء الوقف على الشروط التي يقصدها الواقف، ولهذا قال الفقهاء: إن نصوصه كنصوص الشارع يعني في الفهم والدلالة فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة كما يفهم مقصود الشارع
(3)
.
ومع هذا الأصل العام فإن الذي يظهر راجحًا هو جواز التصرف في جميع الأموال المرصودة لجهة واحدة لصالحها ولو كانت متعددة؛ كالمساجد مثلًا؛ حيث لا بدّ أن ينظر إلى جميع موقوفات المساجد الواقعة تحت إدارة الوقف كذمة واحدة حسب المصلحة الراجحة، ولكن مع تقديم مصالح الموقوف عليه من وقفه الخاص به على
(1)
شرح منتهى الإرادات، ابن النجار 2/ 406.
(2)
الذخيرة، القرافي، 6/ 326.
(3)
انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، 31/ 98.
غيره، وإذا فضل، أو اقتضت المصلحة غير ذلك صرف منه إلى بقية الموقوف عليه من نفس الجهة وهكذا الأمر في الوقف على جهة الفقراء، أو المدارس، أو نحوها.
ولكن يرد سؤال آخر وهو: هل يمكن أن ينظر إلى جهات الخير كلها كأنها جهة واحدة يصرف من ريعها على الجميع حسب أولوية المصالح؟
فقد أفتى فقهاء المالكية بذلك حيث جاء في نوازل العلمي: "الأحباس كلها - إذا كانت لله - بعضها من بعض، وذلك مقتضى فتوى أبي محمد العبدوسي"، كما نقل فتاوى بهذا الشأن للبرزلي وابن الماجشون وغيرهما
(1)
، وجاء فيهما أيضًا:"قال أصبغ، وابن الماجشون: إن ما يقصد به وجه الله يجوز أن ينتفع ببعضه من بعض، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثل ذلك في مقبرة قد عفت فيبني قوم عليها مسجدًا: لم أرَ به بأسًا، قال: وكذلك ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض، وقد رأى بعض المتأخرين: أن هذا القول أرجح في النظر؛ لأن استنفاد الزائد في سبيل الخير أنفع للمحبس، وأنمى لأجره"
(2)
.
وقال أبو محمد العبدوسي في الجواب عن جمع أحباس فاس: "يجوز جمعها، وجعلها نقطة واحدة وشيئًا واحدًا لا تعدد فيه، وأن تجمع مستفادات ذلك كله، ويقام منه ضروري كل مسجد من تلك المستفادات المجتمعة"
(3)
.
وجاء في المعيار المعرب: "وسئل السيد أبو عبد الله القوري رحمه الله عن إمام خطيب بالجامع الأعظم كان له ولمن قبله مدة طويلة مرتب من جزية اليهود، ثم اتفق في اليهود ما اتفق فانقطع المرتب بسبب ذلك، فهل يجري المرتب من وفر الأحباس الذي يفضل عن جميع مصالحه وقومته ومن تعلق به أم لا؟ فأجاب بما نصه: الجواب والله الموفق للصواب بمنه وفضله أن المسألة ذات خلاف في القديم والحديث، وأن
(1)
انظر: نوازل العلمي، الشيخ عيسى بن علي الحسني العلمي، وزارة الأوقاف، المغرب، ط 1، 1983 م، 2/ 313 - 314.
(2)
انظر: المرجع السابق، 2/ 344 - 345.
(3)
انظر: المرجع السابق، 2/ 344 - 345.