الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما التغيير فيحمل على تغيير الشروط التي اشترطها الواقف حيث يكون له الحق في تغيير الشروط المذكورة
(1)
.
ولأهمية الاستبدال نذكره بشيء من التفصيل:
مسألة: استبدال عين الوقف:
المقصود بالاستبدال هنا تغيير العين الموقوفة بالبيع أو نحوه إلى شيء آخر، والاستبدال على ثلاثة وجوه:
الأول: أن يشترطه الواقف لنفسه فقط أو لغيره فقط، أو لهما معًا، فحينئذٍ يكون الاستبدال جائزًا لمن شرط له على الصحيح.
الثاني: أن لا يشترطه وإنما يسكت عنه.
والثالث: أن يشترط عدم الاستبدال
(2)
، ففي هذين الوجهين يأتي التفصيل والخلاف، ولكنه من المتفق عليه أن الأصل العام والقاعدة الكلية في الشريعة هو عدم الاستبدال إلّا لمسوغ مشروع، ولذلك اختلف الفقهاء في جواز استبدال عين الوقف - من غير المسجد - أو بيعها في حالات نذكر هنا أهمها:
1.
حالة الهدم والخراب بحيث تتعذر عمارة الوقف: قال المرغيناني الحنفي: (وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغني عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته يصرفه فيهما، لأنه لا بدّ من العمارة ليبقى على التأبيد فيحصل مقصود الواقف
…
وإن تعذر إعادة عينه إلى موضعه بيع وصرف ثمنه إلى المرّمة صرفًا للبدل إلى مصرف المبدل)، بل ادعى ابن الهمام أن خروج الوقف عن الانتفاع به ينبغي أن لا يختلف فيه
(3)
؛ أي في
(1)
انظر: المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، دار المعرفة، بيروت، 1414 هـ./ 1993 م، 12/ 33.
(2)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 387.
(3)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 228 و 244.
المذهب الحنفي، أما إذا انهدمت الدار - مثلًا - ولم يكن إعادتها فتباع ويشتري بثمنها مثلها، أو قسط منه ما عدا المسجد
(1)
، وذهب أحمد إلى أن الدار الموقوفة إذا خربت يباع نقضها ويصرف ثمنها إلى وقف آخر
(2)
.
2.
حالة عدم الانتفاع والاستغناء: قال ابن الهمام الحنفي: "ومن زيادات أبي بكر بن حامد: أجمع العلماء على جواز بيع بناء الوقف وحصيره إذا استغنوا عنه"، وقال أيضًا:"وينبغي للحاكم إذا رفعه إليه ولا منفعة في الوقف أن يأذن في بيعها إذا رآه أنظر لأهل الوقف"
(3)
، وهذا رأي جمهور الفقهاء؛ حيث قالوا: ويباع كلّ ما لا ينتفع به فيما حبس فيه من غير المسجد على تفصيل فيه، ومن غير العقار عند مالك؛ حيث لا يباع وإن خرب
(4)
.
3.
حالة الترك: وذلك بأن يترك أهل القرية، أو المنطقة وقفهم فيهجر، فعند الحنفية في غير المسجد يعود إلى الواقف، وعند الجمهور يظلّ وقفًا، وعند أحمد يباع نقضه ويصرف إلى مسجد آخر، إن كان مسجدًا أو إلى جهة مماثلة
(5)
.
4.
حالة رجاء منفعة أكبر: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه يجوز بيع الوقف إذا رأى الموقوف عليه، أو الناظر للوقف أن غيره أكثر نفعًا وريعًا، فقد جاء في فتح القدير "وروي عن محمد: إذا ضعفت الأرض عن الاستغلال ويجد القيم بثمنها أخرى أكثر ريعًا كان له أن يبيعها ويشتري بثمنها ما هو أكثر ريعًا"
(6)
، ولكن بعض علماء الحنفية رجحوا عدم الجواز، لأن الواجب إبقاء الوقف على ما كان عليه
(1)
انظر: الغاية القصوى في أصول الفقه، السيد محمد الشهشهاني الأصفهاني، مكتبة البيت، تبريز، 2/ 649.
(2)
انظر: المغني، ابن قدامة، 5/ 631.
(3)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 221.
(4)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 90 - 91، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 5/ 357.
(5)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 237، والمغني، ابن قدامة، 5/ 631.
(6)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 221.
دون زيادة أخرى، لأنه لا موجب لتجويزه إذا لم يكن هناك شرط، أو ضرورة، ولا ضرورة في هذا، إذ لا تجب الزيادة فيه بل تبقيه كما كان
(1)
.
وهذا هو رأي جمهور الفقهاء من المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
، والإباضية
(5)
.
وذلك لأن الأصل هو تحريم بيع الموقوف، وإنما أبيح لضرورة أو حاجة تنزل منزلة الضرورة، صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع تحقق الانتفاع وإن قلّ، وبذلك يجمع بين الخيرين وهو أولى من التضحية بأحدهما لحساب الآخر، لكن عند الحنابلة: إذا بلغ الوقف في قلة النفع إلى حدّ لا يعد نفعًا فيكون وجود ذلك كالعدم فيجوز بيعه وشراء مثيل له يكون أكثر نفعًا
(6)
، وهذا الرأي له وجاهته ووفاقه مع مقاصد الوقف في الشرع.
وجاء في التاج: "ويبدأ من غلّته لعمارته، وإن لم يشرطها الموقف، وما انهدم منه أو فسد صرف فيها؛ فإن استغني عنه حبس إلى وقت حاجته"
(7)
، وإن تعذّر إعادة عينه بيع وصرف ثمنه في عمارته
(8)
.
5.
حالة الإتلاف: لو أتلف الموقوف عليه وعوض فيشتري ببدله مثله ويقوم مقامه
(9)
، وذهب المالكية إلى أن مَنْ هدم وقفًا تعديًا فعليه إعادته إلى ما كان عليه، ولا تؤخذ قيمته حتى ولو كان المهدوم باليًا؛ لأن الهادم ظالم بتعديه والظالم أحق
(1)
انظر: المصدر نفسه، 6/ 228.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 94.
(3)
انظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 5/ 357.
(4)
انظر: المغني، ابن قدامة، 5/ 634.
(5)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، القاضي أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صنعاء، 6/ 106.
(6)
انظر: المغني، ابن قدامة، 5/ 634.
(7)
التاج المذهب، الثميني العنسي، 6/ 106.
(8)
انظر: المرجع السابق، 6/ 106.
(9)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 228، ويراجع: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 92، وعرفه الكاساني بقوله: إتلاف الشيء إخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة، انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، 7/ 164.
بالحمل عليه، أما إذا كان خطأ فعليه قيمته هذا ما رآه الخليل وغيره، في حين ذهب الدردير وآخرون إلى أن عليه القيمة مطلقًا كسائر المتلفات، وحينئذٍ تجعل تلك القيمة في عقار مثله يجعل وقفًا عوضًا عن المهدوم، وتكون القيمة معتبرة باعتبار البناء قائمًا لا مهدومًا
(1)
.
6.
حالة حاجة الوقف إلى التعمير أو الإنفاق وليس له مورد: إذا احتاج الوقف إلى التعمير وليس له مورد لذلك فإن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى جواز بيع جزء من الوقف ليعمّر به بقية الوقف؛ لأنه بدون ذلك يتعطل الوقف كله، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، وأما الوقف العام
(2)
إن كان حيوانًا - مثل الفرس للجهاد - يحتاج إلى نفقة فإن هذه النفقة إن لم يرتبها الواقف فعلى بيت المال، فإن عدم، أو لم يمكن الوصول إليه بيع وعوض ببدله سلاح ونحوه مما لا يحتاج إلى نفقة لأنه أقرب لغرض الواقف، كما يباع عندما يصاب الفرس بداء الكلب
(3)
.
7.
الخوف من الغلية عليه: ذهب جماعة من الفقهاء منهم طائفة من مشايخ الحنفية إلى أنه "إذا خاف المتولي على الوقف من وارث، أو سلطان يغلب عليه قال في النوازل يبيعها ويتصدق بثمنها قال: وكذا كلّ قيّم خاف شيئًا من ذلك"، لكن قال ابن الهمام الحنفي:"فالفتوى على خلافه؛ لأن الوقف بعدما صحّ بشرائطه لا يحتمل البيع، وهذا هو الصحيح"
(4)
، والراجح أن على الناظر البحث عن أي وسيلة تحمي الوقف حتى ولو كانت عن طريق البيع الصوري.
(1)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 92.
(2)
أي إذا كان الوقف لجهة عامة، أما الوقف على معين فتكون نفقته على الموقوف عليه، انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 90.
(3)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 28، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، 4/ 90، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 5/ 356 - 357، والمغني، ابن قدامة، 5/ 632.
(4)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 221، وانظر: الفتاوى الهندية، 2/ 417.
8.
بيع أشجار الوقف حفاظًا على زيادة الثمرة: جاء في الفتاوى الهندية: "أما بيع أشجار الوقف فينظر إن كانت لا تنتقص ثمرة الكرم بظلها لا يجوز بيعها، وإن كانت تنتقص ثمرة الكرم بظلها ينظر إن كانت ثمرة الشجر تزيد على ثمرة الكرم ليس له أن يبيعها ويقطعها، وإن كانت تنتقص عن ثمرة الكرم فله أن يبيعها، وإن كانت أشجارًا غير مثمرة وتنتقص ثمرة الكرم بظلها فله أن يبيعها ويقطعها، وإن كانت أشجار الدلب والحلان ونحوه مما إذا قطع ينبت ثانيًا وثالثًا جاز قطعها وبيعها"
(1)
، وهذا يدل على أن العبرة بما هو الأصلح للوقف.
9.
حالة الاشتراط: وذلك بأن يشترط الواقف عند الوقف أن يكون له أو للقيّم حق الاستبدال بوقف آخر إذا شاء ذلك، وكذلك لو اشترط أن يبيعها ويشتري بثمنها أرضًا أخرى، وهذا مذهب أبي يوسف وهلال والخصاف من الحنفية حيث يصح الوقف والشرط معًا، وذهب محمد إلى أن الوقف صحيح والشرط باطل، قال ابن الهمام الحنفي: "وليس له بعد استبداله مرة أن يستبدل ثانيًا لانتهاء الشرط بمرة إلّا أن يذكر عبارة تفيد له ذلك دائمًا، وكذا ليس للقيّم الاستبدال إلّا أن ينص له بذلك
…
وفي فتاوى قاضيخان: قول هلال، وأبي يوسف هو الصحيح، لأن هذا شرط لا يبطل الوقف، لأن الوقف الانتقال من أرض إلى أرض
…
وإذا كان حاصله إثبات وقف آخر لم يكن شرطًا فاسدًا هو اشتراط عدم حكمه وهو التأبيد بل هو تأبيد معنى"
(2)
، بل إن قاضيخان ذكر الإجماع على ذلك فقال:"وأجمعوا على أن الوقف إذا شرط الاستبدال لنفسه يصح الشرط والوقف ويملك الاستبدال، أما بلا شرط أشار في السير إلى أنه لا يملكه إلّا بإذن القاضي"
(3)
.
(1)
الفتاوي الهندية، 2/ 417.
(2)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 228، وانظر: الفتاوى الهندية، 2/ 399.
(3)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 228.