الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن الحسن
(1)
، وهو قول عند الإمامية
(2)
.
سبب الخلاف:
يرجع سبب اختلاف الفقهاء إلى من له التصرُّف والملك في الشيء الموقوف، فإن قيل: إن الملك في الموقوف للواقف أو للموقوف عليه؛ كان لكلٍّ النظر، وإن قيل: لله تعالى؛ كان النظر للقاضي
(3)
.
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: القائلون بأن ولاية النظر إلى الواقف مدة حياته وإن لم يشترطها، فإن مات الواقف كانت الولاية لوصية بالشرط، فإن مات كانت الولاية للقاضي.
السنة والمعقول:
1 -
السنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالَحٍ يَدْعُو لَهُ"
(4)
.
وجه الدلالة:
دلَّ الحديث من وجه على أن الموقوف يزول عن ملك الواقف، ولا يدخل في ملك الموقوف عليه، لكنه ينتفع بغلته بالتصدق عليه
(5)
.
وعلَّق الكساني وغيره على الحديث؛ فقالوا: الوقف حبس الأصل وتصدُّق بالفرع، والحبس لا يوجب ملك المحبوس كالرهن، والعين وإن زالت بالوقف عن ملك الواقف حقيقة، فهي باقية على ملكه حكمًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ"
(6)
.
(1)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين بن إبراهيم بن نجيم، 5/ 251.
(2)
انظر: مستند القضاء الجعفري، السيد عبد الله فحص، 500.
(3)
انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين، عثمان الدمياطي البكري، 3/ 185، وحاشية البجيرمي، 3/ 214.
(4)
رواه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، حديث رقم 3084.
(5)
انظر: نيل الأوطار، الشوكاني، 6/ 27.
(6)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر الكاساني، 6/ 220 - 221، ولسان الحكام في معرفة الأحكام، ابن الشحنة، 1/ 299.
2 -
المعقول: وهو من أربعة وجوه:
الوجه الأول: أن قَصْد الواقف بذلك الوقف أن يكون صدقة جارية له، وثمرة يستفيد ثوابها حيًّا وميتًّا، فكانت هذه العلاقة التي هي المرة المستفادة من الوقف - مقتضية؛ لأن يكون للواقف ومن يلي من جهته مدخلًا فيما فيه جلب مصلحة للوقف، ودفع مفسدة عنه، ولا ينافي ذلك كون الرقبة قد صارت لله، محبسة للانتفاع بها؛ لأن هذه العلاقة التي للواقف ومن يلي من جهته هي مقدمة على من له ولاية عامة من إمام أو حاكم
(1)
.
الوجه الثاني: أن إغفال الواقف شرط النظارة لا أثر له؛ لأن التولية من الواقف خارجة عن حكم سائر الشرائط؛ لأن له فيها التغيير والتبديل كلما بدا له، من غير شرط في عقدة الوقف، كما أن إغفال الواقف عن شرط النظارة لا أثر له، استصحابًا بما كان عليه من استحقاقها على ملكه، واستشهادًا بولاء عتقه، والأصل بقاء ما كان على ما كان
(2)
.
الوجه الثالث: أن الواقف أقرب الناس لوقفه؛ فهو أولى الناس بولاية وقفه، قياسًا على من اتخذ مسجدًا يكون أولى بعمارته ونَصْب المؤذن فيه، وقياسًا على من أعتق عبدًا كان الولاء له؛ لأنه أقرب الناس إليه
(3)
.
الوجه الرابع: أن الواقف إذا مات فأوصى إلى غيره فوصيُّه بمنزلته؛ لأن الواقف نَصَبه ليكون ناظرًا له، تحصيلًا لمقصوده، وقد يعجز عن ذلك بموته؛ فيكون آذنًا له في الاستعانة بغيره بعد موته، كما أنه إذا مات الواقف ولم يوصِ إلى أحد؛ فالرأي فيه إلى القاضي؛ لأنه نُصِب ناظرًا لكل من عجز بنفسه عن النظر، والواقف ميت، ومصرف الغلَّة عاجز عن التصرُّف في الوقف لنفسه، فالرأي في نصب القيِّم إلى القاضي
(4)
.
(1)
انظر: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي الشوكاني، 3/ 329.
(2)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين بن إبراهيم بن نجيم، 5/ 250، والحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، علي بن محمد الماوردي، 7/ 533، والأشباه والنظائر، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، 1/ 51.
(3)
انظر: الهداية شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر المرغيناني، 3/ 18.
(4)
انظر: المبسوط، محمد بن أحمد السرخسي، 12/ 44.
أدلة أصحاب القول الثاني: القائلون بأن الواقف إذا لم يجعل النظر لأحد؛ فإن ولاية النظر إلى الموقوف عليه إذا كان مكلَّفًا رشيدًا، وإن كان الموقوف عليه صغيرًا أو سفيهًا أو مجنونًا؛ قام وليه في النظر مقامه.
المعقول: من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أنه إذا لم يشرط الواقف ناظرًا على الموقوف؛ فليس للواقف ولاية النصب؛ لانتفاء ملكه، فلا يملك النصب ولا العزل، ويكون نظره للموقوف عليه إن كان معيَّنًا محصورًا، فينظر كلٌّ منهم على حصته؛ لأنه ملكه، ونفعه له كالملك المطلق المشترك
(1)
.
الوجه الثاني: أنه لما كان الموقوف عليه هو المستحق لمنافع الوقف، فجلب مصالحه ودفع مفاسده هو أخط الناس به، فالعلاقة للموقوف عليه مقدَّمة على العلاقة التي للواقف، فإن الثواب الصائر إلى الواقف هو أثر من آثار هذه الفوائد الصائرة إلى الموقوف عليه
(2)
.
الوجه الثالث: أن الموقوف عليه إذا كان معيَّنًا قُدِّم على ولاية الإمام والحاكم؛ لأن ولاية الموقوف عليه أخصُّ من ولاية الحاكم، والولاية الخاصة مقدَّمة على الولاية العامة
(3)
.
أدلة أصحاب القول الثالث: القائلون بأن الواقف إذا لم يجعل النظر لأحد فهو القاضي البلد الموقوف عليه.
المعقول: من وجوه ثلاثة:
(1)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 324/ 4، والمغني، ابن قدامة عبد الله بن أحمد المقدسي، 5/ 377.
(2)
انظر: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي الشوكاني، 3/ 329.
(3)
انظر: البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن يحيى المرتضي، 5/ 201.
الوجه الأول: أن الموقوف مال الله، فكان النظر فيه إلى حاكم المسلمين إذا لم يشرط لأحد؛ لأن الحاكم ينوب فيه ويصرفه إلى مصارفه، وهو أَوْلى وأحقُّ بالنظر من غيره؛ لأنه صاحب النظر العامِّ
(1)
.
الوجه الثاني: أنه إن لم يعيِّن للوقف ناظرًا لم يكن للواقف ولاية عليه، كما أن تسليم الوقف إلى قيِّم شرط لصحة الوقف، فإذا سُلِّم لم يبق له ولاية، والحاكم هو الذي يتولَّى الحقوق العامة
(2)
.
الوجه الثالث: أن الولاية تكون للحاكم، والسبب في ذلك خروج الأمر من يده، ولا تكون للموقوف عليهم؛ لتعلُّق حقِّ البطون اللاحقة، كتعلُّق البطن الحاضر فيه، وإيكال الأمر للموقوف عليهم دون متولٍّ مدعاة للفوضى والفساد عادة، كما أن التولية من الأمور الحسبية، التي يرجع أمرها إلى الحاكم؛ فكانت الولاية له
(3)
.
(1)
انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين، عثمان الدمياطي البكري، 3/ 185، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 2/ 393، والمغني، ابن قدامة عبد الله بن أحمد المقدسي،5/ 377.
(2)
انظر: الهداية شرح بداية المبتدي، المرغيناني، 3/ 18.
(3)
انظر: مستند القضاء الجعفري، السيد عبد الله فحص، 501.