الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول ولاية النظارة على الوقف
مقدمة:
المتتبع لآراء الفقهاء وحديثهم عن النظارة على الوقف، واختلافهم فيمن يتولاها، وتفريعاتهم على ذلك؛ يجد أن المسألة برمَّتها وكمالها راجعة إلى الواقف ورأيه فيمن يتولاها، والقسمة النظرية - والحالة هذه - لا تخلو من أحد أقسام ثلاثة؛ إمَّا أن يشترط الواقف كون النظارة له، أو أن يشترط الواقف كون النظارة لغيره من الناس، أو يُغفل الواقف النظارة؛ فلا يشترطها لنفسه ولا يشترطها لغيره.
أ) تعيين الناظر:
إذا شرط الواقف ناظرًا يقوم بتدبير شؤون الوقف ورعايته والسهر عليه وتنميته؛ لزم، وكان أمينًا على ما في يده من مال الوقف، ويأخذ حكم الوكيل في حياته، وحكم الوصي بعد مماته.
وكون الناظر وكيلًا ليس محلَّ خلاف بين الفقهاء، بل الخلاف فيمن هو وكيل عنه؟ هل هو القاضي أو الواقف كما هو مذهب أَبِي يوسف؟ أو أنه المستحقون كما هو رأي مُحَمَّد بن الحسن
(1)
؟
وإذا لم يشترط الواقف النظر لأحد؛ فقد اختلف الفقهاء فيمن له حقُّ التولية، وكان اختلافهم على ثلاثة أقوال:
(1)
انظر: الأشباه والنظائر، السيوطي، 2/ 238، مطبوع مع غمز العيون، الحموي، ولعلَّ هذا الخلاف مبنيٌّ على الخلاف في ملكية الوقف، وأنها لله تعالى، أو تبقى على ملك صاحبها ويكون نفعها للمستحقين، أو هي للمستحقين أنفسهم. راجع هذا الخلاف في: جواهر الكلام، النجفي، 41/ 169 و 170، وراجع حول مسؤولية الناظر تجاه الوقف وإلزامه بجبر أي ضرر يسببه في أصله ومنفعته في القانون المدني: الوقف - دراسات وأبحاث، سليم حريز، منشورات الجامعة اللبنانية، 1994 م، 149، وحول أن يده يد أمانة: محاضرات في الوقف، أَبُو زهرة، 397، وحول مسؤولية الناظر تجاه الغير لو أهمل: القانون المدني الكويتي، المادة 238، ومثاله: كما لو أهمل الناظر في إبلاغ خلفه بأن دائن الوقف قد أحال حقَّه لمصلحة شخص آخر، وأوفى الناظر الثاني الدين للدائن الأصلي، فإنه يكون مسؤولًا شخصيًّا عن الإعلان بالحوالة.
القول الأول: ذهب فقهاء الحنفية، والشافعية في المذهب، إلى أن الواقف إذا لم يشترط النظر لأحد؛ فالرأي في تعيين الناظر للقاضي، وجعل الحنفية الأولوية لمن يصلح من أهل الواقف لذلك قبل الأجانب
(1)
.
القول الثاني: ذهب فقهاء المالكية، والحنابلة إلى التفصيل؛ فقالوا: إذا لم يشترط الواقف النظر، فإمَّا أن يكون الموقوف عليه معيَّنًا أو لا، فإن كان معينًا؛ فالنظر فيه للموقوف عليه عند المالكية والحنابلة في وجه هو المذهب، وإن كان غير معيَّن؛ فالنظر فيه إلى القاضي، يولِّي عليه من شاء
(2)
.
القول الثالث: ذهب الشافعية في الوجه الثاني إلى أن الواقف إذا لم يعيِّن ناظرًا ففيه ثلاثة أوجه؛ قيل: للواقف، وقيل: للموقوف عليه، وقيل: للقاضي
(3)
.
وقد وضع قانون الوقف في مصر - مثلًا - قيودا على تولية المحكمة للناظر تقتضيها المصلحة؛ وهي على النحو الآتي:
1 -
إذا كان الوقف خيريًّا كالمسجد والمشفى؛ فعلى المحكمة أن تولي الناظر من شرط له الواقف ذلك، فإن لم يوجد من يستحق النظر بشرط الواقف؛ فعلى المحكمة أن تولي من يصلح له من الذرية والأقارب، فإن لم يوجد منهم من يصلح لذلك؛
(1)
انظر: البحر الرائق، ابن نجيم، 5/ 251، والمبسوط، السرخسي، 12/ 44، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج وبهامشه حاشية الشبراملِّسي، أَبُو العباس شمس الدِّين مُحَمَّد بن أحمد بن حمزة شهاب الدِّين الرملي، دار الكتب العلمية، 1414 هـ/ 1993 م، 5/ 398 - 399، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدِّين مُحَمَّد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، دار الفكر، بيروت، د. ت، ودار الكتب العلمية، ط 1، 1415 هـ/ 1994 م، 3/ 552، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، زين الدِّين أَبُو يَحْيَى زكريا بن مُحَمَّد بن زكريا الأنصاري السنيكي، تحقيق: د. مُحَمَّد مُحَمَّد تامر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422 هـ/ 2000 م، 2/ 471.
(2)
انظر: الشرح الكبير على مختصر خليل، أَبُو البركات أحمد بن مُحَمَّد بن أحمد العدوي المعروف بـ"الدردير"، دار الفكر، دمشق، د. ت، 4/ 88، والإنصاف، المرداوي، 7/ 69، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أَبُو مُحَمَّد موفق الدِّين عبد الله بن أحمد بن مُحَمَّد بن قدامة الحنبلي، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1405 هـ، 6/ 39، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 268.
(3)
انظر: كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين (شرح المنهاج)، جلال الدِّين مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد المحلى، دار الفكر، دمشق، 1415 هـ/ 1995 م، 3/ 110.
فعلى المحكمة أن تولي ذلك وزارة الأوقاف، وعلَّل ذلك بأن الوقف الخيري بمثابة الأموال المخصصة للنفع العام؛ لأنه جعل ريعه كهبة برٍّ عامٍّ
(1)
.
2 -
أما في الوقف الأهلي، فإن كانت أعيانه مقسومة، بحيث كان لكل مستحق نصيب مفرز؛ وجب على المحكمة إقامة كل مستحق ناظرًا على حصته، متى كان أهلًا للنظر، وافق ذلك شرط الواقف أو لا، وهو مذهب الحنابلة
(2)
، فإن لم يكن أهلًا للنظر قام وليه مقامه، وهو ما أخذ به قانون الوقف
(3)
.
وأما إذا لم تكن الأعيان مقسومة، بأنْ لم يكن لكل مستحق حصة مفرزة؛ فعلى المحكمة أن تولى ناظرًا واحدًا فقط؛ لأن تعدُّد النظَّار منشأ لضعف استغلال الأعيان الموقوفة، وهو يؤدي إلى الإضرار بمصالح المستحقين، أو أن تجعل كلَّ ناظر مختصًّا بقسم من أعيان الوقف يستقل بإدارته ويكون مسؤولًا عنه.
وعلى المحكمة أن تولي ناظرًا من بين المستحقين عندما تكون الأعيان غير مفرزة، ما دام يوجد فيهم أهلٌ للنظر، وإذا قضت الضرورة بتولية أجنبي - لفقدان الأهلية في المستحقين - كانت توليته مؤقَّتة، ثمّ إذا وُجد عندها من المستحقين من تتوفَّر فيه شروط الأهلية؛ قررت المحكمة إنهاء ولاية الأجنبي.
وعلى المحكمة أن تأخذ برأي المستحقين في أمر تولية الناظر؛ سواء كان من المستحقين أم كان أجنبيًّا.
وما عليه العمل الآن في القانون المدني أن يتَّبع شرط الواقف كلما وُجد من المستحقين من هو أهل؛ سواء كان الوقف خيريًّا أم أهليًّا، ولا تنتهي ولاية الناظر الأجنبي عند وجود من هو أهل من المستحقين، إلَّا إذا لم يكن مولى بشرط الواقف
(4)
.
(1)
انظر: المادة 47، من قانون الوقف المصري.
(2)
انظر: كشاف القناع، البهوتي، 4/ 268.
(3)
انظر: المادة 46، من قانون الوقف المصري.
(4)
انظر: المادة 49، من قانون الوقف المصري.