الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي القنية: اجتمع من مال المسجد شيء؛ فقيل: ليس للقيم أن يشتري به دارًا للوقف؛ ولو فعل ووقف يكون وقفه، ويضمن "
(1)
.
ثانيًا: الزيادة الرأسمالية للأصول الموقوفة (زيادة القيمة):
نبَّه فقهاء المدارس الفقهية الإسلامية إلى أهمية عناية الناظر بتنمية قيمة الأصول الرأسمالية للأصول الموقوفة؛ تحقيقًا للمقاصد الشرعية من الوقف، والتي لا تتمُّ إلا من خلال أمور؛ أهمها:
- تحديد مكانها؛ لاختلاف قيمة الأماكن بقيمة تواجدها، فالعقار الموجود في المدينة يختلف عن المتواجد بالريف.
- تحديد طبيعة النشاط الممارس في الوقف أو المرغوب أن يُمارس فيه مستقبلًا.
- تحديد مدى توفر الطلب على النشاط الممارس في الوقف أو الذي سوف يُمارس فيه.
- البحث عن إمكانية إعادة تأهيلها لاستثمارها وفق مقصد الواقف وشرطه.
- تصنيفها بالنظر إلى كونها عقارات وقفية أثرية أو زراعية .. بغية حسن استغلالها، وما يناسبها من استثمار.
- إعادة تقويم العقارات الوقفية المؤجَّرة بالنظر إلى مكان تواجدها، والبحث في مدى إمكانية تغيير نشاطها.
وفي مجال زيادة القيمة الرأسمالية للأصول الموقوفة عند الفقهاء نقف على اتجاهين:
الاتجاه الأول: يذهب إلى جواز التصرُّف في الأصول الموقوفة لزيادة قيمتها الرأسمالية؛ مراعاة للمصلحة أو عملًا بشرط الواقف:
(1)
مجمع الضمانات في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، أبو محمد بن غانم بن محمد البغدادي، 329.
تختلف أشكال زيادة القيمة الرأسمالية باختلاف طبيعة الأصل الموقوف أو شكله، إذ إنها غالبًا ما تؤدي إلى تغيير صورته كليًّا أو جزئيًّا؛ بإضافة ما يعود بالفائدة على الوقف، ويزيد من قيمته الرأسمالية، وفي كلتا الحالتين فإنه يتصرَّف في شرط الواقف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة:
القول الأول: جواز زيادة القيمة الرأسمالية للوقف بتغيير صورة الانتفاع منه مطلقًا:
أجاز الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية والإباضية (في ظاهر الرواية الأولى عنهم) زيادة القيمة الرأسمالية للوقف بتغيير صورة الانتفاع من الأصل الموقوف أو شكله، من صورة الأخرى أو من شكل لآخر؛ كتغيير الاستفادة من العقار الموقوف من كونه سكنًا مؤجرًا إلى مستشفى مثلًا، أو إلى فندق .. إلخ.
فجاء عن الحنفية ما يتضمَّن الزيادة الرأسمالية للأصول الموقوفة بالدعوة إلى إعادة تأهيل الأرض الموقوفة؛ كما في قولهم: "فإن كانت قطعة من هذه الأرض سبخة لا تُنبت شيئًا، فيحتاج إلى كشح وجهها وإصلاحها حتى تنبت؛ كان للقيِّم أن يبدأ من غلَّة جملة الأرض بمؤنة إصلاح تلك القطعة؛ لأنها إذا صلحت كبرت الغلَّة، فكان أنفع للفقراء"
(1)
.
فيعدُّ القول بتوجيه جزء من ريع الوقف - في النص السابق - لإعادة تأهيل هذه الأرض السبخة المعطَّلة عن دورة الإنتاج والاستثمار .. تكثيرًا للأصول الموقوفة، وكذا زيادة لرأسمالها؛ بما يرجع بالفائدة على الوقف والموقوف عليهم والمجتمع.
ويعضِّد قول الحنفية بجواز تغيير صورة الوقف بزيادة القيمة الرأسمالية لأصوله؛ ما جاء في مجمع الضمانات من قوله: "لو كانت أرض الوقف متصلة ببيوت المصر، يرغب الناس في استئجار بيوتها، وتكون غلَّة ذلك فوق غلَّة الزرع والنخل؛ كان للقيِّم أن يبني فيها بيوتًا ويؤاجرها؛ إذ الاستغلال بهذا الوجه أنفع للفقراء"
(2)
.
(1)
المحيط البرهاني، ابن مازة، 6/ 136.
(2)
مجمع الضمانات، أبو محمد البغدادي، 1/ 331.
وجاء عن المالكية ما يدلُّ على مشروعية تغيير صورة الوقف إلى صورة أخرى ترفع من قيمة رأسماله؛ في حالة قيام مصلحة أو الحاجة لذلك؛ كتعمير أرض الوقف بعقد الحكر، وضبطوه بقولهم:"إلا أن يتعطَّل الوقف بالمرَّة، ولم يكن هناك ريع له يُقيمه، ولم يمكن إجارته بما يقيمه؛ فأذن الناظر لمن يبني فيه أو يغرس في مقابلة شيء يدفعه لجهة الوقف، أو لا، يقصد إحياء الوقف، على أن ما بناه أو غرسه يكون له ملكًا، ويدفع عليه حكرًا معلومًا في نظير الأرض الموقوفة لمن يستحقه من مسجد أو آدمي، فلعل هذا يجوز إن شاء الله تعالى، ويسمَّى البناء والغرس حينئذ خلوًا؛ يُملك ويُباع ويُورث"
(1)
.
فالقول بجواز عقد الحكر بالغرس أو البناء في أرض الوقف فيه تغيير لصورة الوقف من جهة، وتحقيق زيادة في القيمة الرأسمالية للأصل الموقوف المعطل من خلال تهيئته للاستثمار مستقبلًا بعد انقضاء العقد بما يحفظ العين الموقوفة ويسهم في تنميتها، فالبناء أو الغراس تغيير الصورة الوقف بالانتقال من مصلحة إلى أخرى ترجع بالفائدة على الوقف ومقاصده.
ومثاله أيضًا ما جاء من تجويزهم تحويل مراحيض مستغني عنها بحوانيت
(2)
ترجع بالفائدة على الوقف والموقوف عليهم وتزيد من قيمة رأسماله.
وجاء عن الشافعية ما يفيد مشروعية التصرُّف بالتغيير في الوقف في مسألة مفادها "أن شخصًا أراد عمارة مسجد خرب بآلة جديدة غير آلته، ورأى المصلحة في جعل بابه في محل آخر غير المحل الأول لكونه بجوار من يمنع الانتفاع به على وجه المعتاد، وهو أنه يجوز له ذلك لأن فيه مصلحة للجامع والمسلمين"
(3)
؛ فالشاهد
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك، الصاوي، تحقيق: ضبطه وصححه محمد عبد السلام شاهين، بيروت، طـ 1415 هـ / 1995 م، 3/ 395.
(2)
انظر: المعيار المعرب، الونشريسي، تحقيق: محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1410 هـ / 1981 م، 7/ 15.
(3)
تحفة الحبيب على شرح الخطيب (حاشية البجيرمي على الخطيب)، سليمان بن محمد بن عمر البُجَيرميُّ المصري الشافعي، دار الفكر، 1415 هـ / 1995 م، 3/ 257.
هنا أنه "رأى المصلحة في جعل بابه في محلٍّ آخر غير المحلِّ الأول لكونه بجوار من يمنع الانتفاع به على وجه المعتاد"، والتي يُستفاد منها مشروعية التصرُّف في الوقف بما يزيد منافعه ويحقق أغراضه والتي منها زيادة رأسمال أصوله.
ولقد قيَّد الإمام السبكي التغيير في صورة الوقف بقوله: "والذي أراه أنه: يجوز تغييره في غير ذلك أيضًا بثلاثة شروط:
- أن يكون يسيرًا لا يغير مسمى الوقف.
- وأن لا يزيل شيئا من عينه؛ بل ينقل نقضه من جانب إلى جانب.
- وأن تكون فيه مصلحة للوقف"
(1)
.
وجاء عن ابن تيمية من الحنابلة قوله: "وجوز جمهور العلماء تغيير صورة الوقف للمصلحة، كجعل الدور حوانيت"
(2)
.
فتغيير صورة الوقف من مساكن إلى حوانيت أو إلى مجمعات تجارية يزيد من القيمة الرأسمالية للوقف وريعه.
وجاء عن الزيدية ما يفيد بظاهره جواز التصرُّف في الأصل الموقوف بالتغيير زيادة في ريعه، بإطلاق التصرُّف للناظر بالبيع والشراء المصلحة الوقف؛ بل أعتبره الشوكاني من باب الواجب، إذ قال:"بل عليه ذلك، ولا يجوز له الإخلال به"
(3)
.
فإن كان مراعاة المصلحة الشرعية محقق بالبيع والشراء لحساب الوقف؛ فتغيير صورته من حال لآخر لزيادة قيمته الرأسمالية يكون بظاهر هذا القول من باب أولى.
(1)
أسنى المطالب في شرح روض الطالب، الأنصاري، 2/ 476.
(2)
الفتاوى الكبرى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الحنبلي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1408 هـ/ 1987 م، 5/ 433.
(3)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 333.
ويتأكد هذا القول: تجويزهم نقل الوقف من مصلحة إلى ما هو أصلح منها، إذ جاء عن الشوكاني من جواز نقل الوقف:"إلى ما هو أصلح منه باعتبار الغرض المقصود من الوقف والفائدة المطلوبة من شرعيته، حسن سائغ شرعًا وعقلًا"
(1)
.
وجاء في هذا المضمون عن الإمامية: "إذا أمكن تبديل الوقف من حال الذي وقف عليه إلى حال آخر، كتبديل البستان شقة سكنية وتبديل الدار إلى محلات تجارية وتبديل المدرسة بمستشفى
…
فيجوز - في الصورة الأولى - مع كونه أنفع للموقوف عليهم أو أصلح للوقف؛ بل قد يجب، ولا سيما مع تعذر الانتفاع به على الوجه الأول الذي وقف عليه لفقده للوازم ذلك، كالبستان ينقطع عنه الماء، والدار في محلة يعرض الناس عن السكنى فيها"
(2)
.
وجاء عن الإباضية، ما يفيد مشروعية التصرُّف بالزيادة في الأصل الموقوف بالتصرف بتغيير المنفعة ما جاء في كتاب الفتاوى للشيخ الخليلي من سؤال بعض الناس: "هناك قطعة أرض للوقف، مقام على جزء منها دكان، وهناك جزء خالي من ذلك؟ يريد أحد الأشخاص بناء منزل مكان الدكان، وقد رأينا أن البنيان أفضل وأغلى وأجدى من الأرض - إذ العائد من البنيان أكبر من العائد من الأرض - فما رأي سماحتكم في ذلك؟
الجواب: لا بدَّ في ذلك من مراعاة مصلحة الموقوف له، فإن تعينت المصلحة فلا حرج في ذلك"
(3)
.
القول الثاني: جواز زيادة القيمة الرأسمالية للوقف بتغيير صورة الانتفاع منه إن اشترطه الواقف:
(1)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 336.
(2)
منهاج الصالحين، السيد محمد سعيد الحكيم، دار الصفوة، بيروت، ط 1، 1415 هـ / 1994 م، 2/ 28.
(3)
الفتاوى، أحمد الخليلي بن حمد الخليلي، الأجيال للتسويق، مسقط، ط 1، 1424 هـ/ 2004 م، 4/ 213.
أجاز الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة، والزيدية، والإمامية، والإباضية - في ظاهر الرواية الثانية عنهم - زيادة القيمة الرأسمالية للوقف بتغيير صورة أو شكل الانتفاع من الأصل الموقوف من صورة الأخرى إن اشترطه الواقف في وقفيته.
فجاء عن أبي يوسف من الحنفية: "ولو شرط الواقف أن يستبدل به أرضًا أخرى إذا شاء ذلك، فهو جائز"
(1)
.
والاستبدال نوع من أنواع تغيير صورة الانتفاع التي يلجأ إليها لزيادة أصول الوقف المالية.
وجاء عن ابن حاجب من المالكية قوله: "مهما شرط الواقف ما يجوز له؛ اتبعه"
(2)
، فيفهم من كلامه جواز كل أنواع التصرفات المشروعة والتي منها تغيير صورة الانتفاع من الوقف بتغييره من هيئة الأخرى زيادة رأسماله.
وجاء عن الشافعية: "إن شرط الواقف العمل بالمصلحة، فيجوز التغيير بحسبها عملًا بشرطه"
(3)
.
وجاء عن ابن قدامة من الحنابلة: "ويرجع في الوقف، ومصرفه، وشروطه، وترتيبه، وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها، وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه إلى شرط الواقف"
(4)
.
فيفهم من كلامه جوز التصرُّف فيه بتغيير منفعته زيادة لرأسماله.
وجاء عن الزيدية: "وإذا عين الواقف موضعا للصرف
…
أو عين موضع الانتفاع
…
تعين الصرف والانتفاع في ذلك الموضع"
(5)
.
(1)
الهداية في شرح بداية المبتدي، المرغيناني، تحقيق: طلال يوسف، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 3/ 20.
(2)
التاج والإكليل لمختصر خليل، المواق، بيروت، ط 1، 1416 هـ/1994 م، 7/ 649.
(3)
أسنى المطالب في شرح روض الطالب، الأنصاري، 2/ 476.
(4)
رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، السيد علي الطبطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، إيران، ط 1، 1412 هـ، 9/ 345.
(5)
شرح الأزهار، ابن مفتاح، 3/ 466.
وجاء عن الإمامية: "لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه
…
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها"
(1)
، فيؤخذ من مفهوم المخالفة أنه إن اشترط شروطًا معتبرة شرعًا تحقق مصالح الوقف؛ جاز، والتي منها تغيير صورة الانتفاع به زيادة لرأسماله.
وجاء عن الإباضية في ظاهر الرواية ما يفيد مشروعية تغيير الوقف من صورة من صور الانتفاع إلى أخرى زيادة في رأسماله كقول بعضهم: "كل شرط جاء في الوقف، فهو ثابت، إلا إن كان شرطًا باطلًا؛ فمنبوذ"
(2)
.
القول الثالث: جواز المراجعة الدورية لإجارة الأصول الموقوفة لزيادة رأسمالها:
يعد عقد الإجارة من العقود المؤثرة على تنمية رأسمالية أصول الوقف والتي جاءت فتاوى المدارس الفقهية بالقول بمشروعية التعامل بها كصيغة تمويلية للوقف ومؤسساته، وإن هذه الزيادة للقيمة تقوم على المراجعة الدورية لأجرة الأصل الموقوف، والتي يجب أن تمر عبر إعادة تأهيلها وتصنيفها بالنظر إلى:
- مكان تواجدها (منطقة ريفية/ حضارية).
- من جهة طبيعتها (أراض بور/ أرض زراعية).
- من جهة قيمتها التاريخية (عقارات أثرية/ عقارات غير أثرية).
ويمكن ملاحظة أن المدارس الفقهية تناولت هذه المسألة المرتبطة بالزيادة الرأسمالية للأصول الموقوفة بطريقة غير مباشرة لم تسمها بمصطلح زيادة القيمة، وإنما بحثتها ضمن مسائل الوقف الفرعية المرتبطة بمسألة المحافظة على شرط الواقف في تحديد أجرة العقار الموقوف وكذا حدود سلطة الناظر في تحديدها إن لم ينص عليها الواقف صراحة وغيرها من المسائل الحقوقية والمالية المماثلة لها والتي تخدم بطريقة مباشرة
(1)
عمدة الفقه، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي، تحقيق: أحمد محمد عزوز، المكتبة العصرية، القاهرة، 1425 هـ / 2004 م، ط 1425 هـ / 2004 م، 69.
(2)
نتائج الأقوال، سعيد بن حمد بن سليمان الحارثي، تحقيق: سالم بن سعيد بن محمد العيسري، مكتبة الجيل الواعد، سلطنة عمان، ط 1، 1431 هـ/ 2010 م، 2/ 88.
أو غير مباشرة، مسألة الزيادة الرأسمالية للأصول الموقوفة العقارية، ولقد بحثت المدارس الفقهية هذه المسألة؛ فجاءت اجتهاداتهم كالآتي:
(أ) من جهة تحديد مدة الإجارة: جاء عن فقهاء الحنفية والمالكية والإمامية في ظاهر الرواية عنهم ما يفيد مراعاة ناظر الوقف للمصلحة الشرعية لتنمية الوقف وأصوله، وزيادة رأسماله بترك تقدير مدة عقد الإجارة للأصول الموقوفة بما يخدم الوقف ومقاصده بحسب ظروف المكان والزمان.
فجاء - في الرواية الثالثة - عن الحنفية قولهم: "فالمتقدمون من أصحابنا قالوا: يجوز إجارته أي مدة كانت"
(1)
.
وتوسَّع بعض متأخري المالكية في حالة الحاجة أن تصل إلى تسع وتسعين سنة، ومثاله ما جاء في فتح العلي: "ما قولكم: في أرض نحو ألف ذراع محبسة على الجامع الكبير بمدينة إسنا بأقصى صعيد مصر، طرح الناس أتربة وأقذارا فيها حتى صارت لا ينتفع به في الحال، فأجرها نائب القاضي تسعة وتسعين سنة لمن ينقل ما فيها من الأتربة والأقذار ويبنيها خانا، كل سنة بأربعة أرطال زيت لا غير، وأزال المكتري ما فيها، وأصلحها، فحصلت الرغبة فيها بزائد عن تلك الأجرة فهل تفسخ تلك الإجارة ويصير الأنفع للوقف؟ أفيدوا الجواب، فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، نعم تفسخ إن وجد حين عقد الإجارة من يستأجرها بأجرة زائدة عما ذكر؛ أما إن لم يوجد حين العقد من يستأجرها بزائد عما ذكر، فإنها لا تفسخ، ولا تعتبر الرغبة في إجارتها بزائد عما استؤجرت به الحادثة بعد عقد الإجارة ونقل ما فيها.
وقد أفتى جماعة من محققي المتأخرين بجواز إجارة الوقف المدة الطويلة لمن يعمره ويختص بزائد غلته إذا لم يكن للوقف ريع يعمر به ووقعت الإجارة بأجرة المثل في وقتها"
(2)
.
(1)
المحيط البرهاني، ابن مازه، 5/ 746.
(2)
فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، عليش، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1378 هـ/ 1958 م، 2/ 239.
وظاهر مذهب الإمامية القول: بعدم تحديد مدة زمنية لإجارة الوقف؛ وإنما يكون الأمر إلى الناظر وتقديره للمصلحة الشرعية بحسب ظروف المكان والزمان، إذ جاء عنهم:"وحكم الوقف في أنه يجوز أن يؤجر مهما شرط المؤجر، حكم طلق، ما لم يخالف تقدير الواقف"
(1)
.
(ب) من جهة تحديد قيمة الإجارة: جاء عن فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية والإباضية إلزام ناظر الوقف بوجوب مراعاة المثل عند إجارته المرافق الوقفية، بل نجدهم يغرمونه فارق الإجارة عند التقصير، كما منعوا استغلالها من غير أجرة، وذلك لما فيه من حفظ الوقف ومقاصده وتنمية لأصول الرأسمالية.
فجاء عن الحنفية: "وليس للقيم أن يسكن فيها أحدًا بغير أجر؛ لأنه إتلاف منافع الوقف بغير عوض"
(2)
.
وجاء عنهم أيضًا: "وإجارة الوقف ومال اليتيم، لا يجوز إلا بأجر المثل؛ فلو أجر بدون أجرة المثل؛ يلزم المستأجر تمام الأجرة، وعليه الفتوى"
(3)
.
وجاء عن المالكية: "الحبس إذا صدرت إجارته بأجرة المثل ثم جاء شخص يزيد فيه، فإن الإجارة لا تنفسخ لتلك الزيادة، فإن صدرت إجارته بدون أجرة المثل؛ فإن الزيادة تقبل ممن أرادها كان حاضر الإجارة الأولى أو كان غائبًا.
ويعتبر كون الكراء كراء المثل وقت عقد الإجارة، فإن كان أقل من كراء المثل وقت العقد قبلت الزيادة"
(4)
.
(1)
تذكرة الفقهاء، الحلي، 2/ 316.
(2)
الاختيار لتعليل المختار، الموصلي، تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن، بيروت ط 3، 1426 هـ/ 2005 م، 3/ 53.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 8/ 4.
(4)
الخرشي على مختصر سيدي خليل، دار الفكر للطباعة، بيروت، 7/ 98.
وجاء عن الشافعية: "وإذا أجر الناظر العين الموقوفة على غيره مدة بأجرة مثله؛ فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد في الأصح؛ لأن العقد قد جرى بالغبطة في وقتها"
(1)
.
وجاء عن الحنابلة: "إذا أجره بدون أجرة المثل صح، وضمن النقص كبيع الوكيل بأنقص من ثمن المثل"
(2)
.
وجاء عن الزيدية ما يفيد عدم مشروعية إجارته أو بيعه بغير ثمن المثل: "ولا يبيع بثمن المثل مع وقوع الطلب بالزيادة"
(3)
.
وجاء عن الإمامية: "ولو أجر الناظر في المدة، فزادت الأجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة لم يفسخ العقد؛ لأنه جرى بالغبطة في وقته"
(4)
.
وجاء عن الإباضية ما يفيد مشروعية اشتراط أجرة المثل إلا في الحالات الخاصة كنقص الطلب عليها، كما جاء في سؤال بعضهم:"توجد أموال وقف في بلدتنا، وليس لها شخص محدد يرعاها، وفي الآونة الأخيرة اتفق الأهالي على إعطائها بالعقد إلى بعض أشخاص يقومون بإصلاحها ورعايتها ودفع الأجرة، فهل يجوز لهم ذلك؟ علمًا بأن هذه الأموال تتكون من نخيل وعوابي زراعية؟ الجواب: أما الأراضي فلا مانع من تأجيرها، وأما النخيل، فلا يجوز بيع غلتها إلا بعد دراكها، والله أعلم"
(5)
.
إن مجموع هذه الأقوال تفيد بطريقة مباشرة زيادة القيمة المالية للوقف بزيادة مداخيله مما يساعد ناظر الوقف على عمارته وتنفيذ شروط الواقف بما يعود بالمصلحة على الموقوف عليهم والوقف والمجتمع.
(1)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني، دار الفكر، بيروت، 2/ 395.
(2)
الإنصاف، المرداوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 1419 هـ، 7/ 57.
(3)
السيل الجرار، الشوكاني، 3/ 333.
(4)
اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول، تحقيق: السيد محمد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينية، ط 2، 1398 هـ، 3/ 178.
(5)
الفتاوى، أحمد الخليلي بن حمد الخليلي، 4/ 213.