الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
المعقول: قالوا: إن غير العاقل لا ينظر في ملكه الطلق لنقص الأهلية، ففي الوقف أولى، كما أنه إذا لم يشترط الواقف النظر لغيره: قام وليه في النظر مقامه
(1)
.
مسألة: الجنون
(2)
الطارئ بعد ولاية النظارة:
الجنون يمنع من تولية النظارة ابتداءً، ويمنعها دوامًا وبقاءً، فلو كان ناظرًا ثم جُنَّ فإنه يُعزل عن النظارة؛ لأنه بالجنون تسلب الولايات الثابتة بالشرع؛ حيث إنه إذا لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى
(3)
، ولكن ما المدة التي لا بدَّ من أن يكون الناظر قد جُنَّ فيها حتى يُعزل؟
اختلف الفقهاء في مدَّة الجنون التي تؤدي إلى عزل الناظر عن ولايته إلى قولين:
القول الأول: إذا ثبت أن الناظر قد جُنَّ؛ فإنه يعزل عن ولاية النظارة، من غير تحديد مدة جنونه، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية
(4)
، والشافعية
(5)
،
(1)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 270، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 4/ 328.
(2)
الجنون: اختلال العقل، بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل إلا نادرًا، وهو عند أبي يوسف إن كان حاصلًا في أكثر السنة فمطبق، وما دونها فغير مطبق. انظر: التعريفات، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1405 هـ، 107.
(3)
انظر: لسان الحكام في معرفة الأحكام، ابن الشحنة، 1/ 301، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 380، وشرح فتح القدير، محمد بن عبد الواحد السيواسي المشهور بـ"ابن الهمام"، 6/ 242، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن عبد الرحمن الحطاب، 6/ 37، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد الدسوقي، 4/ 88، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 2/ 381، والمجموع، 15/ 363، وكشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 270، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 4/ 328.
(4)
انظر: مواهب الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن عبد الرحمن الحطاب، 6/ 37.
(5)
انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 4/ 381، والمجموع 15/ 363.
والحنابلة
(1)
، ودليلهم المعقول؛ فقالوا: إذا طرأ الجنون على الناظر فإن ولايته تبطل مطلقًا، وذلك لانعدام الأهلية
(2)
.
القول الثاني: إن الناظر ينعزل بالجنون المطبق إذا دام سنة، لا إن دام أقل من ذلك، وإلى هذا ذهب الحنفية
(3)
، واستدلوا بالمعقول: فقالوا: إن الجنون المطبق يقدر بحول كامل، احتياطًا، وقُدِّر بالسنة؛ لأنه لا تسقط العبادات إلا باستغراق الجنون سنة كاملة، فإن من العبادات ما يكون التقرير فيها بحول كالزكاة، فيُجعل أكثر الحول كجميعه في حكم الزكاة ويعدُّ كمال السنة؛ لأنه إذا لم يوافقه فصل من فصول السنة يفيق فيه؛ عرفنا أن هذه آفة في أصل العقل، بخلاف ما إذا كان في بعض السنة
(4)
.
ولكن لو عاد إليه عقله وبرئ من علته: هل يعود ناظرًا؟
لا يخلو الناظر الذي عادت إليه أهليته وبرأ من علته من حالتين، وذلك عند فقهاء الحنفية
(5)
، والشافعية
(6)
، والحنابلة
(7)
:
(1)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 270، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 4/ 328.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد الدسوقي، 4/ 88، ومغني المحتاج، الشربيني الشافعي، 4/ 393، وكشاف القناع، الماوردي، 2/ 4.
(3)
انظر: لسان الحكام في معرفة الأحكام، ابن الشحنة، 1/ 301، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 380.
(4)
انظر: المبسوط، السرخسي، 19/ 13.
(5)
انظر: شرح فتح القدير، محمد بن عبد الواحد السيواسي المشهور به "ابن الهمام"، 6/ 242، ولسان الحكام في معرفة الأحكام، ابن الشحنة، 1/ 301، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 380.
(6)
انظر: المجموع، 15/ 363، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 4/ 381، وحواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، عبد الحميد الشرواني، 5/ 162.
(7)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 270، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 4/ 328.
إما أن تكون نظارته بشرط الواقف، أو أن تكون نظارته بشرط القاضي أو الموقوف عليهم:
الحالة الأولى: أن تكون نظارته بشرط الواقف، فإن الناظر والحالة هذه إذا عاد إليه عقله وبرأ من علته؛ عادت إليه ولاية النظر بنفس الإفاقة، من غير تولية جديدة؛ وذلك لقوته بالشرط؛ إذ ليس لأحد عزله ولا الاستبدال به، وعارض فقد الأهلية مانع من تصرفه لا سالب لولايته
(1)
، وذلك على طريقة استدلال الشافعية؛ ولأنه إذا عاد إلى أهليته عاد حقُّه من النظر المشروط له، كما لو صرح الواقف بأنه إذا عاد إلى أهليته عاد حقُّه؛ كوصي عُزل لمقتضى ثم زال؛ فيُعاد
(2)
، وكالموصوف، بأن قال: النظر للأرشد ونحوه، فإذا زال هذا الوصف عنه؛ أُزيلت يده، فإن عاد؛ عاد حقُّه
(3)
.
وأما المالكية فلم نجد لهم نصًّا في حكم عود الناظر المعزول إذا برئ من علته وعاد إليه عقله، وقد نصُّوا على جواز عزل الواقف الناظر ولو بلا جُنحة، قال الدسوقي:"القاضي لا يعزل ناظرًا إلا بجُنحة، وللواقف عزله ولو لغير جُنحة"
(4)
؛ مما يدلُّ على عدم أحقية الناظر المعزول لجنونه بالعودة إلى النظارة بعد بُرئه وعود عقله إليه من باب أَوْلى وأحرى.
الحالة الثانية: أن تكون نظارته بشرط القاضي أو الموقوف عليهم، فإن الناظر والحالة هذه لا يعود إلى ولاية النظارة بعود الأهلية، وأن ولايته لا تعتبر بلا تولية
(1)
انظر: المجموع، 15/ 363، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني، 4/ 381.
(2)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي، 4/ 328.
(3)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 270.
(4)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد الدسوقي، 4/ 88، وانظر: التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي المواق المالكي، 6/ 37.