الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول تفسير ألفاظ الواقفين
لا تختلف ألفاظ الواقفين في الوقف عن غيرها من العقود التي ينشئها الإنسان، فهي لا تخرج عن مراتب الكلام المعهود في اللسان العربي، وتأتي صريحة أو كناية، وعامة أو خاصة وحقيقة أو مجازا، أو حقيقة لغوية أو عرفية
(1)
.
لأجل هذا خصها الفقهاء بالبحث والشرح والتمييز، ضبطا لعقد الوقف من جهة، وحماية الشرط الواقف في وقفه من جهة أخرى.
ومن المسائل الفقهية التي نالت اهتمام الفقهاء مسألة ضبط الفتوى ضبط دلالات ألفاظ الواقفين، من حمل اللفظ على ظاهره أو على العرف اللغوي، وطريقة الترجيح عند التعارض بينهما، وتجلت اجتهادات الفقهاء فيها في المسائل الآتية:
أ) حمل اللفظ على ظاهره:
- الظاهر في أصل اللغة: عبارة عن الواضح، ويقال: ظهر الأمر إذا اتضح وانكشف. والظاهر خلاف الباطن
(2)
.
- الظاهر في الاصطلاح الأصولي: ما احتمل معنيين إلا أن أحدهما أحق باللفظ
(3)
.
وعرّف الغزالي اللفظ الظاهر بأنه "الذي يغلب على الظن فهم معنى منه من غير قطع"
(4)
.
(1)
انظر: الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، الناشر محمد علي بيضون، ط 1، 1418 هـ/ 1997 م، 40 وما بعدها.
(2)
انظر: لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، ط 3، 1414 هـ، 4/ 420 وما بعدها.
(3)
انظر: العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء، حققه وعلق عليه وخرج نصه: د. أحمد بن علي بن سير المباركي، بدون ناشر، ط 2، 1410 هـ/ 1990 م، 1/ 141، والمحصول في أصول الفقه، ابن العربي، تحقيق: حسين علي البدري وسعيد فودة، دار البيارق - عمان، ط 1، 1420 هـ/ 1999 م، 1/ 37.
(4)
الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت - دمشق، 3/ 52.
ورجح الآمدي أن "الحق في ذلك أن يقال: اللفظ الظاهر ما دلّ على معنى بالوضع الأصلي أو العرفي، ويحتمل غيره احتمالًا مرجوحًا"
(1)
.
وفي باب الوقف يعني الظاهر ما هو أقرب إلى معنى النص في الاصطلاح الأصولي، وهو: حمل لفظ الواقف في مصارفه على أقرب معنى من جهة الدلالة اللغوية أو العرفية.
وبما أن الأصل حمل الكلام على الحقيقة، فإن ظاهر اللفظ هو الحقيقة المتبادرة إلى الذهن، إلا أن يكون للفظ معني عرفي شائع، فيصبح حقيقة عرفية تُقَدَّم على المعنى الظاهر بدلالة اللغة، وهذا ما يرفع اللبس عند التعارض بين الظاهر وبين العرف. فيحسم الخلاف لصالح من تمسك بالراجح من المعنيين.
والقول بالعمل بظاهر لفظ الواقف هو ظاهر الرواية عن الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
، والإباضية
(6)
، والإمامية
(7)
، والزيدية
(8)
، والظاهرية
(9)
؛ لأن
(1)
الإحكام في أصول الأحكام، الآمدي، 3/ 58.
(2)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة، ابن مازة، تحقيق: عبد الكريم سامي الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1424 هـ/ 2004 م، 6/ 204.
(3)
انظر: المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1408 هـ/ 1988 م، 2/ 427.
(4)
انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي، تحقيق قاسم محمد النوري، دار المنهاج - جدة، ط 1، 1421 هـ/ 2000 م، 8/ 83.
(5)
انظر: المبدع في شرح المقنع، برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1418 هـ/ 1997 م، 5/ 181.
(6)
انظر: شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، نشر دار الفتح - لبنان، ودار الإرشاد جدة، 1392 هـ / 1972 م، 5/ 271.
(7)
انظر: الروضة الندية في شرح اللمعة الدمشقية، زين الدين العاملي، الناشر: دار العالم الإسلامي، بيروت، 4/ 209 - 210.
(8)
انظر: البحر الزخار، أحمد بن يحيى المرتضى، 10/ 359 - 360.
(9)
انظر: المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري دار الفكر، بيروت، 9/ 182.