الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما لو أقرَّ الناظر أن فلانًا يستحق معه نصف النظر مثلًا يؤاخذ بإقراره، ويشاركه فلان في وظيفته ما داما حيين، ولو مات أحدهما (أي: المقِرَّ أو المقَرَّ له)؛ فإن كان هو المقِرَّ، فالحكم بطلان الإقرار وانتقال النظر لمن شرطه له الواقف بعده، وأما لو مات المقَرُّ له؛ فالذي يقتضيه النظر كما قال ابن عابدين: بطلان الإقرار أيضًا، وإنما يوجهها القاضي للمقِرِّ أو لمن أراد من أهل الوقف
(1)
.
د) إسقاط الناظر حقه في النظر لغيره:
عند المالكية ليس للناظر أن يوصي بالنظر لأحد غيره إلا أن يجعله له الواقف، فيقول له: اجعله إلى من شئت، فكل من ملك حقًّا على وجه يملك معه عزله، وضابط ذلك أنه: ليس له أن يوصي به كالقاضي والوكيل ولو مفوضًا وخليفة القاضي للأيتام .. وشبه ذلك
(2)
.
وعند الشافعية: لا يجوز للناظر أن يوصي بالنظارة لغيره، ولو فعل لم تصح منه، فمن عزل نفسه وأسقط حقَّه من النظر لغيره، فلا يسقط حقُّه، ويستنيب القاضي من يباشر عنه في الوظيفة
(3)
.
قال البهوتي من الحنابلة: "ومن شُرط" بالبناء للمفعول، "لغيره النظر إن مات" بأن قال الواقف: النظر تزيد فإن مات فلعمرو مثلًا، (فعزل) زيد، (نفسه أو فسق)، وقلنا: ينعزل (فكموته؛ لأن تخصيصه)؛ أي الموت، (للغالب)؛ أي: خرج مخرج الغائب، فلا يُعتدُّ بمفهومه.
وإن أسقط حقَّه من النظر لغيره فليس له ذلك؛ لأنه إدخال في الوقف لغير أهله فلم يملكه وحقُّه باقٍ، فإن أصر على عدم التصرُّف انتقل إلى من يليه كما لو عزل نفسه فإن لم يكن من يليه أقام الحاكم مقامه كما لو مات، هذا ما ظهر لي ولم أره مسطورا وقد عمت البلوى بهذه المسألة
(4)
.
(1)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 442.
(2)
انظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، الحطاب، 6/ 38، وأسهل المدارك، أبو بكر الكشناوي، 3/ 111.
(3)
انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي، 5/ 397.
(4)
انظر: كشاف القناع، البهوتي، 4/ 276.
ولتفصيل مذهب الحنفية في هذه المسألة لا بد من بيان أن هذه المسألة ترجع إلى مبحث عزل الناظر نفسه، وهو ما يُعرف أيضًا بالفراغ عن الوظيفة والتنازل عنها؛ قال ابن نجيم:"ومِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ الفَرَاغُ عمن وظيفة النَّظر لرجلٍ عند القاضي"
(1)
.
والمذهب أنه يصح إسقاط الحق في النظارة في مرض الموت إذا لم يخالف شرط الواقف؛ لأنه يصير وصيًّا عنه، أما إذا لم يكن في مرض الموت؛ بأن كان في صحة الناظر، ولم يخالف شرط الواقف، فقد صرح الحنفية بصحة الفراغ (إسقاط الحقِّ) عن النظر وغيره من الوظائف، إلا أنهم اختلفوا؛ هل يُشترط (لإسقاط الحقِّ للغير) تقرير القاضي؟ أم يكفي مجرد الفراغ له؟
وذلك على قولين:
القول الأول: ما أفتى به العلامة قاسم؛ وهو سقوط حقِّ الفارغ بمجرد إسقاطه، وإن لم يقرِّره القاضي.
القول الثاني: أنه لا بدَّ من تقرير القاضي لإسقاط الحقِّ في النظارة، وهو المذهب.
لذلك قالوا: إن ما ذكره العلامة قاسم لم يستند فيه إلى نقل، وأنه خولف في ذلك؛ وعليه فلا بدَّ من تقرير القاضي؛ قال ابن نجيم:"لو أسقط حقَّه من وظيفته وفرغ عنها لغيره من غير أن يكون بين يدي القاضي؛ لا يسقط حقُّه"
(2)
، وقال ابن عابدين: "مطلب في النزول عن الوظائف: وذكر في البحر أيضًا أن المتولي لو عزل نفسه عند القاضي ينصب غيره، ولا ينعزل بعزل نفسه حتى يبلغ القاضي، ومن عزل نفسه لفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيرها، ثم إن كان المنزول له غير أهل لا يقرِّره القاضي، ولو أهلًا لا يجب عليه تقريره، وأفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان
(1)
البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 253.
(2)
الرسائل الزينية في مذهب الحنفية (رسائل ابن نجيم)، زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن نجيم المصري الحنفي، دراسة وتحقيق: د. محمد أحمد سراج ود. علي جمعة محمد، دار السلام، القاهرة، ط 1، 1419 هـ/ 1998 م، الرسالة الحادية والأربعون (فيما يسقط من الحقوق وما لا يسقط)، 453.
عن وظيفته سقط حقُّه، وإن لم يقرِّر الناظر المنزول له، فالقاضي بالأولى، وقد جرى التعارف بمصر الفراغ بالدراهم، ولا يخفى ما فيه، وينبغي الإبراء العام بعده. اهـ ما في البحر ملخصًا، لكن لا ينافي هذا ما يأتي في الفصل من أن المتولي إذا أراد إقامة غيره مقامه لا يصح إلا في مرض موته
…
وسُئل في الخيرية عما إذا قرَّر السلطان رجلًا في وظيفة كانت لرجل فرغ لغيره عنها بمال؛ أجاب بأنها لمن قرَّره السلطان لا للمفروغ له؛ إذ الفراغ لا يمنع تقريره؛ سواء قلنا بصحته المتنازع فيها، أو بعدمها الموافق للقواعد الفقهية، كما حره العلامة المقدسي"
(1)
.
وقال أيضًا: "مطلب في الفرق بين تفويض الناظر في صحته وبين فراغه عنه: (تنبيه) صرحوا بصحة الفراغ عن النظر وغيره من الوظائف، وأفتى العلامة قاسم بسقوط حقِّ الفارغ بمجرد لكنه لم يتابع على ذلك فلا بدَّ من تقرير القاضي كما قدمناه
…
وأنت خبير بأن هذا شامل للفراغ في حال الصحة والمرض، فينافي ما هنا من عدم صحة التفويض في حال الصحة بلا تعميم، وتوقَّفت في ذلك مدة، وظهر لي الآن الجواب بأن الفراغ مع التقرير من القاضي عزل لا تفويض، ويدلُّ عليه قوله في البحر إذا عزل نفسه عند القاضي فإنه ينصب غيره، ولا ينعزل بعزل نفسه ما لم يبلغ القاضي، ثم قال: ومن عَزل نفسه الفراغ عن وظيفة النظر لرجل عند القاضي
…
فهذا صريح فيما قلناه، ولله الحمد، وبه ظهر أن قولهم هنا: لا يصح إقامة المتولي غيره مقامه في حياته وصحته؛ مقيَّد بما إذا لم يكن عند القاضي، أما لو كان عند القاضي كان عزلًا لنفسه، وتقرير القاضي للغير نصب جديد، وهي مسألة الفراغ بعينها، وبهذا يتجه عدم سقوط حق الفارغ قبل تقرير القاضي، خلافًا لما أفتى به العلامة قاسم؛ إذ لو سقط قبله انتقض قولهم: لا تصح إقامته في صحته بخلافه بعد تقرير القاضي؛ لأنه بعده يصير عزلًا لنفسه عن الوظيفة، ولا يرد أن العزل يكفي فيه مجرد علم القاضي كما مرَّ، فلا حاجة إلى التقرير؛ لأن الفراغ عزل خاص مشروط، فإنه لم يرض بعزل نفسه إلا لتصير الوظيفة لمن نزل له عنها، فإذا
(1)
حاشية ابن عابدين، 4/ 382 - 383، وانظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 253.