الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب) مسؤولية الناظر:
الناظر حينما يؤدي أعمال النظارة فهو يؤديها متفرِّدًا، لا يشاركه فيها أحد، ولا يباشرها غيره إلا بإذنه وموافقته
(1)
.
وبما أن الأوقاف من المصالح العامة أو تؤول إليها، كان لا بدَّ من متابعة أعمال الناظر ومراقبتها، منعًا للخيانة أو الاستغلال، أو سوء التصرُّف والتدبير، ولقد أوكل الفقهاء للقاضي مهمة المراقبة والمتابعة والإشراف، والتأكُّد من موافقة تصرفات الناظر وأعماله للأحكام الشرعية ومصلحة الوقف
(2)
، ثم جعلوا للقاضي كذلك حقَّ محاسبته وتضمينه ما يفوِّته على الوقف من مال، أو عزله إن ظهر ما يوجب ذلك
(3)
؛ فالقاضي إذن بمثابة ناظر عامٍّ، ينظر في مجمل الأوقاف، ويكون نظره عليها نظر مراقبة ومحاسبة، لا نظر تصرُّف
(4)
.
وإذا كان للقاضي حقُّ مراقبة أعمال الناظر بنفسه والإشراف عليها؛ فقد اختلف الفقهاء فيما يجب على القاضي تجاه هذا الناظر إذا ثبت له أنه سيئ النظر أو غير مأمون، وكان اختلافهم على رأيين:
(1)
انظر: نهاية المحتاج، الرملي، 5/ 397، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، تحقيق: لجنة من العلماء، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1357/ 1983 م، 6/ 285، ومفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، محمد جواد الحسيني العاملي، حققه وعلق عليه: محمد باقر الخالصي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، إيران، ط 1، 1419 هـ، 9/ 422، والنظارة على الوقف، خالد عبد الله شعيب، الكويت، الأمانة العامة للأوقاف، 2006 م، 233.
(2)
انظر: الأحكام السلطانية، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي، دار الحديث، القاهرة، 94.
(3)
انظر: النظارة على الوقف، خالد عبد الله شعيب، 333.
(4)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 389 - 390، ونهاية المحتاج، الرملي، 5/ 400، وتحفة المحتاج، الهيتمي، 6/ 206، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 273.
الرأي الأول: ذهب الحنفية
(1)
والحنابلة
(2)
والإمامية
(3)
إلى أن القاضي يضمُّ إلى الناظر أمينًا ثقة، يُسمَّى في اصطلاح الحنفية "ناظر الحسبة"
(4)
، وذلك في ثلاثة أحوال:
1 -
أن لا يقوم الناظر بأعمال الوقف كما يجب، ويقصر أو يفرط فيما تقتضيه وظيفة النظارة، فيعين القاضي معه ثقة أمينًا يعينه من خلالها على أداء مهامه
(5)
.
لكن هل يستقل الأصيل بالتصرُّف؟ قال الحنفية
(6)
: إن ضمَّه القاضي إليه لخيانته؛ لم يستقل، وإلا فله ذلك، وقيل: ليس للمشرف التصرف بل الحفظ فقط
(7)
.
وقال الحنابلة: القاضي إذا ضم إلى الناظر أمينًا لتفريطه أو تهمته؛ فإن الناظر يرجع إلى رأي الأمين، ولا يتصرَّف إلا بإذنه
(8)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 431.
(2)
انظر: منتهى الإرادات، تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي بن النجار الحنبلي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، دمشق، ط 1، 1419 هـ / 1999 م، 2/ 504 - 505، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 270.
(3)
انظر: شرح الأزهار (المنتزع المختار من الغيث المدرار)، أبو الحسن عبد الله بن أبي القاسم المعروف بـ "ابن مفتاح"، مكتبة غمضان، صنعاء، ط 1، 1980 م، 3/ 489، والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية، زين الدين الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني، تعليق: محمد كلانتر، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط 1، د. ت، 5/ 73.
(4)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 253، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 430.
(5)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 252 - 253 و 265. ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 380، وكتاب أحكام الأوقاف، الخصاف، 346، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 273، وجواهر الكلام، النجفي، 28/ 22 - 23.
(6)
انظر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصكفي الحنفي، تحقيق: عبد المنعم خليل إبراهيم، دار الكتب العلمية، ط 1، 1423 هـ/ 2002 م، 3/ 430.
(7)
انظر: الدر المختار، الحصكفي، 4/ 458.
(8)
انظر: كشاف القناع، البهوتي، 4/ 273.
2 -
إذا طعن بعض الناس في الناظر واتهموه بالخيانة، من دون بينة على ذلك؛ فللقاضي أن يضمَّ إليه ثقة أمينًا يراقبه، ويشاركه في النظارة، ولا يجوز عزله بمجرد ذلك من غير خيانة ظاهرة
(1)
، وإذا ضمَّ القاضي ثقة إلى الناظر؛ رجع الأخير إلى رأيه في أعمال النظارة لا يتصرَّف إلا بإذنه
(2)
.
3 -
إذا جعل الواقف النظارة لفاسق، أو لعدل ففسق؛ ضمَّ القاضي إليه أمينًا ثقة، جمعًا بين حقَّين؛ العمل بشرط الواقف، وحفظ الوقف
(3)
.
الرأي الثاني: ذهب فقهاء المالكية والشافعية إلى أن القاضي إذا ثبت له أن الناظر سيئ النظر غير مأمون؛ فإنه يعزله ويعيِّن شخصًا مكانه، ولا يضمُّ إليه أمينًا
(4)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 394 - 419، والإسعاف، الطرابلسي، 54، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي الحنفي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، 1/ 221.
(2)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 430.
(3)
انظر: كشاف القناع، البهوتي، 4/ 270، ومفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، الحسيني العاملي، 9/ 41.
(4)
انظر: مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي المعروف بـ "الحطاب الرُّعيني"، تحقيق: زكريا عميرات، دار عالم الكتب، الرياض، 1423 هـ/ 2003 م، 6/ 37، والغرر البهية في شرح البهجة الوردية، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، المطبعة الميمنية، مصر، د ت، ودار الفكر، دمشق، د. ت، 3/ 375 - 376، وحاشية العبادي على الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، شهاب الدين أحمد بن قاسم الصباغ العبادي المصري الشافعي الأزهري، المطبعة الميمنية، مصر، د. ت، ودار الفكر، دمشق، د. ت، 3/ 376، وتحفة المحتاج، الهيتمي، 6/ 288، وحاشية الشربيني على الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، المطبعة الميمنية، مصر، د. ت، 3/ 376، ومغني المحتاج، الشربيني الشافعي، 3/ 553.