الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج) أمثلة وفروع على اعتبار بعض هذه القواعد:
منها: ما جاء نقلًا عن ابن عبد السلام أنه لو شرط واقف المدرسة أن لا يشتغل المعيد فيها أكثر من عشرين سنة، ولم يكن في البلد معيد غيره: جاز استمراره وأخذه المعلوم؛ لأن العرف يشهد بأن الواقف لم يُرِدْ شغور مدرسته، وإنما أراد أن ينتفع هذا مدة، وغيره مدة
(1)
.
ومنها: ما ذكره الفتوحي نقلًا عن تقي الدين في تقديم التنبيه على النص حيث قال: فإن نقل نصيب الميت إلى ذوي طبقته إذا لم يكن له ولد دون سائر أهل الوقف .. تنبيه على أنه يُنقل إلى ولده إن كان حينئذ له ولد، فالتنبيه حينئذ دليل أقوى من النص، حتى في شروط الواقفين"
(2)
.
ومنها: ما ذكره الحموي، وكذلك ابن عابدين من اعتبار قواعد التعارض والنسخ والترجيح في شروط الواقفين
(3)
.
ثانيا: معنى: شرط (أو نص) الواقف كنص الشارع:
استعمل معظم الفقهاء هذه العبارة في معرض حديثهم عن شروط الواقف، فقالوا: إن شرط الواقف (أو نصه) كنص الشارع، وجعلوها قاعدة عامة للدلالة على أهمية شروط الواقف ونصّه اللفظي، ولكنهم اختلفوا في المراد بها.
فذهب بعضهم إلى أن وجه الشبه بين نص الواقف، ونص الشارع هو الفهم والدلالة، في حين ذهب آخرون إلى أن وجه الشبه إنما هو في وجوب العمل
(1)
انظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري زين الدين أبو يحيى السنيكي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، د. ط، د. ت، 2/ 452.
(2)
شرح الكوكب المنير، تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار الحنبلي، تحقيق: محمد الزحيلي ونزيه حماد، مكتبة العبيكان، السعودية، ط 2، 1418 هـ / 1997 م، 649.
(3)
انظر: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أحمد بن محمد مكي أبو العباس شهاب الدين الحسيني الحموي الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 هـ/ 1985 م، 1/ 424، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 444.
والدلالات، ولكن وجوب العمل لا يعني وجوبه مطلقا، بل هو مقيد بتوافر شروطه عند كل مذهب
(1)
.
يقول السبكي: "بل يجب اتباع شرط الواقف نصًا، كان أو ظاهرًا، والفقهاء يقولون: "شروط الواقف كنصوص الشارع"، وأنا أقول - من طريق الأدب - شروط الواقف من نصوص الشارع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون عند شروطهم" وإذا كانت مخالفة النص تقتضي نقض الحكم؛ فمخالفة شرط الواقف تقتضي نقض الحكم"
(2)
.
ولكن ابن تيمية حمل قول الفقهاء هذا على الدلالة، فقال: "ومن قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف، لا في وجوب العمل بها
…
وأما أن تُجعل نصوص الواقف، أو نصوص غيره من العاقدين؛ كنصوص الشارع في وجوب العمل بها؛ فهذا كفر باتفاق المسلمين؛ إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ككك 2).
ولعل المراد من تقريرات الفقهاء وتحريراتهم في باب شروط الوقف مقصود به - والله أعلم - أن نصَّ الواقف أو شَرْطَه - من حيث التفسير والدلالة - كنصّ الشارع، وكذا: من حيث وجوب العمل به ما دام صحيحًا، أما إذا تعارض مع النص الصحيح الصّريح، أو مع مقتضى الوقف المتفق عليه، فإنه شرطٌ باطلٌ لا اعتداد به، إذ لم يقل فقيهٌ واحدٌ بصحّة الشّرط المخالف للنصّ الصحيح الصّريح، حتى إنّ الحنفية صرحوا بأن القضاء يُنقَض إذا كان ما حكم به مخالفًا للنّص، أو لشرْط الواقف، أي الصحيح
(3)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 453، ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام، علي حيدر خواجه أمين أفندي، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1411 هـ/ 1991 م، 2/ 138، والفتاوى، السبكي، 2/ 14، ومطالب أولي النهى، السيوطي الحنبلي، 4/ 320.
(2)
الفتاوي السبكي، 2/ 10، 13.
(3)
مجموع الفتاوي، ابن تيمية، 3/ 47 - 48.