الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: كيفية محاسبة الناظر:
لا خلاف بين الفقهاء في محاسبة الناظر في الإنفاق على الوقف والصرف إلى المستحقين، كما ناقشت الصفحات السابقة، إلا أنهم اختلفوا في كيفية محاسبة الناظر وقبول قوله على ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: التفرقة بين كون الناظر أمينًا أو غير أمين:
وإليه ذهب الحنفية والمالكية؛ فقال الحنفية: يُكتفي من الناظر الأمين أن يقدَّم حسابًا إجماليًّا ويُقبل قوله فيما قام بتحصيله من غلَّة الوقف وما أنفقه في إعمار الوقف وإصلاحه، وما وزعه على المستحقين؛ شريطة ألا يكذبه الظاهر.
قال الحصكفي من الحنفية: لا تلزم المحاسبة في كل عامٍ، ويكتفي القاضي منه بالإجمال لو معروفًا بالأمانة
(1)
.
ثم فرَّق الحنفية في محاسبة الناظر بين إنكار المستحقين الصرف لهم وإنكار أرباب الوظائف الصرف لهم.
فإن ادَّعى الناظر الأمين الصرف إلى المستحقين وأنكر المستحقون؛ فإنهم متفقون على أن الناظر لا يكلف بإثبات ما يدعيه بالبينة، بل يُقبل قوله، ثم اختلفوا في تحليفه على قولين:
القول الأول: إن الناظر يحلف؛ وذهب إليه بعض الحنفية؛ منهم: الناصحي والخير الرملي وابن نجيم
(2)
.
القول الثاني: إن الناظر لا يحلف؛ وذهب إليه بعض آخر من الحنفية؛ منهم: حامد أفندي العمادي، والحصكفي
(3)
.
(1)
انظر: الدر المختار مع حاشية ابن عابدين، 4/ 448 - 449، والبحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 262 - 263.
(2)
انظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 263، ورد المحتار، ابن عابدين، 3/ 425، والعقود الدرية، ابن عابدين، 1/ 201، والأشباه والنظائر، ابن نجيم، 275.
(3)
انظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 263، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين، 3/ 425، والعقود الدرية، ابن عابدين، 1/ 201.
وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية من كتب الحنفية: (سُئِلَ) قاضي الشام سنة 1153 هـ في صرف الناظر للمستحقين قبل عزله وبعده، وكذا لأرباب الوظائف؛ هل يقبل قوله في ذلك بيمينه؟ أو لا؟ (الجواب) الذي مرَّ جوابه أنه يُقبل قوله فيما يدعيه من الصرف على المستحقين بلا بينة؛ لأن هذا من جملة عمله في الوقف، وأفتى التمرتاشي وقال: واختلفوا في تحليفه، واعتمد شيخنا في الفوائد أنه لا يحلف
(1)
.
وإن ادَّعى الناظر الصرف لأرباب الوظائف ولم يصدقوه في الصرف لهم؛ فإن للحنفية في ذلك قولين:
القول الأول: وبه قال أكثر الحنفية؛ ويرون أنه يقبل قول الناظر في الدفع الأرباب الوظائف.
القول الثاني: وبه أفتى الملا أبو السعود من الحنفية؛ بأنه لا يُقبل قول الناظر.
فأفتى أبو السعود بأنه إن ادَّعى الناظر الدفع لأرباب الوظائف؛ كالإمام بالجامع، والبوَّاب .. لا يُقبل قوله؛ لأن ما يأخذه الإمام - ونحوه من أرباب الوظائف - ليس مجرد صلة، بل فيه شوب الأجرة
(2)
.
وقال الحصكفي من الحنفية: "لو ادَّعى المتولي الدفع قُبل قوله بلا يمين، لكن أفتى الملا أبو السعود أنه إن ادَّعى الدفع من غلَّة الوقف لمن نصَّ عليه الواقف في وقفه؛ كأولاده وأولاد أولاده .. قُبل قوله، وإن ادَّعى الدفع إلى الإمام بالجامع والبواب ونحوهما؛ لا يقبل قوله، كما لو استأجر شخصًا للبناء في الجامع بأجرة معلومة، ثم ادَّعى تسليم الأجرة إليه؛ لم يُقبل قوله، قال المصنِّف (أي التمرتاشي): وهو تفصيل في غاية الحسن؛ فيُعمل به، واعتمده ابنه في حاشية الأشباه"
(3)
.
(1)
انظر: العقود الدرية، ابن عابدين، 1/ 201.
(2)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 448 - 449.
(3)
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين، 4/ 448 - 449.
أما الناظر غير الأمين فإن القاضي لا يكتفي بالإجمال، ويُجبره على تقديم الحساب بالتفصيل وجمعه من ريع الوقف وعمَّا أنفقه، فإن امتنع عن تقديم الحساب مفصَّلًا أحضره يومين أو ثلاثة يخوِّفه ويهدِّده، ولا يحبسه، فإن قدَّم الحساب؛ وإلا اكتفى القاضي منه باليمين"
(1)
.
قال ابن نجيم من الحنفية: "وإن كان متَّهمًا يجبره القاضي على التفسير شيئًا فشيئًا، ولا يحبسه، ولكن يحضره يومين أو ثلاثة أو يخوفه ويهدده إن لم يفسر، فإن فعل وإلا اكتفى منه باليمين"
(2)
.
وقال المالكية: "إن اشترط الواقف في أصل الوقف ألا يصرف الناظر شيئًا إلا بمعرفة شهود فإن الناظر لا يصدق بقوله فقط وإن كان أمينًا بل لا بد من الإشهاد أتباعًا الشرط الواقف، فإن لم يشترط الواقف على الناظر الإشهاد في الصرف فيقبل قوله في الصرف والإنفاق إذا كان أمينًا من غير يمين، فإن لم يكن أمينًا، أو كان ما ادعاه لا يشبه ما قال، أو اتهمه القاضي .. فإنه لا يصدق إلا بيمين"
(3)
.
قال الصاوي من المالكية: "واعلم أنه إذا مات الواقف وعدم كتاب الوقف؛ قُبل قول الناظر في الجهات التي يصرف عليها إن كان أمينًا، ما لم يكن عليه شهود في أصل الوقف؛ فلا يصرف إلا باطلاعهم، ولا يقبل بدونهم، وإذا ادعى أنه صرف على الوقف مالًا من عنده صدق من غير يمين إن لم يكن متَّهمًا، وإلا فيحلف"
(4)
.
وقال الدسوقي من المالكية: "وإذا ادعى أنه صرف على الوقف مالًا من ماله صدق من غير يمين إلا أن يكون متهما فيحلفه"
(5)
.
(1)
انظر: حاشية ابن عابدين، 4/ 448.
(2)
البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، 5/ 262.
(3)
حاشية الدسوقي، 4/ 89، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير، 4/ 120.
(4)
حاشية الصاوي على الشرح الصغير، 4/ 120.
(5)
حاشية الدسوقي، 4/ 89.