الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيُّ جَمْعٍ؟ وذلك قبل بدر، فلما كان يوم بدر وانهزَمت قريشٌ نظَرْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارِهم مُصْلِتًا
(1)
بالسيف، يقول:«{سيهزم الجمع ويولون الدبر}» . وكانت ليوم بدر، فأنزل الله فيهم:{حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} الآية [المؤمنون: 64]، وأنزل الله:{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا} الآية [إبراهيم: 28]. ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوَسِعَتْهم الرَّمْيَة، ومَلَأَت أعينهم وأفواههم، حتى إن الرجل ليُقْتَلُ وهو يُقْذِي عَيْنَيْه وفاه، فأنزل الله:{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17]. وأنزل الله في إبليس: {فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} . وقال عُتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين يوم بدر: غرَّ هؤلاء دينُهم. فأنزَل الله: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم}
(2)
. (7/ 146)
تفسير الآية:
31092 -
عن طلحة بن عبيد الله بن كَرِيزٍ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما رُؤِي إبليس يومًا هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب، إلا ما رأى يوم بدر» . قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال:«أما إنّه رأى جبريل يَزَع الملائكة»
(3)
. (ز)
31093 -
عن رفاعة بن رافع الأنصاري -من طريق عبد رَبِّه بن سعيد- قال: لَمّا رأى إبليسُ ما تَفعلُ الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفَق أن يَخلُصَ القتلُ إليه، فتَشَبَّث به الحارث بن هشام وهو يَظُنُّ أنه سُراقة ابن مالك، فوكَز في صَدرِ الحارث فأَلقاه، ثم خرَج هاربًا حتى ألَقى نفسَه في البحر، فرفع يدَيْه، فقال: اللهمّ، إنِّي أسألك نَظِرتَكَ
(4)
(1)
أصلت السيف: إذا جرَّده من غمده. النهاية (صلت).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط 9/ 58 (9121).
قال الهيثمي في المجمع 6/ 78 (9958): «فيه عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف» .
(3)
أخرجه مالك 1/ 562 (1269)، وابن جرير 11/ 224 واللفظ له. وأورده الثعلبي 4/ 366.
قال ابن كثير (7/ 103): «مرسل من هذا الوجه» .
(4)
النَّظِرَة -بكسر الظاء-: التأخير في الأمر. اللسان والقاموس (نظر).
إياي
(1)
. (7/ 146)
31094 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- قال: جاء إبليس في جُند مِن الشياطين، ومعه راية في صورة رجال مِن بني مُدْلِج، والشيطان في صورة سُراقَة بن مالك بن جُعْشُم، فقال الشيطان:{لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} . وأَقْبَل جبريل على إبليس، وكانت يَدُه في يدِ رجُلٍ مِن المشركين، فلما رأى جبريل انتَزَعَ إبليسُ يدَه، ووَلّى مُدبِرًا هو وشِيعَتُه، فقال الرجل: يا سُراقة، إنك جارٌ لنا. فقال:{إني أرى ما لا ترون} . وذلك حينَ رأى الملائكة، {إني أخاف الله والله شديد العقاب}. قال: ولما دَنا القوم بعضُهم مِن بعض قَلَّل اللهُ المسلمينَ في أعْيُنِ المشركين، وقلَّل الله المشركين في أعْيُنِ المسلمين، فقال المشركون: وما هؤلاء؟ {غر هؤلاء دينهم} ! وإنما قالوا ذلك مِن قِلَّتِهم في أعْيُنِهم، وظنّوا أنهم سيَهزِمونَهم، لا يَشُكُّون في ذلك، فقال الله:{ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم}
(2)
. (7/ 144)
31095 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جُرَيْج- {وإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ} الآية، قال: لَمّا كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين أن أحدًا لن يغلبكم، وإني جار لكم. فلما التقوا ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة نكص على عقبيه، قال: رجع مُدْبرًا. وقال: {إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ} [الأنفال: 48] الآيةَ
(3)
. (ز)
31096 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق شعبة مولى ابن عباس- قال: لما تَواقفَ الناسُ أُغمِي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً، ثم كُشِف عنه، فبشَّر الناسَ بجبريل عليه السلام في جُند مِن الملائكة مَيْمنَةَ الناس، وميكائيل في جند آخر مَيْسَرة، وإسرافيل في جند آخر بألف، وإبليس قد تَصَوَّرَ في صُورة سُراقة بن جُعْشُم المُدلجِيِّ يَذْمُرُ
(4)
المشركين،
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير 5/ 47 (4550)، وأبو نعيم في دلائل النبوة ص 604 - 605 (549).
قال الهيثمي في المجمع 6/ 77 (9956): «فيه عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف» .
(2)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 3/ 78 - 79 بنحوه، وابن جرير 11/ 221، وابن أبي حاتم 5/ 1715 (9157)، 5/ 1716 (9162)، 5/ 1717 (9168)، كلهم من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن معاوية بن صالح، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس إلى قوله:{والله شديد العقاب} . وأما قوله: ولما دنا القوم
…
فأخرجه ابن جرير 11/ 228 من قول ابن جُرَيْج.
(3)
أخرجه ابن جرير 11/ 223.
(4)
أي: يَحُضُّهم ويشَّجِّعهم. اللسان (ذمر).
ويُخْبِرُهم أنه لا غالبَ لهم اليوم من الناس، فلما أبصَر عدوُّ الله الملائكةَ نكَص على عَقِبَيه، وقال: إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون، فتَشَبَّثَ به الحارث بن هشام وهو يَرى أنّه سُراقة؛ لِما سَمِع مِن كلامه، فضرب في صَدْرِ الحارث، فسقط الحارثُ، وانطلَق إبليسُ لا يُرى حتى سقَط في البحر، ورفع يَدَيه، وقال: يا ربِّ، موعدَك الذي وعَدتَني
(1)
[2836]. (7/ 145)
31097 -
عن عروة بن الزبير -من طريق يزيد بن رومان- قال: لَمّا أجمعت قريشٌ المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر -يعني: من الحرب-، فكاد ذلك أن يُثْنِيَهم، فتَبَدّى لهم إبليس في صورة سُراقة بن جُعْشُمٍ المُدْلِجِيِّ -وكان من أشراف بني كِنانة-، فقال: أنا جارٌ لكم من أن تأتيكم كِنانَةُ بشيء تكرهونه. فخرجوا سِراعًا
(2)
. (ز)
31098 -
عن عَبّاد بن عبد الله بن الزبير -من طريق يحيى بن عَبّاد- قال: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} يذكر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسُراقة بن جُعْشُمٍ حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مَناة بن كِنانة من الحرب التي كانت بينهم
(3)
. (ز)
31099 -
عن مجاهد بن جبر، في قوله:{وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} ، قال: قريشٌ يومَ بدر
(4)
. (7/ 144)
31100 -
عن الضحاك بن مزاحم -من طريق علي بن الحكم- قوله: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} وإن الشيطان سار معهم برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أن أحدًا لن يغلبكم وأنتم تُقاتِلون على دينكم ودين آبائكم
(5)
. (ز)
31101 -
قال الحسن البصري -من طريق حُمَيْد بن هلال- وتلا هذه الآية: {وإذ
[2836] علَّق ابنُ كثير (7/ 101) على هذا الأثر بقوله: «وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق» .
_________
(1)
أخرجه الواقدي في المغازي 1/ 70 - 71. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
والواقدي متروك على سعة علمه؛ كما في التقريب (6175).
(2)
أخرجه ابن جرير 11/ 222.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1715.
(4)
عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1715.
زين لهم الشيطان أعمالهم} الآية، قال: سار إبليس مع المشركين ببَدْر برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أن أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم، ولن تُغْلَبُوا كثرةً
(1)
[2837]. (ز)
31102 -
عن محمد بن كعب القرظي -من طريق أبي معشر- قال: لما أجمعت قريش على السير، قالوا: إنما نتخوف من بني بَكْر. فقال لهم إبليس في صورة سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ: أنا جارٌ لكم من بني بكر، ولا غالب لكم اليوم من الناس
(2)
. (ز)
31103 -
عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قال: أتى المشركين إبليسُ في صورة سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ الكِناني الشاعر ثم المُدْلِجِيِّ، فجاء على فرس، فقال للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس. فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا جاركم سراقة، وهؤلاء كنانة قد أتَوْكم
(3)
. (ز)
31104 -
قال محمد بن السائب الكلبي: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} إلى قوله: {والله شديد العقاب} إنّ المشركين لَمّا خرجوا من مكة إلى بدر أتاهم الخبر وهم بالجُحْفَة قبل أن يصلوا إلى بدر؛ أنَّ عِيرَهم قد نَجَت، فأراد القومُ الرجوعَ، فأتاهم إبليسُ في صورة سُراقَة بن مالك بن جُعْشُمٍ، فقال: يا قومِ، لا ترجعوا حتى تستأصلوهم؛ فإنكم كثير، وعدوكم قليل، فتأمن عِيرُكم، وأنا جار لكم على بني كنانة ألّا تَمُرُّوا بحي من بني كِنانة إلا أمَدَّكم بالخيل والرجال والسلاح. فمضوا كما أمرهم للذي أراد الله من هلاكهم، فالتقوا هم والمسلمون ببدر، فنزلت الملائكة مع المسلمين في صف، وإبليس في صف المشركين في صورة سُراقة بن مالك، فلما نظر إبليس إلى الملائكة نكَص على عَقِبَيْه، وأخذ الحارث بن هشام المخزومي بيده، فقال: يا سراقة، على هذه الحال تخذلنا؟ قال: إني أرى ما
[2837] ذكر ابنُ عطية (4/ 211) أن الشيطان هو إبليس نفسه، ثم ذكر أن المهدوي وغيره حكوا أن التزيين في هذه الآية وما بعده من الأقوال هو بالوسوسة والمحادثة في النفوس، وانتقده مستندًا لظاهر الآية، فقال:«ويُضَعِّفُ هذا القول أن قوله: {وإنِّي جارٌ لَكُمْ} ليس مما يُلْقى بالوسوسة» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 11/ 224.
(2)
أخرجه ابن جرير 11/ 225.
(3)
أخرجه ابن جرير 11/ 221.
لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب. فقال له الحارث: ألا كان هذا القول أمس؟ فلما رأى إبليس أن القوم قد أقبلوا إليهم؛ دَفَع في صدر الحارث فخَرَّ، وانطلق إبليس، وانهزم المشركون، فلما قدموا مكة قالوا: إنما انهزم بالناس سُراقة، ونقض الصفَّ. فبلغ ذلك سُراقة، فقدم عليهم مكة، فقال: بلغني أنكم تزعمون أني انهزمت بالناس، فوالذي يحلف به سراقة، ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. فجعلوا يُذَكِّرُونه: أما أتَيْتَنا يوم كذا، وقُلْتَ لنا كذا؟! فجعل يحلف، فلما أسلموا عَلِموا أنه الشيطان
(1)
. (ز)
31105 -
قال مقاتل بن سليمان: {وإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ وقالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ} وذلك أنه بلغهم أن العِير قد نجت، فأرادوا الرجوع إلى مكة، فأتاهم إبليس في صورة سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ الكِنانِيِّ من بني مُدْلِج بن الحارث، فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم، فإنكم كثير، وعدوكم قليل؛ فتأمن عيرُكم، ويسير ضعيفكم، وإنِّي جارٌ لَكُمْ على بني كِنانة أنَّكم لا تَمُرُّون بِحَيٍّ منهم إلا أمَدَّكم بالخيل والسلاح والرجال. فأطاعوه، ومَضَوْا إلى بدر لِما أراد الله مِن هلاكهم، فلَمّا التَقَوْا نزلت ملائكة ببدر، مدد للمؤمنين، عليهم جبريل عليه السلام، ولَمّا رَأى إبليس ذلك نكَص على عَقِبَيْه. يقول: استأخر وراءه
(2)
. (ز)
31106 -
قال محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- في قوله: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} فذَكَر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب التي كانت بينهم. يقول الله:{فلما تراءت الفئتان} ، ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة، قد أيَّد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم؛ {نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} ، وصدق عدو الله أنَّه رأى ما لا يرون، وقال:{إني أخاف الله والله شديد العقاب} ، فأوردهم ثم أسلمهم. قال: فذُكِرَ لي: أنّهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ لا يُنكِرُونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان، كان الذي رآه حين نَكَص الحارثُ بن هشام، أو عمير بن وهب
(1)
ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين 2/ 181 - ، وأخرجه عبد الرزاق 1/ 260 مختصرًا.
(2)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 118 - 119.