الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33974 -
قال مقاتل بن سليمان: {ولا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً} في سبيل الله {صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً} يعني: قليلًا ولا كثيرًا
(1)
. (ز)
{وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(121)}
33975 -
عن رجاء بن حَيْوَة =
33976 -
ومكحول الشامي -من طريق أبي بكر بن أبي مريم-: أنّهما كانا يكرهان التَّلْثِيم مِن الغُبار في سبيل الله
(2)
. (7/ 593)
33977 -
قال مقاتل بن سليمان: {ولا يَقْطَعُونَ وادِيًا} مِن الأودية مُقْبِلين ومُدْبِرين {إلّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما} يعني: الذي {كانُوا يَعْمَلُونَ}
(3)
. (ز)
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
(122)}
نزول الآية وتفسيرها
33978 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية، قال: ليست هذه الآية في الجهاد، ولكن لَمّا دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على مُضَرَ بالسنين أجْدَبَتْ بلادهم، فكانت القبيلة منهم تُقْبِلُ بأسرِها حتى يَحِلُّوا بالمدينة من الجَهَد، ويَعْتَلُّوا بالإسلام وهم كاذبون، فضَيَّقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم؛ فأنزل الله تعالى يُخبِرُ رسوله صلى الله عليه وسلم أنّهم ليسوا بمؤمنين، فرَدَّهم إلى عشائرهم، وحَذَّر قومَهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله:{ولِيُنذِروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
(4)
. (7/ 595)
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 203.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 6/ 1908.
(3)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 203.
(4)
أخرجه ابن جرير 12/ 79 - 80، وابن أبى حاتم 6/ 1913 (10135)، من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به.
إسناده جيد. وينظر: مقدمة الموسوعة.
33979 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يعني: ما كان المؤمنون لينفروا جميعًا، ويتركوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وحده، {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني: عُصْبَة، يعني: السَّرايا، فلا يسيرون إلا بإذنه، فإذا رَجَعَتِ السَّرايا وقد نزل قرآنٌ تَعَلَّمه القاعدون من النبىِّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: إنّ الله قد أنزل على نبيِّكم بعدنا قرآنًا، وقد تَعَلَّمناه. فتَمكُثُ السَّرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيِّهم صلى الله عليه وسلم بعدهم، ويبعث سرايا أُخَرَ، فذلك قوله:{ليتفقهوا فى الدين} ، يقول: يتعلمون ما أنزل الله على نبيِّه، وليُعَلموه السَّرايا إذا رجعت إليهم لعلهم يحذرون
(1)
[3081]. (7/ 594)
33980 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- قوله: {طائفة} ، يعني: عصبة
(2)
. (ز)
33981 -
قال عبد الله بن عباس -من طريق الكلبي-: لَمّا أنزل الله عز وجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا، فكان المسلمون ينفِرون جميعًا إلى الغزو، ويتركون النبيَّ صلى الله عليه وسلم وحده؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية
(3)
. (ز)
33982 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عطاء الخراساني- {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} ، يقول: لتَنفِر طائفةٌ، ولِتَمكُث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالماكِثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون فى الدين، ويُنذِرون إخوانهم {إذا رجعوا إليهم} من الغزو، {لعلهم يحذرون} ما نزل من بعدهم من قضاء الله فى كتابه،
[3081] علَّق ابنُ عطية (4/ 435) على قول ابن عباس بقوله: «أي: يجب إذا تخلف ألّا ينفر الناسُ كافَّة فيبقى هو منفردًا، وإنما ينبغي أن تنفر طائفةٌ، وتبقى طائفة لِتَتَفَقَّه هذه الباقية في الدين، ويُنذِروا النافرين إذا رجع النافرون إليهم» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 12/ 77 - 78، وابن أبى حاتم 6/ 1907 - 1909، 1912 مفرقًا، والبيهقى في المدخل 1/ 244 - 245 (334). وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن مردويه.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 6/ 1911.
(3)
أورده البغوي في تفسيره 4/ 111، والثعلبي 5/ 111.
إسناده ضعيف جدًّا. وينظر: مقدمة الموسوعة.
وحُدُوده
(1)
[3082]. (7/ 594)
33983 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- {وما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً} إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ، قال: كان ينطلق مِن كل حَيٍّ من العرب عصابةٌ، فيأتون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فيسألونه عما يريدونه من دينهم، ويتفقهون في دينهم، ويقولون لنبي الله: ما تأمرنا أن نفعله، وأخبِرنا ما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم. قال: فيأمرهم نبيُّ الله بطاعةِ الله، وطاعة رسوله، ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة، والزكاة. وكانوا إذا أتَوْا قومَهم نادَوْا: إنّ مَن أسلم فهو مِنّا. وينذرونهم، حتى إنّ الرجل لَيُعَرِّف أباه وأُمَّه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم، وينذرون قومهم، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام، وينذرونهم النار، ويبشرونهم بالجنة
(2)
. (ز)
33984 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- فى قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية، قال: ناسٌ مِن أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خرجوا فى البوادي، فأصابوا مِن الناس معروفًا، ومن الخِصبِ ما يَنتَفِعون به، ودَعَوْا مَن وجَدوا مِن الناس إلى الهُدى، فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابَكم وجئتمونا. فوجدوا في أنفسِهم من ذلك تَحَرُّجًا، وأقبلوا من البادية كلِّهم حتى دخلوا على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى:{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} خرج بعضٌ، وقعد بعضٌ يبتغون الخير؛ {ليتفقهوا فى الدين} ، وليسمعوا ما في الناس، وما أُنزِل بعدهم، {ولينذروا قومهم} قال: الناس كلهم {إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
(3)
. (7/ 596)
33985 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- قال: الطائفة: رَجُلٌ
(4)
. (ز)
33986 -
عن الضحاك بن مزاحم -من طريق عبيد- يقول في قوله: {وما كان
[3082] ذكر ابنُ عطية (4/ 435) أنّ الضمير في قوله: {ليتفقهوا} -على هذا القول- عائدٌ على الطائفة المتخلفة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
_________
(1)
أخرجه ابن أبى حاتم 6/ 1803، وفى 6/ 1909، 1921 مُفَرقًا. وعزاه السيوطي إلى أبي داود في ناسخه، وابن مردويه.
(2)
أخرجه ابن جرير 12/ 80.
(3)
تفسير مجاهد ص 377، وأخرجه ابن جرير 12/ 76 - 77، وابن أبى حاتم 6/ 1910، 1913. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وأبي الشيخ.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم 6/ 1912.
المؤمنون لينفروا كافة} الآية: كان نبيُّ الله إذا غزا بنفسه لم يَحِلَّ لأحدٍ من المسلمين أن يتَخَلَّف عنه، إلا أهل العذر، وكان إذا أقام فأُسِرَّت السرايا لم يَحِلَّ لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، فكان الرجل إذا أسرى، فنزل بعده قرآنٌ تلاه نبيُّ الله على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجعت السرية؛ قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله أنزل بعدكم على نبيِّه قرآنًا. فيُقْرِئونهم، ويُفَقِّهونهم في الدين، وهو قوله:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يقول: إذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني بذلك: أنّه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعًا ونبيُّ الله قاعِدٌ، ولكن إذا قعد نبيُّ الله تَسَرَّت السرايا، وقعد معه عُظْمُ الناس
(1)
. (ز)
33987 -
عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق سليمان الأحول- قال: لَمّا نزلت: {إلّا تنفِروا يعذبكم عذابًا أليمًا} [التوبة: 39]، و {ما كان لأهل المدينة} الآية؛ قال المنافقون: هلك أهلُ البَدْوِ الذين تخلَّفوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ولم يغزوا معه. وقد كان ناسٌ خرَجوا إلى البدو إلى قومِهم يُفَقِّهونهم؛ فأنزل الله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية. ونزلت: {والذين يحاجون فى الله من بعد ما استجيب له حُجَّتُهُم داحضة} الآية [الشورى: 16]
(2)
[3083]. (7/ 596)
33988 -
عن أبي مالك غزوان الغفاري -من طريق إسماعيل-: وكلُّ ما في القرآن {فلولا} فهو: فهلّا، إلّا حرفين: في يونس [98]: {فلولا كانت قرية آمنت} ، والآخر:{فلولا كان من القرون من قبلكم} [هود: 116]
(3)
. (ز)
33989 -
عن الحسن البصري =
[3083] ساق ابنُ عطية (4/ 434) هذا القول، ثم علَّق بقوله:«فيجيءُ قولُه تعالى: {ما كانَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ومَن حَوْلَهُمْ} عمومٌ في اللفظ، والمراد به في المعنى الجمهور والأكثر، وتجيء هذه الآية مُبَيِّنَةً لذلك مُطَّرِدَةَ الألفاظ مُتَّصِلَةَ المعنى من قوله تعالى: {ما كانَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ} إلى قوله: {يَحْذَرُونَ} بين في آخر الآية العموم الذي في أولها؛ إذ هو معرض أن يُتَأَوَّل فيه ألا يتخلف بشر، والتَّفَقُّه هو من النافرين، والإنذار هو منهم، والضمير في {رَجَعُوا} لهم أيضًا» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 12/ 78.
(2)
أخرجه ابن جرير 12/ 80 - 81. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم 6/ 1910.
33990 -
وقتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} ، قال: كافة ويَدَعُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
. (ز)
33991 -
عن الحسن البصري -من طريق مَعْمَر- {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} ، قال: لِيَتَفَقَّه الذين خرجوا بما يريهم اللهُ من الظهور على المشركين والنُّصْرَة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم
(2)
. (ز)
33992 -
عن عبد الله بن عبيد بن عُمَير -من طريق جرير- قال: كان المؤمنون لحرصهم على الجهاد إذا بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً خرجوا فيها، وتركوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رِقَّةٍ من الناس؛ فأنزل الله تعالى:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة} . أُمِروا إذا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً أن تخرُج طائفةٌ، وتُقيم طائفةٌ، فيحفظ المقيمون على الذين خرجوا ما أنزل الله من القرآن، وما يُسَنُّ مِن السُّنَنِ، فإذا رجع إخوانُهم أخبَروهم بذلك وعَلَّموهم، وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَتَخلَّف عنه أحدٌ إلا بإذن أو عذر
(3)
. (7/ 595)
33993 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} الآية، قال: لِيَتَفَقَّه الذين قعدوا مع نبيِّ الله، {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} يقول: لينذروا الذين خرجوا إذا رجعوا إليهم
(4)
. (ز)
33994 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} إلى قوله: {لعلهم يحذرون} ، قال: هذا إذا بعث نبيُّ الله الجيوشَ، أمرهم أن لا يُعْرُوا نبيَّه، وتُقِيمَ طائفةٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تَتَفَقَّه في الدين، وتنطلق طائفةٌ تدعو قومَها، وتُحَذِّرهم وقائعَ الله فيمن خلا قبلهم
(5)
[3084]. (ز)
[3084] اختلف المفسرون في المراد بهذا النفير على قولين: أحدهما: أنّه النفير إلى العدو؛ فالمعنى: ما كان لهم أن ينفروا بأجمعهم، بل تنفر طائفةٌ، وتبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم طائفةٌ؛ {ليتفقَّهوا في الدين} يعني: الفرقةَ القاعدين. فإذا رجعت السرايا، وقد نزل بعدهم قرآنٌ، أو تجدَّد أمر؛ أعلموهم به، وأنذروهم به إذا رجعوا إليهم. والآخر: أنّه النفير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تنفر منهم طائفةٌ ليتفقه هؤلاء الذين ينفرون، ولينذروا قومهم المتخلِّفين.
وعلَّق ابنُ القيم (2/ 27) على هذا القول بقوله: «وعلى هذا فيكون قوله: {ليتفقهوا} {ولينذروا} للفرقة التي نفرت منها طائفة» .
ثم رجّح مستندًا إلى الأغلب في كلام العرب، والنظائر، فقال:«وهذا قول الأكثرين، وعلى هذا فالنفير جهاد على أصله، فإنه حيث استعمل إنما يفهم منه الجهاد، قال الله تعالى: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم} [التوبة: 41]، وقال النبي: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفِرتم فانفِروا» . وهذا هو المعروف من هذه اللفظة».
وذكر (2/ 27) أنّه على القول الثاني فالنَّفِير نفيرُ تَعَلُّمٍ.
ورجَّح ابنُ جرير (12/ 83 بتصرف) مستندًا إلى السياق القولَ الأول الذي قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، فقال:«لأنّ الله -تعالى ذِكْرُه- حظر التَّخَلُّف خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به من أهل المدينة ومن الأعراب لغير عذر يُعذرون به إذا خرج رسول الله لغزوٍ وجهادِ عدوٍّ قبل هذه الآية بقوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله}. ثم عقَّب ذلك -جلَّ ثناؤه- بقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة}، فكان معلومًا بذلك إذْ كان قد عرّفهم في الآية التي قبلها اللازمَ لهم من فرض النَّفْر، والمباحَ لهم من تركه في حال غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشخوصه عن مدينته لجهاد عدوّ، وأعلمهم أنه لا يسعهم التخلف خِلافه إلا لعذر، بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم؛ أن يكون عَقِيب تعريفهم ذلك تعريفُهم الواجبَ عليهم عند مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينته، وإشخاص غيره عنها، كما كان الابتداءُ بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه بعضهم» .
_________
(1)
أخرجه عبد الرزاق 2/ 291، وابن جرير 12/ 82.
(2)
أخرجه عبد الرزاق 2/ 291 بنحوه، وابن جرير 12/ 82، وابن أبي حاتم 6/ 1912.
(3)
أخرجه ابن ابي حاتم 6/ 1910. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
(4)
أخرجه عبد الرزاق 2/ 291، وابن جرير 12/ 82.
(5)
أخرجه ابن جرير 12/ 78.
33995 -
عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قوله: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} ، قال: أقبلت أعرابُ هُذَيْلٍ وأصابهم الجوع، واستعانوا بتمر المدينة، وأظهروا الإسلام، ودخلوا، فقال عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود له: أشعرت أنّه قدم مِنّا ألفُ أهلِ بيتٍ أسلموا جميعًا؟ فقال عبد الله: واللهِ، لَوَدِدتُ أنّه لم يبق منهم. فكانوا يفخرون على المؤمنين، ويقولون: نحن أسلمنا طائعين بغير قتال، وأنتم قاتلتم، فنحنُ خيرٌ منكم. فآذَوُا المؤمنين؛ فأنزل الله فيهم يخبرهم بأمرهم، فقال:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يقول: جميعًا، {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يقول: مِن كل بطن منهم طائفة، فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فسمعوا كلامه، ثم رجعوا، فأخبروهم الخبر، فجئتم على بصيرة، ولكن إنما جئتم من أجل الطعام
(1)
. (ز)
33996 -
قال محمد بن السائب الكلبي: إنّ أحياء من بني أسد من خزيمة أصابتهم سَنَةٌ شديدة، فأقبلوا بالذَّراري حتى نزلوا المدينة، فأفسدوا طُرُقَها بالعذِرات، وأَغْلَوْا أسعارَها؛ فنزل قوله:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} أي: لم يكن لهم أن ينفروا كافَّةً، ولكن مِن كل قبيلة طائفةٌ ليتفقهوا في الدين
(2)
. (ز)
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم 6/ 1911.
(2)
تفسير البغوي 4/ 112.
33997 -
قال مقاتل بن سليمان: {وما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً} ، وذلك أنّ الله عاب في القرآن مَن تَخَلَّف عن غزاة تبوك، فقالوا: لا يرانا اللهُ أن نتخلف عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزاته، ولا في بَعْث سَرِيَّةٍ. فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث سَرِيَّةً رَغِبوا فيها رَغْبَةً في الأجر؛ فأنزل الله عز وجل:{وما كانَ المُؤْمِنُونَ} يعني: ما ينبغي لهم {لِيَنْفِرُوا} إلى عدوهم {كافَّةً} يعني: جميعًا
(1)
، {فَلَوْلا نَفَرَ} يعني: فهلّا نفر {مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنهُمْ} يعني: من كل عُصْبَةٍ منهم {طائِفَةٌ} ، وتُقِيم طائفةٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيتَعَلَّمون ما يُحْدِث اللهُ عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم مِن أمرٍ، أو نهيٍ، أو سُنَّة، فإذا رجع هؤلاء الغُيَّب تَعَلَّموا من إخوانهم المقيمين، فذلك قوله:{لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} يعنى: المقيمين، {ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} يعنى: ولِيُحَذِّروا إخوانهم {إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ} من غزاتهم؛ {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} يعني: لكي يحذروا المعاصي التي عملوا بها قبل النهي
(2)
. (ز)
33998 -
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} ، قال: ليذهبوا كلُّهم، فلولا نفر من كل حيٍّ وقبيلةٍ طائفةٌ، وتخلف طائفةٌ؛ {ليتفقهوا في الدين} لِيَتَفَقَّه المُتَخَلِّفون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدين، ولينذر المتخلفون النافرين إذا رجعوا إليهم {لعلهم يحذرون}
(3)
[3085]. (ز)
[3085] اختُلِف في معنى قوله: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} على قولين: الأول: ليتفقهوا في أحكام الدين ومعالم الشرع، وينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم. الثاني: ليتفقهوا فيما يشاهدونه من نصر الله لرسوله وتأييده لدينه ليقوى إيمانهم ويخبروا به قومهم.
ورجَّح ابنُ جرير (12/ 84 بتصرف) مستندًا إلى الأغلب في اللغة القولَ الثاني الذي قاله الحسن، فقال:«لأنّ النَّفْرَ إذا كان مُطْلقًا بغير صلة بشيء فالأغلب مِن استعمال العرب إيّاه في الجهاد والغزو، فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه، وكان -جل ثناؤه- قال: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين}؛ عُلِم أنّ قوله: {ليتفقهوا} إنّما هو شرطٌ للنفر لا لغيره، إذْ كان يليه دون غيره من الكلام» .
وانتقد مستندًا إلى الدلالات العقلية القولَ الأولَ، فقال:«فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معناه: ليتفقه المتخلِّفون في الدين؟ قيل: ننكر ذلك لاستحالته. وذلك أنّ نَفْر الطائفة النافرة لو كان سببًا لتفقه المتخلفة وجَبَ أن يكون مقامها معهم سببًا لجهلهم وترك التفقه، وقد علمنا أن مقامهم لو أقاموا ولم ينفروا لم يكن سببًا لمنعهم من التفقه» .
وذكر ابنُ عطية (4/ 435) أنّ الأول قول الجمهور، وأنّه قويٌّ.
_________
(1)
كرر ابن أبي حاتم 6/ 1910 هذا القول عن ابن عباس وغيره من التابعين وأتباعهم، وقد ذكره قبل ذلك في آيات أخرى.
(2)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 203.
(3)
أخرجه ابن جرير 12/ 77.