الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطاياكم، {ويَغْفِرْ لَكُمْ} يقول: ويتجاوز عنكم،
{واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}
(1)
. (ز)
{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
30645 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- قال: إذا قال الله للشيء عظيم فهو عظيم
(2)
. (ز)
30646 -
عن سعيد بن جبير -من طريق عطاء بن دينار- قوله: {العظيم} ، يعني: وافِرًا
(3)
. (ز)
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
(30)}
نزول الآية وقصتها
30647 -
عن أنس بن مالك، قال: سُئل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن الأيام؛ سُئِل عن يوم السبت، فقال:«هو يومُ مَكْر وخَدِيعة» . قالوا: وكيف ذاك، يا رسول الله؟ قال:«فيه مَكَرتْ قريشٌ في دار الندوة، إذ قال الله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}»
(4)
. (7/ 99)
30648 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق مِقْسَم- في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} ، قال: تشاوَرَتْ قريش ليلةً بمكة، فقال بعضهم: إذا أصْبَح فأَثْبِتوه بالوَثاق. يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخْرِجوه. فأَطْلَع اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبات عليٌّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لَحِق بالغار، وبات المشركون يَحْرُسون عليًّا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا أصبحوا ثاروا إليه، فلما رَأَوْا عليًّا ردَّ الله مَكْرهم، فقالوا: أين صاحبُك هذا؟ قال: لا أدري. فاقْتَصُّوا أثَره، فلما بلَغوا الجبل اختلَط عليهم، فصَعِدوا في الجبل، فمرُّوا بالغار، فرأَوا على بابه نَسْج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نَسْجُ العنكبوت على بابه. فمكث فيه ثلاث ليال
(5)
. (7/ 94)
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 110.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1686.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1686.
(4)
عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
(5)
أخرجه أحمد 5/ 301 (3251)، وابن جرير 11/ 136 - 137.
قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 451: «وهذا إسناد حسن، وهو من أجود ما روي في قصة نَسْج العنكبوت على فَمِ الغار، وذلك من حماية الله رسوله صلى الله عليه وسلم» . وقال الهيثمي في المجمع 7/ 27 (11028): «فيه عثمان بن عمرو الجزري، وثَّقه ابن حبان، وضَعَّفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح» . وضعفه الألباني في الضعيفة 3/ 262.
30649 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق مجاهد-: أنّ نفرًا من قريش ومن أشراف كلِّ قبيلة اجتمَعوا لِيَدْخلوا دار الندوة، واعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رَأَوْه قالوا: مَن أنت؟ قال: شيخٌ من أهل نَجْد، سمعتُ بما اجتمَعْتم له؛ فأرَدْتُ أن أحضُرَكم، ولن يَعْدَمَكم مِنِّي رَأْي ونصح. قالوا: أجل، فادخل. فدخل معهم، فقال: انظروا في شأن هذا الرجل، فواللهِ، لَيُوشِكَنَّ أن يُواتِيَكم
(1)
في أمركم بأمره. فقال قائل: احبِسوه في وثاق، ثم تَرَبَّصوا به المنون حتى يهلك كما هلك مَن كان قبله مِن الشعراء؛ زُهَيرٌ ونابِغَة، فإنما هو كأحدهم. فقال عدوُّ الله الشيخُ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأْي، والله لَيَخْرُجَنَّ رأْيُه مِن مَحْبِسِه لأصحابه، فلَيُوشِكَنَّ أن يَثِبوا عليه حتى يأخذوه مِن أيديكم، ثم يمنعوه منكم، فما آمَنُ عليكم أن يُخْرِجوكم مِن بلادكم، فانظروا في غير هذا الرَّأْي. فقال قائل منهم: فأخْرِجوه مِن بين أظهركم فاستريحوا منه، فإنه إذا خرج لم يضُرَّكم ما صَنَع وأين وقَع، وإذا غاب عنكم أذاهُ استرحتم منه، وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأْي، ألَمْ تَرَوْا حلاوة قوله، وطَلاقة لسانه، وأَخْذَه للقلوب بما يُستَمَعُ مِن حديثه، والله لئن فعلتم ثم اسْتَعْرَض العربَ لَتَجْتَمِعَنَّ إليه، ثم لَيَسِيرَنَّ إليكم حتى يُخْرِجَكم مِن بلادكم ويَقْتُلَ أشرافكم. قالوا: صدَق والله، فانظروا رَأْيًا غير هذا. فقال أبو جهل: والله، لَأُشِيرَنَّ عليكم برأيٍ أبْصَرْتُموه بعد، ما أرى غيرَه. قالوا: وما هذا؟ قال: نأخذ مِن كلِّ قبيلة غلامًا وسِيطًا
(2)
شابًّا نَهْدًا
(3)
، ثم يُعْطى كلُّ غلام منهم سيفًا صارِمًا، ثم يضربونه، يعني: ضربةَ رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرَّق دمُه في القبائل كلِّها، فلا أظنُّ هذا الحيَّ من بني هاشم يَقْدِرون على حرب قريش كلِّهم، وإنّهم إذا رَأَوْا ذلك قَبِلوا العَقْلَ
(4)
، واسترحنا وقطَعْنا عنّا أذاه. فقال الشيخ النَّجديُّ: هذا والله هو الرأي، القولُ ما قال الفتى، لا أرى غيرَه. فتفرَّقوا على ذلك وهم مُجْمِعُون له، فأتى جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأمَره ألّا يَبِيتَ في
(1)
المُواتاةُ: حسنُ المُطاوعة والموافقة. النهاية (أتى).
(2)
الوسيط: الحسيب في قومه. النهاية (وسط).
(3)
النهد: القوي الضخم. النهاية (نهد).
(4)
العقل: الدية. النهاية (عقل).
مَضْجعِه الذي كان يَبِيتُ فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يَبِتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة، وأَذِن الله له عند ذلك في الخروج، وأمَرهم بالهجرة، وافترَض عليهم القتال، فأنزَل الله:{أذن للذين يقاتلون} [الحج: 39]. فكانت هاتان الآيتان أولَ ما نزل في الحرب، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة يذكُرُ نعمتَه عليه:{وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية
(1)
. (7/ 95)
30650 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عمرو بن ميمون-، قال: شَرى عَلِيٌّ نفسَه، ولَبِس ثوبَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نام مكانه، وكان المشركون يَرْمُون
(2)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قريش تريد أن تقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يَرْمُون عليًّا، ويُرَوْنه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل عَلِيٌّ يَتَضَوَّرُ
(3)
، فإذا هو عليٌّ، فقالوا: إنّك لَلَئِيمٌ، إنّك لَتَتَضَوَّرُ، وكان صاحبك لا يَتَضَوَّر، ولقد استنكرناه منك
(4)
. (7/ 101)
30651 -
عن عبدالله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- قال: دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال:«ما يُبكِيكِ، يا بُنَيَّةُ؟» . قالت: يا أبتِ، وما لي لا أبكي، وهؤلاء الملأ مِن قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك، وليس منهم إلا مَن قد عرف نصيبه من دمك! فقال:«يا بُنَيَّة، ائتني بوضوء» . فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى المسجد، فلما رأوه قالوا: إنما هو ذا. فطأطؤوا رؤوسهم، وسقطت أذقانهم بين أيديهم، فلم يرفعوا أبصارهم. فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب، فحصبهم بها، وقال:«شاهَت الوجوه» . فما أصاب رجلًا منهم حصاةٌ مِن حصياته إلا قُتِل يوم بدر كافرًا
(5)
. (ز)
(1)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 468 - 469، وأبو نعيم في دلائل النبوة 200 - 204 (154)، وابن جرير 11/ 134 - 135، وابن أبي حاتم 5/ 1686 - 1687 (8994). وأورده الثعلبي 4/ 348 - 349.
إسناده حسن، وقد احتج بالحديث ابن كثير في تفسيره 4/ 44.
(2)
أي: يريدون. اللسان (رمى).
(3)
التضوُّر: التقلُّب ظهرًا لبطن مِن جوع أو غيره. اللسان (ضور).
(4)
أخرجه الحاكم 3/ 5 (4263).
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخَرِّجاه» . ووافقه الذهبي.
(5)
أخرجه أحمد 4/ 486 - 487 (2762)، 5/ 442 (3485)، وابن حبان 14/ 430 (6502)، والحاكم 1/ 268 (583).
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح
…
، ولم يخرجاه». وقال الهيثمي في المجمع 8/ 228 (13872):«رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح» . وقال الألباني في الصحيحة 6/ 781 - 782 (2824): «وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن يحيى بن سليم، وهو الطائفي، فيه كلام من جهة حفظه، لكنه قد تُوبع مِن جَمْعٍ، فأمنّا بذلك سوء حفظه، وصحّ الحديث والحمد لله» .
30652 -
عن المُطَّلِبِ بن أبي وداعَةَ -من طريق عُبَيْد بن عُمَيْر- قال: إنّ أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يَأْتَمِرُ بك قومُك؟ قال: «يُريدون أن يَسجُنوني، أو يَقْتلوني، أو يُخْرجوني» . قال: مَن حَدَّثك بهذا؟ قال: «رَبِّي» . قال: نِعْمَ الربُّ ربُّك، فاستوصِ به خيرًا. قال:«أنا أستوصِي به! بل هو يستوصِي بي» . فنزلت: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية
(1)
. (7/ 98)
30653 -
عن عُبَيْد بن عُمَيْر -من طريق عطاء- قال: لَمّا ائْتَمَروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليُثبِتوه، أو يَقْتُلوه، أو يُخْرِجوه، قال له عمُّه أبو طالب: هل تَدري ما ائْتَمروا بك؟ قال: «يريدون أن يسجُنوني، أو يَقْتلوني، أو يُخْرجوني» . قال: مَن حدَّثك بهذا؟ قال: «ربِّي» . قال: نِعْم الربُّ ربُّك، استوصِ به خيرًا. قال:«أنا أستوصِي به! بل هو يستوصِي بي»
(2)
[2789]. (7/ 98)
30654 -
عن مِقْسَمِ بنِ بُجْرَةَ -من طريق معمر- في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} ، قالا: تشاوَروا فيه ليلة وهم بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأَوْثِقوه
[2789] انتقد ابن كثير (7/ 59) مستندًا إلى مخالفة التاريخ، ومستندًا إلى الدلالة العقلية، وأقوال السلف قولَ المطلب بن أبي وداعة، وعبيد بن عمير، فقال: «وذِكْر أبي طالب في هذا غريبٌ جدًّا، بل منكر؛ لأن هذه الآية مدنية، ثم إن هذه القصة، واجتماع قريش على هذا الائتِمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل، إنما كان ليلة الهجرة سواء، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين، لَمّا تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد موت عمه أبي طالب، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه، والدليل على صحة ما قلنا: ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي
…
». وذكر أثر ابن عباس بأنّ نفرًا من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة
…
إلخ. واستدرك ابن عطية (4/ 172) على قولهما، فقال:«وهذا المَكْرُ الذي ذَكَره الله في هذه الآية هو بإجماع من المفسرين إشارةٌ إلى اجتماع قريش في دار النَّدْوَة بمَحْضَر إبليس في صورة شَيْخٍ نَجْدِيٍّ على ما نَصَّ ابن إسحاق في سِيَرِه. الحديث بطوله، وهو الذي كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بسببه، ولا خلاف أن ذلك كان بعد موت أبي طالب» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 11/ 133.
(2)
أخرجه ابن جرير 11/ 133 - 134، وابن أبي حاتم 5/ 1688 (8998) مرسلا.
بالوَثاق. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخْرِجوه. فلما أصْبَحوا رَأَوْا عَلِيًّا، فرَدَّ الله مَكْرهم
(1)
. (ز)
30655 -
قال مجاهد بن جبر -من طريق ابن جُرَيْج-: هذه مكية
(2)
. (ز)
30656 -
عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق ابن جريج- {وإذ يمكر بك الذين كفروا} ، قال: هي مكِّية
(3)
[2790]. (7/ 98)
30657 -
عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق عبد الرزاق، عن أبيه-، قال: لَمّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار، أمَرَ عَلَيّ بن أبي طالب، فنام في مَضْجَعِهِ، فبات المشركون يحرسونه، فإذا رأوه نائمًا حسبوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم فتركوه، فلما أصبحوا ثاروا إليه وهم يحسبون أنّه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هم بعلي، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. قال: فرَكِبوا الصَّعْب والذَّلُول في طلبه
(4)
. (ز)
30658 -
عن معاوية بن قُرَّةَ: أنّ قريشًا اجتمَعتْ في بيتٍ، وقالوا: لا يَدْخُلْ معكم اليوم إلا مَن هو منكم. فجاء إبليس، فقالوا له: مَن أنت؟ قال: شيخٌ مِن أهل نجد، وأنا ابن أختكم. فقالوا: ابن أخت القوم منهم. فقال بعضهم: أوْثِقوه. فقال: أيَرْضى بنو هاشم بذلك؟ فقال بعضهم: أخْرِجوه. فقال: يُؤْوِيه غيرُكم. فقال أبو جهل: لِيَجْتَمِعْ مِن كلِّ بني أبٍ رجلٌ فيَقتُلوه. فقال إبليس: هذا الأمرُ الذي قال الفتى. فأنزل الله هذه الآية: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} إلى آخر الآية
(5)
.
(7/ 100)
30659 -
عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- قال: دَخَلوا دار النَّدْوَة يَأْتَمِرون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا يدخُلْ معكم أحدٌ ليس منكم. فدخل معهم الشيطان في صورة شيخٍ مِن أهل نجد، فتشاوروا، فقال رجل منهم: أرى أن تُرْكِبوه بعيرًا، ثم تُخرِجوه.
[2790] رجّح ابن عطية (4/ 171) أنّ هذه الآية مدنية كسائر السورة بقوله: «وهذا هو الصواب» . ولم يذكر مستندًا.
ثم وجَّه ابنُ عطية (4/ 171) قولَ مجاهد، وعكرمة من طريق ابن جريج قائلًا:«ويحتمل عندي قول عكرمة ومجاهد: هذه مكية. أنْ أشارا إلى القصة لا إلى الآية» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 11/ 136.
(2)
أخرجه ابن جرير 11/ 140.
(3)
أخرجه ابن جرير 11/ 140 - 141. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
(4)
أخرجه عبد الرزاق 1/ 279، وابن جرير 11/ 136.
(5)
عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
فقال الشيطان: بِئْسَما رأى هذا، هو قد كاد أن يُفْسِدَ فيما بينكم وهو بين أظهُرِكم، فكيف إذا أخْرَجتُموه فأَفْسَد الناس، ثم حَمَلهم عليكم يُقاتِلونكم؟! قالوا: نِعْمَ ما رأى هذا الشيخ. فقال قائل آخر: فإنِّي أرى أن تجعلوه في بيتٍ، وتُطَيِّنوا عليه بابَه، وتَدَعوه فيه حتى يموت. فقال الشيطان: بِئْسَما رأى هذا، فتَرى قومَه يَتْرُكونه فيه؟! لا بُدَّ أن يغضبوا له فيُخرِجوه. فقال أبو جهل: فإني أرى أن تُخرِجوا من كلِّ قبيلة رجلًا، ثم يأخذوا أسيافَهم، فيَضرِبونه ضربةً واحدة، فلا يُدرى مَن قتَله، فتَدُونَه
(1)
. (ز)
فقال الشيطان: نِعْمَ ما رأى هذا. فأطلع الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ فخرج هو وأبو بكر إلى غارٍ في جبل يقال له: ثَوْر. وقام عَلِيٌّ عَلى فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وباتوا يَحْرُسونه يحسَبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فإذا هم بعليٍّ، فقالوا: أين صاحبك؟ فقال: لا أدري. فاقْتَصُّوا أثَرَه حتى بلَغُوا الغار، ثم رجَعوا، ومكث فيه هو وأبو بكر ثلاث ليالٍ
(2)
. (7/ 99)
30660 -
عن إسماعيل السُّدِّي -من طريق أسباط -: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} ، قال: اجتمعت مَشْيَخَةُ قريش يتشاورون في النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أسْلَمَت الأنصار، وفَرِقُوا
(3)
أن يَتَعالى أمرُه إذا وجَد مَلْجَأً لَجَأَ إليه. فجاء إبليس في صورة رجل من أهل نجد، فدخل معهم في دار النَّدْوَة، فلَمّا أنكروه قالوا: من أنت؟! فوالله ما كلّ قومنا أعْلَمْناهم مَجْلِسَنا هذا. قال: أنا رجل من أهل نجد، أسمع من حديثكم، وأُشِير عليكم. فاستحيوا، فخَلّوا عنه. فقال بعضهم: خذوا محمدًا إذا اصطبح على فراشه، فاجعلوه في بيت نتربص به رَيْبَ المَنُون -والرَّيْب: هو الموت، والمَنُون: هو الدهر-. قال إبليس: بِئْسَما قلتَ، تجعلونه في بيت فيأتي أصحابه فيخرجونه؛ فيكون بينكم قتال، قالوا: صدق الشيخ. قال: أخْرِجوه من قريتكم. قال إبليس: بِئْسَما قلتَ، تخرجونه من قريتكم وقد أفْسَد سفهاءكم، فيأتي قريةً أخرى فيفسد سفهاءهم، فيأتيكم بالخيل والرجال. قالوا: صدق الشيخ. قال أبو جهل -وكان أوْلاهم بطاعة إبليس-: بل نَعْمِدُ إلى كل بَطْن من بُطُون قريش، فنُخْرِج منهم رَجُلًا، فنعطيهم السلاح، فيَشِدُّون
(1)
أي: تعطون ديته. النهاية (ودا).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9743). وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد. كما أخرجه ابن جرير 11/ 136 بنحوه مختصرًا جدًّا. مرسلًا.
(3)
أي: فزعوا. النهاية (فرق).
على محمد جميعًا، فيضربونه ضربة رجل واحد، فلا يستطيع بنو عبد المطلب أن يقتلوا قريشًا، فليس لهم إلا الدِّيَة. قال إبليس: صدق هذا الفتى، هو أجْوَدُكم رأيًا. فقاموا على ذلك، وأخبر اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم، فنام على الفراش، وجعلوا عليه العيون. فلما كان في بعض الليل، انطلق هو وأبو بكر إلى الغار، ونام عليُّ بن أبي طالب على الفراش، فذلك حين يقول الله:{ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} . والإثْبات: هو الحبس والوَثاق، وهو قوله:{وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا} [الإسراء: 76]، يقول: يهلكهم. فلَمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لَقِيَه عمر، فقال له: ما فَعَل القوم؟ وهو يرى أنهم قد أُهْلِكوا حين خَرَج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظْهُرهم، وكذلك كان يُصْنَع بالأمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أُخِّرُوا بالقتال»
(1)
. (ز)
30661 -
قال محمد بن السائب الكلبي: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية، بَلَغَنا: أنّ عِصابة من قريش اجتمعوا في دار النَّدْوَة يمكرون بنبي الله، فدخل معهم إبليس، عليه ثياب، له أظفار، في صورة شيخ كبير، فجلس معهم، فقالوا: ما أدْخَلَك في جماعتنا بغير إذننا؟ فقال لهم: أنا رجل من أهل نجد، قدمت مكة، فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأقتبس منكم خيرًا، ورأيت وجوهكم حسنة وريحكم طيبة؛ فإن أحببتم جلست معكم، وإذا كرهتم مجلسي خرجت. فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد ليس من أهل تهامة، فلا بأس عليكم منه تتكلموا بالمكر بنبي الله، فقال البَخْتَرِيُّ بنُ هشام -أحد بني أسَد بن عبد العُزّى-: أمّا أنا فأرى لكم من الرَّأْي أن تأخذوا محمدًا، فتجعلوه في بيت، ثم تَسُدُّوا عليه بابَه، وتجعلوا فيه كُوَّة يُدْخَل إليه منها طعامه وشرابه، ثم تَذَرُوه فيه حتى يموت، فقال القوم: نِعْمَ الرَّأْيُ رَأَيْتَ. فقال إبليس: بِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتُم، تعمدون إلى رجل له فيكم صَغْوٌ، وقد سَمِع به من حولكم، فتحبسونه، وتطعمونه وتسقونه، فيوشك الصَّغْوُ الذي له فيكم أن يقاتلوكم عليه، فتفسد فيه جماعتكم، وتسفك فيه دماؤكم. فقالوا: صدق والله. ثم تكلم أبو الأسود -وهو هاشم بن عمير بن ربيعة أحد بني عامر بن لؤي- فقال: أمّا أنا، فأرى أن تحملوا محمدًا على بعير، ثم تُخْرِجوه من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم. فقالوا: نِعْمَ الرَّأْيُ رَأَيْت. فقال إبليس: بِئْسَ الرَّأْيُ رأيتم، تعمدون إلى
(1)
أخرجه ابن جرير 11/ 137 مرسلا.
رجل أفسد جماعتكم، واتَّبَعَتْه منكم طائفة، فتخرجونه إلى غيركم، فيأتيهم فيفسدهم كما أفسدكم، يوشك والله أن يميل بهم عليكم. قالوا: صدق والله. ثم تكلم أبو جهل، فقال: أمّا أنا فأرى من الرَّأْيِ أن تأخذوا من كل بطنٍ من قريش رجلًا، ثم تُعْطُوا كلَّ رجل منهم سيفًا، فيأتونه فيضربونه جميعًا، فلا يدري قومُه مَن يَأْخُذُون به، وتُودِي قريش دِيَتَه. فقال إبليس: صدق والله هذا الشاب؛ إن الأمر لكَما قال. فاتَّفَقُوا على ذلك، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأمره بالخروج، فخرج من ليلته إلى المدينة، فدخل الغار. قال الله:{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}
(1)
. (ز)
30662 -
قال مقاتل بن سليمان: {وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وذلك أن نفرًا من قريش؛ منهم أبو جهل بن هشام، وعُتْبَة بن ربيعة، وهشام بن عمرو، وأبو البَخْتَرِيِّ بن هشام، وأُمَيَّة بن خلف، وعُقْبَة بن أبى مُعَيْط، وعُيَيْنَة بن حِصْن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنَّضْر بن الحارث، وأُبَيّ بن خلف، اجتمعوا في دار الندوة بمكة [يومًا]-وهو يوم السبت-؛ ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم إبليس في صورة رجل شيخ كبير، فجلس معهم. فقالوا: ما أدْخَلَك في جماعتنا بغير إذننا؟ قال: إنَّما أنا رجل من أهل نجد، ولست من أهل تهامة، قدمت مكة، فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيّبة ريحكم، نَقِيَّة ثيابكم، فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأستر عليكم، فإن كرهتم مجلسي خرجت من عندكم. فقالوا: هذا رجل من أهل نجد، وليس من أهل تهامة؛ فلا بأس عليكم منه، فتَعَمَّلوا بالمكر بمحمد. فقال أبو البَخْتَرِيِّ بن هشام من بني أسد بن عبد العُزّى: أما أنا فرأيي أن تأخذوا محمدًا فتجعلوه في بيت، وتَسُدُّوا بابَه، وتَدَعُوا له كُوَّة يُدْخَل منها طعامه وشرابه حتى يموت. قال إبليس: بِئْسَ والله الرأَّيُ رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكم صَغْوٌ قد سمع به من حولكم فتحبسونه، فتطعمونه وتسقونه، فيوشك الصَّغْوُ الذي له فيكم أن يقاتلكم عليه، فيفسد جماعتكم، ويسفك دماءكم. فقالوا: صدق والله الشيخ. فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لُؤَيّ: أمّا أنا فرأيي أن تحملوا محمدًا على بعير، فيُخْرَج من أرضكم، فيَذْهَب حيث شاء، 3 ويليه غيرُكم. قال إبليس: بِئْسَ والله الرأيُ رأيتم، تعمدون إلى رجل قد شَتَّت وأفسد جماعتكم، واتَّبعه منكم طائفة، فتُخرجوه إلى غيركم، فيفسدهم كما أفسدكم،
(1)
ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين 2/ 174 - 175 - .
فيوشك والله أن يُقْبِل بهم عليكم، ويتولى الصَّغْوُ الذي له فيكم. قالوا: صدق والله الشيخ. فقال أبو جهل بن هشام المخزومي: أما أنا فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش، فتأخذوا من كل بَطْن رجلًا، ثم تُعْطُوا كلَّ رجل منهم سيفًا، فيضربونه جميعًا بأسيافهم، فلا يدري قومُه من يأخذون به، وتُؤَدِّي قريشٌ دِيَتَه. قال إبليس: صدق والله الشاب، إن الأمر لَكَما قال. فتَفَرَّقوا على قول أبي جهل، فنزل جبريل عليه السلام، فأخبره بما ائتمر به القوم، وأمره بالخروج، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى الغار، وأنزل الله عز وجل:{وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}
(1)
. (ز)
30663 -
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} إلى آخر الآية، قال: اجْتَمَعوا، فتَشاوَرُوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقتلوا هذا الرجل. فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلا قُتِل به. قالوا: خذوه فاسجنوه، واجعلوا عليه حديدًا. قالوا: فلا يدعكم أهلُ بيته. قالوا: أخْرِجُوه. قالوا: إذًا يَسْتَغْوِي الناسَ عليكم. قال: وإبليس معهم في صورة رجلٍ من أهل نجد، واجتمع رأيُهم أنّه إذا جاء يطوف البيت ويستلم أن يجتمعوا عليه فَيَغُمُّوهُ
(2)
ويقتلوه، فإنه لا يدري أهلُه مَن قتله، فيرضون بالعَقْل، فنقتله ونستريح ونَعْقِله. فلَمّا أن جاء يطوف بالبيت اجتمعوا عليه، فَغَمَّوهُ، فأتى أبو بكر، فقيل له ذاك، فأتى فلم يجد مدخلًا، فلَمّا أن لم يجد مدخلًا قال:{أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} [غافر: 28]؟ قال: ثم فَرَّجَها اللهُ عنه، فلَمّا أن كان الليل أتاه جبريل عليه السلام، فقال: مَن أصحابُك؟ فقال: فلان، وفلان، وفلان. فقال: لا، نحن أعلم بهم منك يا محمد، هو ناموس ليل. قال: وأُخِذَ أولئك من مضاجعهم وهم نيام، فأُتِي بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقَدِم أحدُهم إلى جبريل، فكَحَلَه، ثم أرسله، فقال: ما صورته، يا جبريل؟ قال: كُفِيتَه، يا نبي الله. ثم قدم آخر، فنَقَر فوق رأسه بِعَصًا نقرةً، ثم أرسله، فقال: ما صورته، يا جبريل؟ فقال: كُفِيتَه يا نبي الله. ثم أُتِيَ بآخر، فنقر في ركبته، فقال: ما صورته، يا جبريل؟ قال: كُفِيتَه. ثم أُتِي بآخر، فسقاه مَذْقَةً
(3)
، فقال: ما صورته، يا جبريل؟ قال: كُفِيتَه، يا نبي الله. وأُتِيَ بالخامس، فلما غَدا من بيته مَرَّ بنِبالٍ، فتَعَلَّق مِشْقَصٌ
(4)
برِدائِه فالتَوى، فقطع
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 110 - 112.
(2)
أي: يُغَطُّوه. اللسان (غم).
(3)
المَذْقَة: الشربَةُ من اللبن المَمْذُوق. النهاية (مذق).
(4)
المِشْقَص: نَصْلُ السهم إذا كان طويلًا غير عريض. النهاية (شقص).