الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرَّشوا الجماعة، فأفشوا فيهم خبر الشر، فماتوا كلهم بغتة، وعاش يوشع وكالب بن يوفنا من الرهط الذين انطلقوا يتحسسون الأرض. فلما قال موسى عليه السلام هذا الكلام كله لبني إسرائيل حَزِن الشعب حزنًا شديدًا، وغدوا فارتقوا إلى رأس الجبل، وقالوا: نرتقي الأرض التي قال -جل ثناؤه- من أجل أنا قد أخطأنا. فقال لهم موسى: لم تعتدون في كلام الله؟ من أجل ذلك لا يصلُحُ لكم عمل، ولا تصعدوا من أجل أنّ الله ليس معكم، فالآن تنكسرون من قدام أعدائكم من أجل العمالقة والكنعانيين أمامكم، فلا تقعوا في الحرب من أجل أنكم انقلبتم على الله، فلم يكن الله معكم. فأخذوا يرقون في الجبل، ولم يبرح التابوت الذي فيه مواثيق الله -جل ذكره- وموسى من المحلة -يعني: من الخيمة- حتى هبط العماليق والكنعانيون في ذلك الحائط، فحرقوهم، وطردوهم، وقتلوهم. فتيَّههم الله -عزَّ ذكره- في التيه أربعين سنة بالمعصية، حتى هلك مَن كان استوجب المعصية من الله في ذلك. قال: فلما شَبَّ النواشِئُ من ذراريهم، وهلك آباؤهم، وانقضت الأربعون سنة التي تُيِّهوا فيها؛ سار بهم موسى، ومعه يوشع بن نون وكالب بن يوفنا -وكان فيما يزعمون على مريم ابنة عمران أخت موسى وهارون، وكان لهما صهرًا-، قدَّم يوشع بن نون إلى أريحاء في بني إسرائيل، فدخلها بهم، وقتل الجبابرة الذين كانوا فيها، ثم دخلها موسى ببني إسرائيل، فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم، ثم قبضه الله إليه، لا يعلم بقبره أحدٌ من الخلائق
(1)
. (ز)
22122 -
قال يحيى بن سلام: دخلها أبناؤهم، ويوشع بن نون، وكالوب
(2)
. (ز)
22123 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- قال: تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة، يُصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا في تيههم
(3)
[2035]. (5/ 254)
[2035] لم يذكر ابنُ جرير (8/ 315) في صفة تِيهِهِم سوى أثر مجاهد، والربيع من طريق أبي جعفر.
ونقل ابنُ عطية (3/ 143) عن مجاهد وغيره قوله: «كانوا يسيرون النهار أحيانًا، والليل أحيانًا، فيمسون حيث أصبحوا، ويصبحون حيث أمسوا، وذلك في مقدار ستة فراسخ» . ثم ذكر احتمالًا آخر: «أن يكون تيههم بافتراق الكلمة، وقلة اجتماع الرأي، وأنّ الله تعالى رماهم بالاختلاف، وعلموا أنها قد حرمت عليهم أربعين سنة، فتفرقت منازلهم في ذلك الفحص، وأقاموا ينتقلون من موضع إلى موضع على غير نظام واجتماع، حتى كملت هذه المدة، وأذن الله بخروجهم» . ثم علَّق على هذا الاحتمال وعلى قول مجاهد بقوله: «وهذا تِيهٌ ممكن محتمل على عرف البشر، والآخر الذي ذكر مجاهد إنما هو خَرْقُ عادة وعجب من قدرة الله تعالى» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 8/ 310.
(2)
تفسير ابن أبي زمنين 2/ 21.
(3)
أخرجه ابن جرير 8/ 315. وذكره يحيى ين سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين 2/ 21 - بلفظ: كانوا يصبحون حيث يمسون، ويمسون حيث يصبحون، وفي تيههم ذلك ضرب لهم موسى الحجر.
22124 -
عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- أنّ تيههم ذلك أنّهم كانوا يصبحون أربعين سنة، كل يوم جادِّين في قدر ستة فراسخ للخروج منه، فيمسون في الموضع الذي ابتدؤوا السير منه
(1)
. (ز)
22125 -
قال مقاتل بن سليمان: {يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} في البَرِّيَّةِ، فأعمى الله عز وجل عليهم السبيل، فحبسهم بالنهار، وسيرهم بالليل، يسهرون ليلهم فيصبحون حيث أمسوا، فإذا بلغ أجلُهم وهو أربعون سنة أرسلت عليهم الموت، فلا يدخلها إلا خلوفهم، إلا يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا، فهما يسوقان بني إسرائيل إلى تلك الأرض، فتاه القوم في تسع فراسخ عرض وثلاثين فرسخًا طول، وقالوا أيضًا: ستة فراسخ عرض في اثني عشر فرسخًا طول. فقال القوم لموسى عليه السلام: ما صَنَعْتَ بنا، دعوتَ علينا حتى بقينا في التيه؟! وندم موسى عليه السلام على ما دعا عليهم، وشقَّ عليه حين تاهوا، فأوحى الله عز وجل إليه:{فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ} يعني: لا تحزن على قوم أنت سميتهم فاسقين أن تاهوا. ثم مات هارون عليه السلام في التيه، ومات موسى من بعده بستة أشهر، فماتا جميعًا في التيه، ثم إنّ الله عز وجل أخرج ذرياتهم بعد أربعين سنة وقد هلكت الأمةُ العصاةُ كلها، وخرجوا مع يوشع بن نون ابن أخت موسى، وكالب بن يوقنا، بعد وفاة موسى عليه السلام بشهرين، فأتوا أريحا، فقاتلوا أهلها، ففتحوها، وقتلوا مقاتلتهم، وسبوا ذراريهم، وقتلوا ثلاثة من الجبارين، وكان قاتلُهم يوشعَ بن نون، فغابت الشمس، فدعا يوشع بن نون، فردَّ الله عز وجل عليه الشمس، فأطلعت ثانية، وغابت الشمس الثانية، ودار الفلك،
(1)
أخرجه ابن جرير 8/ 315.