الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22446 -
قال مقاتل بن سليمان: {ألَمْ تَعْلَمْ} يا محمد {أنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ} يحكم فيهما بما يشاء، {يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ} من أهل معصيته، {ويَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ} يعني به: المؤمنين، {واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ} من العذاب والمغفرة {قَدِيرٌ}
(1)
. (ز)
{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(41)}
نزول الآية:
22447 -
عن أبي هريرة: أنّ أحبار يهود اجتمعوا في بيت المِدْراس حين َقدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد زنى رجل بعد إحصانه بامرأةٍ من يهود وقد أُحْصِنت، فقالوا: ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد، فاسألوه كيف الحكمُ فيهما، وولُّوه الحكم فيهما، فإن عَمِل فيهما بعملكم من التَّجْبِيهِ -والتَّجْبِيهُ: الجلد بحبل من لِيف مَطْلِيٍّ بقارٍ، ثم تُسوَّدُ وُجوهُهما، ثم يُحمَلان على حمارَيْن، وُجوهُهما من قِبَل أدْبار الحمار- فاتَّبِعوه؛ فإنما هو ملِكٌ سَيِّدُ قومٍ، وإن حكَم فيهما بالرَّجْم فإنّه نبي، فاحذروه على ما في أيديكم أن يَسْلُبَكم. فأتَوْه، فقالوا: يا محمد، هذا رجلٌ قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت، فاحكم فيهما، فقد ولَّيناك الحكمَ فيهما. فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المِدْراس، فقال:«يا معشر يهود، أخرِجوا إلَيَّ علماءكم» . فأخرجوا إليه عبد الله بن صُورِيا، وأبا ياسر بن أخطب، ووهب بن يَهوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤُنا. فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حصَّل أمرَهم
(2)
، إلى أن قالوا لعبد الله بن صُوريا: هذا أعلمُ مَن بَقِيَ بالتوراة. فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان غلامًا شابًّا مِن أحدثِهم سِنًّا، فألَظَّ
(3)
به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة، يقول: «يا ابن
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 474.
(2)
حصَّلت الأمر: حققته وأثبته. النهاية (حصل).
(3)
يقال: ألَظَّ بالشيء يُلِظُّ إلْظاظًا، إذا لَزمه وثابر عليه. النهاية (لظظ).
صُورِيا، أنشُدُك اللهَ وأُذَكِّرُك أيّامَه عند بني إسرائيل، هل تعلم أنّ الله حكم في مَن زنى بعد إحصانه بالرَّجم في التوراة؟». فقال: اللَّهُمَّ نعم، أما واللهِ، يا أبا القاسم، إنّهم لَيعرِفون أنّك نبي مُرْسَل، ولكنهم يحسدونك. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرَ بهما، فرُجِما عند باب مسجده، ثم كفر بعد ذلك ابن صُورِيا، وجحد نُبُوَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله:{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} الآية
(1)
. (5/ 300)
22448 -
عن أبي هريرة، قال: أولُ مَرْجوم رجَمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود؛ زنى رجلٌ منهم وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي؛ فإنّه نبي بُعِث بتخفيف، فإن أفتانا بفُتيا دونَ الرَّجْم قَبِلناها، واحتَججْنا بها عند الله، وقلنا: فُتيا نبي مِن أنبيائك. قال: فأتَوُا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد وأصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تَرى في رجل وامرأة منهم زنَيا؟ فلم يُكلِّمْهم كلمةً حتى أتى بيت مِدْراسِهم، فقام على الباب، فقال:«أنشُدُكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تَجِدون في التوراة على مَن زنى إذا أحْصَن؟» . قالوا: يُحَمَّمُ، ويُجَبَّهُ، ويُجْلَدُ. -والتَّجْبِيهُ: أن يُحْمَلَ الزانيان على حمار، ويُقابلَ أقفيتُهما، ويطافَ بهما-، وسكت شابٌّ منهم، فلمّا رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكَت ألَظَّ به النِّشْدَةَ، فقال: اللَّهُمَّ إذ نَشَدْتَنا، فإنّا نَجِدُ في التوراة الرجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«فما أول ما ارتخَصْتُم أمرَ الله؟» . قال: زنى رجلٌ ذو قرابة مِن ملك من ملوكنا، فأخَّر عنه الرجم، ثم زنى رجلٌ في أُسْرَةٍ
(2)
من الناس، فأراد رجمه فحال قومُه دونَه، وقالوا: واللهِ، لا يُرْجَمُ صاحبُنا حتى تجيء بصاحبِك فتَرْجمَه. فاصَّلحوا هذه العقوبة بينهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فإني أحكُمُ بما في التوراة» . فأمَر بهما فَرُجِما. قال الزهري: فبلَغَنا: أنّ هذه الآية نزلت فيهم: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا} [المائدة: 44]. فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم
(3)
. (5/ 301)
(1)
أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام 1/ 564 - 565 - ، والبيهقي في الكبرى 8/ 430 - 431 (17119)، وابن جرير 8/ 414 - 415، من طريق الزهري، عن رجل من مزينة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.
في إسناده رجلٌ مبهم، وهو الرجل من مزينة، ولكن في رواية أبي داود قال الزهري عن الرجل المزني:«ممّن يتبع العلم ويعيه» ، وسيأتي التصريح بذلك، ويأتي ثبوت الحديث بألفاظ مقاربة.
(2)
الأسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته؛ لأنه يتقوى بهم. النهاية (أسر).
(3)
أخرجه أبو داود 6/ 498 - 501 (4450)، وعبد الرزاق في المصنف 7/ 316 - 318 (13330) واللفظ له، وفي تفسيره 2/ 17 - 18 (706)، وابن جرير 8/ 450 - 451، من طريق الزهري، عن رجل من مزينة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.
وتقدم الكلام على الإسناد في الحديث السابق، وأما سبب نزول الآية فهو غير مسندٍ؛ حيث قال الزهري: فبلغنا أنّ هذه الآية نزلت فيهم.
22449 -
عن الزهري، قال: كنتُ جالسًا عند سعيد بن المسيب، وعند سعيد رجل يوقره، فإذا هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الحديبية، وكان من أصحاب أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
، إذ جاءه رجل من اليهود، وكانوا قد أشاروا في صاحب لهم زَنى بعد ما أُحْصِن، فقال بعضهم لبعض: إنّ هذا النبي قد بُعِث، وقد علمتم أن قد فُرِض عليكم الرجم في التوراة فكتمتموه، واصَّلَحْتُم بينكم على عقوبة دونه، فانطلقوا فنسأل هذا النبي، فإن أفتانا بما فُرِض علينا في التوراة من الرجم تركنا ذلك، فقد تركنا ذلك في التوراة، فهي أحق أن تُطاع وتُصَدَّق. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، إنّه زنى صاحبٌ لنا قد أُحْصِن، فما ترى عليه من العقوبة؟ قال أبو هريرة: فلم يرجع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام وقمنا معه، فانطلق يَؤُمُّ مِدْراس اليهود، حتى أتاهم، فوجدهم يتدارسون التوراة في بيت المِدْراس، فقال لهم:«يا معشر اليهود، أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ماذا تجدون في التوراة مِن العقوبة على مَن زنى وقد أُحْصِن؟» . قالوا: إنا نجده يُحَمَّم، ويُجْلَد. وسكت حَبْرُهم في جانب البيت، فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صمتَه ألَظَّ يَنشُدُه، فقال حبرهم: اللهم إذ نَشَدْتَنا، فإنّا نجد عليهم الرجم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله؟» . قال: زنى ابنُ عَمِّ ملكٍ فلم يرجمه، ثم زنى رجل آخر في أُسْرَة من الناس، فأراد ذلك الملك رجمه، فقام دونه قومُه، فقالوا: واللهِ، لا ترجمْه حتى ترجم فلانًا؛ ابنَ عَمِّ الملك. فاصطلحوا بينهم عقوبة دون الرجم، وتركوا الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فإني أقضي بما في التوراة» . فأنزل الله في ذلك: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}
(1)
[2078]. (ز)
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 8/ 416 - 418.
ينظر: الكلام على الحديث السابق.
22450 -
عن البراء بن عازب، قال: مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهوديٍّ مُحَمَّمًا مجلودًا، فدعاهم صلى الله عليه وسلم، فقال:«هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» . قالوا: نعم. فدعا رجلًا من علمائهم، فقال:«أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟» . قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كَثُر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تَعالَوْا فلْنَجْتَمِع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع. فجعلنا التَّحْمِيم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ، إنِّي أولُ مَن أحيا أمرَك إذْ أماتوه» . فأمر به، فرُجم؛ فأنزل الله عز وجل:{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه} [المائدة: 41]. يقول: ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} ، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} في الكفار كلها
(1)
[2079].
(5/ 302)
22451 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- في قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} ، قال: هم اليهود، زنت منهم امرأة، وقد
[2079] علَّقَ ابنُ كثير (5/ 224) على حديث البراء هذا بقوله: «انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من غير وجه، عن الأعمش، به» .
_________
(1)
أخرجه مسلم 3/ 1327 (1700)، وابن جرير 8/ 415 - 416، 460، وابن أبي حاتم 4/ 1132 (6365)، 4/ 1148 (6461).
كان حُكمُ الله في التوراة في الزِّنا الرجم، فنَفِسُوا
(1)
أن يَرْجموها، وقالوا: انطلقوا إلى محمد، فعسى أن يكون عنده رخصة، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها. فأتَوه، فقالوا: يا أبا القاسم، إنّ امرأة مِنّا زنت، فما تقول فيها؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«كيف حُكمُ الله في التوراة في الزاني؟» . قالوا: دعْنا من التوراة، ولكن ما عندك في ذلك؟ فقال:«ائْتُوني بأعلمكم بالتوراة التي أُنزِلت على موسى» . فقال لهم: «بالذي نجّاكم من آل فرعون، وبالذي فلق البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون، إلا أخبرتموني ما حُكمُ الله في التوراة في الزاني؟» . قالوا: حُكمُه الرجم. فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرُجِمت
(2)
[2080]. (5/ 304)
22452 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة- قال: إنّ الله أنزل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ، {الظالمون} ، {الفاسقون} . أنزلها الله في طائفتين من اليهود، قَهَرَتْ إحداهما الأخرى في الجاهلية، حتى ارتضَوا واصطَلَحوا على أنّ كل قتيلٍ قَتَلتْه العزيزة من الذَّليلة فَدِيَتُه خمسونَ وسْقًا، وكل قتيلٍ قَتَلتْه الذّليلة من العزيزة فَدِيتُه مائةُ وسْقٍ، فكانوا على ذلك حتى قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فذلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ لم يَظهرْ عليهم، فقتَلتِ الذَّليلة من العزيزة قتيلًا، فأرسَلَتِ العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق. فقالت الذَّليلة: وهل
_________
(1)
نَفِسوا: ضَنّوا وبخلوا. لسان العرب (نفس).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 257 (13033)، وابن جرير 8/ 425 - 426.
إسناده جيد. ينظر: مقدمة الموسوعة.
كان هذا في حَيَّيْنِ قَطُّ، دينُهما واحد، ونسَبُهما واحد، وبلدُهما واحد، وديةُ بعضهم نصفُ ديةِ بعضٍ؟! إنما أعطيناكم هذا ضَيْمًا منكم لنا، وفَرَقًا منكم، فأمّا إذ قَدِم محمدٌ فلا نعطيكم ذلك. فكادت الحرب تَهِيج بينهم، ثم ارْتَضَوا على أن جعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ففكرت العزيزة، فقالت: واللهِ، ما محمد بمُعْطِيكم منهم ضعفَ ما يُعْطِيهم منكم، ولقد صدَقوا، ما أعطونا هذا إلا ضَيْمًا وقهرًا لهم، فَدُسُّوا إلى محمد مَن يَخبُرُ لكم رأيَه، فإن أعطاكم ما تريدون حكَّمتُموه، وإن لم يُعْطِكموه حَذِرتموه فلم تُحكِّموه. فَدَسَّوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من المنافقين يَختَبِروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه أخبر اللهُ رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كلِّه وماذا أرادوا؛ فأنزل الله:{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} . ثم قال: فيهم -واللهِ- أُنزِلت، وإياهم عَنى الله
(1)
. (5/ 298)
22453 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- {آمنا بأفواههم} ، قال: يقول: المنافقون
(2)
. (ز)
22454 -
عن عامر الشَّعْبِيّ -من طريق زكريا- في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} ، قال: كان رجل من اليهود قتَل رجلًا من أهل دينه، فقالوا لحلفائهم من المسلمين: سلُوا محمدًا؛ فإن كان يقضي بالدِّيَة اختصمنا إليه، وإن كان يقضي بالقتل لم نأْتِه
(3)
[2081]. (5/ 299)
22455 -
عن عبد الله بن كثير المكي -من طريق ابن جريج- في قوله: {يا أيها
[2081] ذكر ابنُ عطية (3/ 168) أنّ قول الشعبي كقول قتادة -الآتي في تفسير قوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ} - في أمر قتل النضير وقريظة.
_________
(1)
أخرجه أحمد 4/ 88 - 89 (2212)، وابن جرير 8/ 461 بنحوه وأوقفه على عبيد الله.
قال الهيثمي في المجمع 7/ 16: «روى أبو داود بعضه، رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفيه عبدالرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف، وقد وثّق، وبقية رجال أحمد ثقات» . وقال الألباني في الصحيحة 6/ 109 (2552): «تحسين هذا الإسناد هو الذي تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف» .
(2)
تفسير مجاهد ص 308، وأخرجه ابن جرير 8/ 418. وعلَّقه ابن أبي حاتم 4/ 1130 (6352) وذلك في بيان أنهم المنافقون.
(3)
أخرجه ابن جرير 8/ 413 - 414. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ.
الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}، قال: هم المنافقون
(1)
. (ز)
22456 -
عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- في قوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} ، قال: نزلت في رجل من الأنصار، زعموا أنه أبو لبابة، أشارت إليه بنو قريظة يوم الحِصارِ: ما الأمرُ، عَلامَ ننزِلُ؟ فأشار إليهم: إنّه الذبح
(2)
[2082]. (5/ 305)
22457 -
عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قوله: {ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم} ، فإنّ بني إسرائيل أنزل الله عليهم: إذا زنى منكم أحدٌ فارجموه. فلم يزالوا بذلك حتى زنى رجلٌ مِن خيارهم، فلما اجتمعت بنو إسرائيل يرجمونه، قام الخيار والأشراف فمنعوه، ثم زنى رجل من الضعفاء، فاجتمعوا ليرجموه، فاجتمعت الضعفاء، فقالوا: لا ترجموه حتى تأتوا بصاحبكم فترجمونهما جميعًا. فقالت بنو إسرائيل: إنّ هذا الأمر قد اشتدَّ علينا، فتعالوا فلنصلحه. فتركوا الرجم، وجعلوا مكانه أربعين جلدة بحبل مُقَيَّرٍ، ويحملونه على حمار، ووجهه إلى ذَنَبه، ويُسَوِّدون وجهه، ويطوفون به. فكانوا يفعلون ذلك حتى بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة، فزنت امرأة من أشراف اليهود يُقال لها: بُسْرَةُ، فبعث أبوها ناسًا من أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه عن الزنا، وما نزل إليه فيه؛ فإنا نخاف أن يفضحنا ويخبرنا بما صنعنا، فإن أعطاكم الجلد فخذوه، وإن أمركم بالرجم فاحذروه. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه، فقال:«الرجم» . فأنزل الله عز وجل: {ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك
[2082] اسْتَدْرَكَ ابنُ عطية (3/ 167 - 168) على قول السدي هذا بقوله: «هذا ضعيف، وأبو لبابة من فضلاء الصحابة، وهو وإن كان أشار بتلك الإشارة فإنّه قال: فواللهِ، ما زالت قدماي حتى علمت أنِّي خنت الله ورسوله. ثم جاء إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فربط نفسه بسارية من سواري المسجد، وأقسم أن لا يبرح كذلك حتى يتوب الله عليه، ويرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فإنما كانت تلك الإشارة منه زلة حمله عليها إشفاقٌ ما على قومٍ كانت بينه وبينهم مودة ومشاركة قديمة، رضي الله عنه وعن جميع الصحابة» .
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 8/ 418.
(2)
أخرجه ابن جرير 8/ 413، وابن أبي حاتم 4/ 1130 (6353). وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.
يحرفون الكلم من بعد مواضعه} حين حرَّفوا الرجم فجعلوه جلدًا
(1)
[2083][2084]. (ز)
[2083] ذَهَبَ ابنُ كثير (5/ 222) إلى أنّ الآية نزلت بسبب الرجم استنادًا إلى السنة، فقال:«والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا، وكانوا قد بدَّلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم مَن أحصن منهم، فحرَّفُوه، واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة، والتحميم، والإركاب على حمارين مقلوبين، فلما وقعت تلك الكائنة بعد هجرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا فيما بينهم: تعالوا حتى نتحاكم إليه، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه، واجعلوه حجة بينكم وبين الله، ويكون نبيٌّ من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك» .ويفهم هذا أيضًا من كلام ابن عطية (3/ 165).
كما يفهم هذا من ترجيح ابن جرير (8/ 418 - 419) الآتي عند حديثه عن المعنيِّ بالآية، واختياره أنه عبد الله بن صوريا.
[2084]
أفادت الآثار اختلاف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الآية على أربعة أقوال: أولها: أنها نزلت في أبي لُبابة بن عبد المنذر، بقوله لبني قريظة حين حاصرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما هو الذَّبح، فلا تنزلوا على حكم سعد. ثانيها: أنها نزلت في رجل من اليهود سأل رجلًا من المسلمين يسألُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حُكمه في قتِيلٍ قتله. ثالثها: أنها نزلت في عبد الله بن صوريا، وذلك أنه ارتدَّ بعد إسلامه. رابعها: عُني بذلك المنافقون. ورجَّحَ ابنُ جرير (8/ 418 - 419) القولَ الثالث مستندًا إلى رواية الصحابة له، فقال: «وأَوْلى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يُقال: عني بقوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} قومٌ من المنافقين، وجائزٌ أن يكون كان مِمَّن دخل في هذه الآية ابنُ صوريا، وجائز أن يكون أبو لبابة، وجائز أن يكون غيرُهما، غير أن أثبت شيء روي في ذلك ما ذكرناه من الرواية قبلُ عن أبي هريرة والبراء بن عازب؛ لأنّ ذلك عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان ذلك كذلك كان الصحيحُ من القول فيه أن يُقال: عُنِي به: عبد الله بن صوريا. وإذا صحّ ذلك كان تأويل الآية: يا أيُّها الرسول، لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوّتك والتكذيبِ بأنك لي نبي، من الذين قالوا: صدَّقنا بك يا محمد أنك لله رسول مبعوث، وعلمنا بذلك يقينًا، بوجودنا صِفَتك في كتابنا. وذلك أنّ في حديث أبي هريرة الذي رواه ابن إسحاق =
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 8/ 421 - 422.
إسناده ضعيفٌ، فمع كون السدي أرسله ولم يسنده، فإن أسباط بن نصر والسدي فيهما مقال كما سبق. تنظر ترجمتهما في: تهذيب الكمال 2/ 357، 3/ 132.
22458 -
قال مقاتل بن سليمان: {يا أيُّها الرسول لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ} يعنى: صدقنا بألسنتهم، {ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} في السر. نزلت في أبي لبابة، اسمه مروان بن عبد المنذر الأنصاري من بني عمرو بن عوف، وذلك أنه أشار إلى أهل قريظة إلى حَلْقِه: أنّ محمدًا جاء يحكم فيكم بالموت، فلا تنزِلوا على حكم سعد بن مُعاذ، وكان حليفًا لهم. ثم قال سبحانه:{ومِنَ الَّذِينَ هادُوا} أي: ولا يحزنك الذين هادوا، يعني: يهود المدينة، {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ} يعني: قوّالون للكذب، منهم كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وأبو لبابة، وسعيد بن مالك، وابن صوريا، وكنانة ابن أبي الحقيق، وشاس بن قيس، وأبو رافع بن حريملة، ويوسف بن عازر ابن أبي عازب، وسلول بن أبي سلول، والبخام بن عمرو، وهم {سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} يعني: يهود خيبر، {لَمْ يَأْتُوكَ} يا محمد، {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ} يعني: أمر الرجم {مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ} عن بيانه في التوراة، وذلك أنّ رجلًا من اليهود يُسَمّى: يهوذا، وامرأة تُسَمّى: بسرة، من أهل
= عن الزهري: أنّ ابن صُوريا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله يا أبا القاسم، إنهم ليعلمون أنّك نبيٌّ مُرسَل، ولكنهم يحسدونك. فذلك كان -على هذا الخبر- من ابن صوريا إيمانًا برسول الله صلى الله عليه وسلم بفيه، ولم يكن مصدِّقًا لذلك بقلبه، فقال الله جل وعزّ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مُطْلِعَه على ضمير ابن صوريا وأنه لم يؤمن بقلبه، يقول: ولم يصدِّق قلبُه بأنك لله رسول مرسل».
وساق ابنُ عطية (3/ 168) خلاف المفسرين في سبب نزول الآية وفيمن عني بها، ثم بيَّن أنّ ترتيب معنى الآية بحسب أقوالهم يحتمل احتمالين: الأول: أن يكون المعنى: يا أيها الرسول لا يحزنك المسارعون في الكفر من المنافقين ومن اليهود، ويكون قوله:{سَمّاعُونَ} خبر ابتداء مضمر. الثاني: أن يكون المعنى: لا يحزنك المسارعون في الكفر من اليهود ووصفهم بأنهم {قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} إلزامًا منه ذلك لهم من حيث حرَّفوا توراتهم وبدَّلوا أحكامها، فهم يقولون بأفواههم نحن مؤمنون بالتوراة وبموسى، وقلوبهم غير مؤمنة من حيث بدلوها وجحدوا ما فيها من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما كفر منهم.
ثم علَّق على الاحتمال الثاني، بقوله:«ويؤيد هذا التأويل قوله بعد هذا: {وما أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ}، ويجيء -على هذا التأويل- قوله: {ومِنَ الَّذِينَ هادُوا} كأنه قال:» ومنهم" لكن صرح بذكر اليهود من حيث الطائفة السماعة غير الطائفة التي تبدل التوراة على علم منها». وذكر (3/ 174) أنّ قوله تعالى بعد ذلك: {وكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وما أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ} يُقوِّي هذا الاحتمال أيضًا.
خيبر من أشراف اليهود؛ زَنَيا، وكانا قد أُحْصِنا، فكرهت اليهود رجمهما من أجل شرفهما وموضعهما، فقالت يهود خيبر: نبعث بهذين إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فإنّ في دينه الضرب، وليس في دينه الرَّجْم، ونوليه الحُكْم فيهما، فإن أمركم فيهما بالضرب فخذوه، وإن أمركم فيهما بالرجم فاحذروه. فكتب يهود خيبر إلى يهود المدينة؛ إلى كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، وأبي لبابة، وبعثوا نفرًا منهم، فقالوا: سلوا لنا محمدًا عليه السلام عن الزّانِيَيْن إذا أُحْصِنا ما عليهما؟ فإن أمركم بالجلد فخذوا به، والجلد: الضَّرب بحبل من لِيف مَطْلِيٍّ بالقار، وتُسَوَّد وجوههما، ويحملان على حمار، وتُجعل وجوههما مما يلي ذَنَب الحمار، فذلك التَّجْبِيهُ، {يَقُولُونَ} أي: اليهود: {إنْ أُوتِيتُمْ هَذا فَخُذُوهُ وإنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فاحْذَرُوا} أي: إن أمركم بالرجم فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه. قال: فجاء كعب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد، وأبو لبابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أخبرنا عن الزانيين إذا أحصنا ما عليهما؟ فأتاه جبريل عليه السلام، فأخبره بالرجم، ثم قال جبريل عليه السلام: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، وسَلْهم عنه. فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارَهم في بيت المِدْراس، فقال:«يا معشر اليهود، أخْرِجوا إلَيَّ علماءَكم» . فأخرجوا إليه عبد الله بن صُوريا، وأبا ياسر بن أخطب، ووهب بن يهوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا. ثم حصر أمرهم
(1)
إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا: هذا أعلم مَن بَقِي بالتوراة. فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابْن صوريا غلامًا شابًّا، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو إله بني إسرائيل، الذي أخرجكم من مصر، وفلق لكم البحر، وأنجاكم، وأغرق آل فرعون، وأنزل عليكم كتابه يبين لَكُمْ حلاله وحرامه، وظلَّل عليكم المنَّ والسلوى، هل وجدتم في كتابكم أنّ الرجم على مَن أُحْصِن؟» . قال ابن صوريا: اللَّهُمَّ نعم، ولولا أنِّي خفت أن أحترق بالنار أو أهلك بالعذاب لكتمتك حين سألتني، ولَم أعترف لك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الله أكبر، فأنا أول مَن أحيا سُنَّةً مُن سنن الله عز وجل» . ثم أمر بهما فرُجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار، فقال عبد الله بن صوريا: واللهِ، يا
(1)
كذا أثبته محقق المصدر، وذكر أن في بعض نسخه:«ثم حصَّل أمرهم» ، وهو أشبه، ويعضده رواية أبي هريرة المتقدمة.
محمد، إنّ اليهود لتعلم أنّك نبي حقٍّ، ولكنهم يحسدونك. ثم كفر ابن صوريا بعد ذلك؛ فأنزل الله عز وجل:{يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رسولنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتابِ} [المائدة: 15] يعني: مما في التوراة من أمر الرجم، ونعت محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال:{ويَعْفُوا عَن كَثِيرٍ} فلا يخبر به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود:«إن شئتم أخبرتكم بالكثير» . قال ابن صوريا: أنشدك بالله أن تخبرنا بالكثير مما أُمِرْت أن تعفو عنه. ثم قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن ثلاث خصال لا يعلمهن إلا نبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هات، سَلْ عما شئت» . قال: أخبرني عن نومك. قال: «تنام عيني وقلبي يقظان» . قال ابن صوريا: صدقت. قال: فأخبرني عن شبه الولد؛ مِن أين يشبه الأب أو الأم؟ قال: «أيهما سبقت الشهوة له كان الشبه له» . قال: صدقت. قال: فأخبرني ما للرجل وما للمرأة من الولد؟ ومِن أيِّهما يكون؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللحم والدم والظفر والشعر للمرأة، والعظم والعصب والعروق للرجل» . قال: صدقت. قال: فمَن وزيرك من الملائكة، ومن يجيئك بالوحي؟ قال:«جبريل عليه السلام» . قال: صدقتَ، يا محمد. وأَسْلَم عند ذلك،
…
ولَمّا أرادوا القيام قالت بنو قريظة؛ أبو لبابة، وشعبة بن عمرو، ورافع بن حريملة، وشاس بن عمرو للنبي صلى الله عليه وسلم: إخواننا بني النضير، كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، وغيرهم، أبونا واحد، وديننا واحد، إذا قتل أهلُ النضير مِنّا قتيلًا أعطونا سبعين وسقًا من تمر، وإن قتلنا منهم قتيلًا أخذوا مِنّا مائة وأربعين وسقًا من تمر، وجراحاتنا على أنصاف جراحاتهم، فاقضِ بيننا وبينهم، يا محمد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنّ دم القُرَظِيِّ وفاءٌ مِن دم النَّضِيري، وليس للنَّضيري على القُرَظِيِّ فضل في الدم ولا في العقل» . قال كعب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد، وأصحابهم: لا نرضى بقضائك، ولا نطيع أمرك، ولَنَأْخُذَنَّ بالأمر الأول؛ فإنّك عدوُّنا، وما تَأْلُو أن تَضَعَنا وتَضُرَّنا. وفي ذلك يقول الله تعالى:{أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} يعني: حكمهم الأول، {ومَن أحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} يقول: فلا أحد أحسن من الله حكمًا {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وعد الله عز وجل، ووعيده
(1)
. (ز)
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 474 - 480.