الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
24359 -
عن محمد بن السائب الكلبي =
24360 -
ومقاتل: أنزل الله خبزًا، وسمكًا، وخمسة أرغفة، فأكلوا ما شاء الله تعالى، والناس ألف ونيِّف، فلما رجعوا إلى قراهم ونشروا الحديث ضحك منهم مَن لم يشهد، وقالوا: ويحكم! إنّما سَحَر أعينكم. فمَن أراد الله به الخير ثَبَّته على بصيرته، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره، ومُسِخوا خنازير ليس فيهم صبي ولا امرأة، فمكثوا بذلك ثلاثة أيام، ثم هلكوا، ولم يتوالدوا، ولم يأكلوا، ولم يشربوا، وكذلك كل ممسوخ
(1)
. (ز)
24361 -
قال مقاتل بن سليمان: {قالَ اللَّهُ} عز وجل: {إنِّي مُنَزِّلُها} يعني: المائدة {عَلَيْكُمْ} فنزلها يوم الأحد، {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ} نزول المائدة {مِنكُمْ فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذابًا لا أُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ} . فنزلت من السماء عليها سمك طريٌّ، وخبز رقاق، وتمر. وذكروا: أنّ عيسى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهم جلوس في روضة: هل مع أحد منكم شيء؟ فجاء شمعون بسمكتين صغيرتين، وخمسة أرغفة، وجاء آخر بشيء من سويق، فعمد عيسى صلى الله عليه وسلم فقطَّعهما صغارًا، وكسر الخبز فوضعها فِلَقًا فِلَقًا
(2)
، ووضع السَّويق، فتوضأ، ثم صلّى ركعتين، ودعا ربه عز وجل، فألقى الله عز وجل على أصحابه شِبْه السُّبات، ففتح القومُ أعينَهم، فزاد الطعامُ حتى بلغ الرُّكَب، فقال عيسى صلى الله عليه وسلم للقوم: كلوا، وسَمُّوا الله عز وجل، ولا ترفعوا. وأمرهم أن يجلسوا حِلَقًا حِلَقًا، فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا، وهم خمسة آلاف رجل، وهذا ليلة الأحد ويوم الأحد، فنادى عيسى صلى الله عليه وسلم، فقال: أكلتم؟ قالوا: نعم. قال: لا ترفعوا. قالوا: لا نرفع. فرفعوا، فبلغ ما رفعوا من الفضل أربعة وعشرين مِكْتَلًا
(3)
، فآمنوا عند ذلك بعيسى صلى الله عليه وسلم، وصدَّقوا به، ثم رجعوا إلى قومهم اليهود من بني إسرائيل ومعهم فضل المائدة، فلم يزالوا بهم حتى ارتدوا عن الإسلام، فكفروا بالله، وجحدوا بنزول المائدة، فمسخهم الله عز وجل وهم نيام خنازير، وليس فيهم صبي ولا امرأة
(4)
. (ز)
بسط قصة إنزال المائدة
24362 -
عن سلمان الفارسي -من طريق أبي عثمان النهدي- قال: لما سأل
(1)
تفسير البغوي 3/ 120.
(2)
فِلَق الخبز: كِسَره. النهاية (فلق).
(3)
المِكْتَل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعًا. تاج العروس (كتل).
(4)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 518 - 519.
الحَوارِيُّون عيسى ابنَ مريمَ المائدة كَرِه ذلك جِدًّا، وقال: اقنَعوا بما رزقكم الله في الأرض، ولا تسألوا المائدة من السماء، فإنها إن نزلت عليكم كانت آيةً مِن ربِّكم، وإنما هَلَكَت ثمودُ حِينَ سألوا نبيهم آيةً، فابتُلُوا بها حتى كان بَوارُهم فيها. فأَبَوا إلا أن يَأتِيَهم بها، فلذلك قالوا:{نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} . فلما رأى عيسى أن قد أبَوا إلا أن يَدعُوَ لهم بها، قام فألقى عنه الصُّوفَ، ولَبِسَ الشعَرَ الأسود، وجُبَّةً مِن شعَرٍ، وعَباءَةً مِن شعَرٍ، ثم تَوضَّأ واغتَسَل، ودخَل مُصَلّاه، فصَلّى ما شاء الله، فلمّا قضى صلاتَه قام قائِمًا مُستَقبِلَ القِبلة، وصَفَّ قَدَمَيه حتى استَوَيا، فألصَق الكعبَ بالكعب، وحاذى الأصابعَ بالأصابع، ووضَع يدَه اليُمنى على اليُسرى فوق صدرِه، وغضَّ بصرَه، وطَأْطَأْ رأسَه خُشوعًا، ثم أرسَل عَينَيه بالبكاء، فما زالت دموعُه تَسيلُ على خَدَّيه، وتَقطُرُ مِن أطرافِ لحيتِه، حتى ابتَلَّتِ الأرضُ حِيالَ وجهِه مِن خشوعِه، فلمّا رأى ذلك دعا الله، فقال:{اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} تكونُ عظةً منك لنا، {وآية منك} أي: علامةً منك، تكونُ بينَنا وبينَك، وارزُقنا عليها طعامًا نَأكُلُه، {وأنت خير الرازقين} . فأنزل الله عليهم سُفرَةً حَمراءَ بينَ غَمامَتَين؛ غَمامةٍ فوقَها، وغَمامةٍ تحتَها، وهم ينظرون إليها في الهواء مُنقَضَّةً مِن فَلَكِ السماء تَهوِي إليهم، وعيسى يبكي خوفًا للشُّروطِ التي اتخَذ الله عليهم فيها؛ أنه يُعَذِّبُ مَن يَكفُرُ بها منهم بعدَ نزولها عذابًا لم يُعَذِّبه أحدًا مِن العالَمين، وهو يدعو اللهَ في مكانِه، ويقول: إلهي، اجعَلها رحمةً، إلهي، لا تَجعَلها عذابًا، إلهي، كم مِن عَجيبةٍ سَألتُك فأعطَيتَني، إلهي، اجعَلنا لك شاكِرِين، إلهي، أعُوذُ بك أن تكونَ أنزَلتَها غضبًا ورِجزًا، إلهي، اجعَلها سلامةً وعافيةً، ولا تَجعَلها فتنةً ومُثلَةً. فما زال يدعو حتى استَقَرَّتِ السُّفرةُ بينَ يدي عيسى، والحَوارِيُّون وأصحابُه حولَه، يَجِدون رائحةً طيبةً، لم يجدوا فيما مضى رائحةً مِثلَها قَطُّ، وخَرَّ عيسى والحواريون لله سُجَّدًا؛ شُكرًا له بما رزقهم مِن حيث لم يَحتَسِبوا، وأراهم فيه آيةً عظيمةً ذاتَ عَجَبٍ وعِبرَةٍ، وأقبَلَتِ اليهود ينظُرُون، فرَأَوا أمرًا عجيبًا أورَثَهم كَمَدًا وغَمًّا، ثم انصرفوا بغيظٍ شديدٍ، وأقبَل عيسى والحَوارِيُّون وأصحابُه حتى جَلَسوا حولَ السُّفرة، فإذا عليها مِندِيلٌ مُغَطًّى، قال عيسى: مَن أجرَؤُنا على كشفِ المنديلِ عن هذه السُّفرة، وأوثَقُنا بنفسِه، وأحسَنُنا بلاءً عندَ ربِّه، فَليَكشِف عن هذه الآية حتى نراها، ونَحمَدَ ربَّنا، ونَذكُرَ باسمِه، ونَأكُلَ مِن رزقِه الذي رَزَقَنا؟ فقال الحَوارِيُّون: يا رُوحَ الله
وكلمتَه، أنت أولانا بذلك، وأحَقُّنا بالكشف عنها. فقام عيسى، فاستَأنَف وُضُوءًا جديدًا، ثم دخَل مُصَلّاه، فصلّى بذلك رَكَعات، ثم بكى طويلًا، ودعا الله أن يأذَنَ له في الكشف عنها، ويَجعَلَ له ولقومِه فيها بركةً ورزقًا، ثم انصرف، وجلس إلى السُّفرة، وتناول المنديل، وقال: بسم الله خيرِ الرازقين. وكَشَف عن السفرة، وإذا هو عليها سمكةٌ ضخمةٌ مَشوِيَّةٌ، ليس عليها بَواسِير، وليس في جَوفِها شَوكٌ، يَسيلُ السمنُ منها سَيلًا، قد نُضِّد حولَها بقُولٌ مِن كلِّ صِنفٍ غيرَ الكُرّاث، وعندَ رأسِها خَلٌّ، وعندَ ذَنَبِها مِلحٌ، وحولَ البُقُولِ خمسةُ أرغِفَةٍ، على واحدٍ منها زيتونٌ، وعلى الآخَر ثَمَراتٌ، وعلى الآخر خمسُ رُمّاناتٍ، فقال شَمعون رأسُ الحَوارِيِّين لعيسى: يا رُوحَ الله وكلمتَه، أمِن طعامِ الدنيا هذا، أم مِن طعامِ الجنة؟ فقال: أما آن لكم أن تَعتَبروا بما تَرَون مِن الآيات، وتَنتَهوا عن تَنقِيرِ المسائل، ما أخوَفَني عليكم أن تُعاقَبوا في سبب هذه الآية. فقال شمعون: لا وإلهِ إسرائيلَ، ما أردتُ بها سُوءًا، يا ابنَ الصِّدِّيقة. فقال عيسى: ليس شيءٌ ممّا تَرَون عليها مِن طعامِ الجنة، ولا مِن طعام الدنيا، إنما هو شيءٌ ابتَدَعه اللهُ في الهواءِ بالقُدرةِ الغالِبَة القاهِرَة؛ فقال له: كُن. فكان أسرعَ مِن طرفةِ عين، فكُلُوا مما سَألتُم باسم الله، واحمدُوا عليه ربَّكم، يُمِدَّكم منه ويَزِدكم، فإنه بَديع قادر شاكر. فقالوا: يا روح الله وكلمته، إنّا نحبُّ أن تُرِيَنا آيةً في هذه الآية. فقال عيسى: سبحان الله، أما اكتَفَيتُم بما رأَيتُم مِن هذه الآية حتى تَسأَلوا فيها آيةً أُخرى! ثم أقبَل عيسى على السمكة، فقال: يا سمكةُ، عُودي بإذنِ اللهِ حيَّةً كما كُنتِ. فأحياها اللهُ بقُدرتِه، فاضطَرَبَت وعادت بإذنِ الله حَيَّةً طَرِيَّةً، تَلَمَّظُ كما يَتَلَمَّظُ الأسد، تدُورُ عَيناها، لها بَصيصٌ، وعادت عليها بَواسِيرُها، ففَزِع القومُ منها وانحاسوا
(1)
، فلمّا رأى عيسى ذلك منهم فقال: ما لكم تَسأَلون الآيةَ، فإذا أراكُمُوها ربُّكم كَرِهتُمُوها؟! ما أخوَفَني عليكم أن تُعاقَبوا بما تَصنعون، يا سمكةُ، عُودِي بإذن الله كما كُنتِ. فعادتْ بإذن الله مشويَّةً كما كانت في خَلقِها الأول، فقالوا لعيسى: كُن أنت يا رُوحَ اللهِ الذي تَبدَأُ بالأكلِ منها، ثم نحنُ بعدُ. فقال: مَعاذَ اللهِ مِن ذلك، يَبدَأُ بالأكلِ مَن طَلَبَها. فلَمّا رأى الحَوارِيُّون وأصحابُهم امتِناعَ نبيهم منها خافوا أن يكونَ نزولها سُخطَةً، وفي أكلِها مُثلَةً، فتحامَوها، فلمّا رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراءَ والزَّمنى، وقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم،
(1)
حاسوا وجاسوا، بِمَعنًى واحد: يذهبون ويجيئون. اللسان (جوس).
واحمَدوا اللهَ الذي أنزَلَها لكم؛ ليكون مَهناها لكم وعقوبتُها على غيرِكم، وافتَتِحوا أكلَكم باسم الله، واختِموه بحمدِ الله. ففعلوا، فأكل منها ألفٌ وثلاثُمائةِ إنسان، بين رجلٍ وامرأةٍ، يَصدُرون عنها كلُّ واحدٍ منهم شبعان يَتَجَشَّأُ، ونظَر عيسى والحَوارِيُّون فإذا ما عليها كهيئةِ إذ نَزَلَت مِن السماء، لم يُنتَقَص منه شيءٌ، ثم إنها رُفِعَت إلى السماء وهم يَنظُرون، فاستَغنى كلُّ فقيرٍ أكَل منها، وبَرِئ كلُّ زمنٍ منهم أكَل منها، فلم يزالوا أغنياءَ صِحاحًا حتى خرَجوا مِن الدنيا، ونَدِم الحَواريُّون وأصحابُهم الذين أبَوا أن يَأكُلوا منها نَدامةً سالت منها أشفارُهم، وبَقِيتْ حَسرتُها في قلوبِهم إلى يوم الممات. قال: فكانتِ المائدةُ إذا نَزَلَتْ بعدَ ذلك أقبَلَت بنو إسرائيلَ إليها مِن كلِّ مكانٍ يَسعَون، يُزاحِمُ بعضُهم بعضًا، الأغنياءُ والفقراء، والنساءُ والصِّغارُ والكِبار، والأصِحّاءُ والمرضى، يرَكَبُ بعضُهم بعضًا، فلما رأى عيسى ذلك جَعَلَها نُوَبًا بينَهم، فكانت تَنزِلُ يومًا ولا تَنزِلُ يومًا، فلَبِثوا في ذلك أربعين يومًا، تَنزِلُ عليهم غِبًّا عندَ ارتفاعِ الضُّحى، فلا تَزالُ موضوعةً يُؤكَلُ منها، حتى إذا قالوا ارتَفَعَت عنهم بإذن الله إلى جوِّ السماء، وهم يَنظُرُون إلى ظِلِّها في الأرضِ حتى تَوارى عنهم، فأوحى اللهُ إلى عيسى: أنِ اجعَل رزقي في المائدة لليَتامى والفقراءِ والزَّمنى، دُونَ الأغنياء مِن الناس. فلما فعَل اللهُ ذلك ارتاب بها الأغنياءُ، وغَمَصوا
(1)
ذلك، حتى شَكُّوا فيها في أنفسِهم، وشَكَّكوا فيها الناس، وأذاعوا في أمرِها القبيحَ والمنكرَ، وأدرَك الشيطانُ منهم حاجَتَه، وقذَف وسْواسَه في قلوبِ المرتابين، حتى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة ونزولها مِن السماء حقٌّ؛ فإنه ارتاب بها بشرٌ منّا كثيرٌ؟ قال عيسى: هلَكتُم، وإلهِ المسيح، طَلَبتُم المائدةَ إلى نبيكم أن يَطلُبَها لكم إلى ربِّكم، فلما أن فعل وأنزَلَها الله عليكم رحمةً ورزقًا، وأَراكم فيها الآياتِ والعِبَر؛ كَذَّبتم بها، وشَكَكتُم فيها! فأبشِروا بالعذاب، فإنه نازِلٌ بكم إلا أن يَرحَمَكم الله. وأوحى اللهُ إلى عيسى: إنِّي آخِذٌ المكذِّبين بشَرطي، فإنِّي مُعذِّبٌ منهم مَن كفَر بالمائدةِ بعدَ نزولها عذابًا لا أُعَذِّبُه أحدًا مِن العالمين. فلمّا أمسى المرتابون بها، وأخَذوا مَضاجِعَهم في أحسَن صورةٍ من نسائِهم آمِنِين، فلما كان مِن آخِرِ الليلِ مَسَخَهم اللهُ خنازير، وأصبَحوا يَتتبعون الأقذارَ في الكُناسات
(2)
. (5/ 594)
(1)
عند ابن أبي حاتم: «غمطوا» . وكلاهما بمعنى الاستهانة والاستحقار. ينظر: النهاية (غمص، غمط).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1244 - 1255، وأبو الشيخ في العظمة (1011). وعزاه السيوطي إلى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وأبي برك الشافعي في فوائده المعروفة بالغَيلانيات.