الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
442 - ما يحصل به الفضل الوارد في تفطير الصائم:
- قال ابن مفلح: («ومن فطَّر صائمًا فله مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء» صحّحه الترمذي من حديث زيد بن خالد، وظاهر كلامهم: من أيِّ شيء كان، كما هو ظاهر الخبر، وكذا رواه ابن خزيمة من حديث سلمان الفارسي، وذكر فيه ثوابًا عظيمًا إن أشبعه. وقال شيخنا: مراده بتفطيره أن يشبعه)[الفروع 3/ 73 (5/ 37)]
(1)
.
443 - من أكل في نهار رمضان ناسيا:
444 -
ومن أكل يظنه ليلا فبان نهارا:
- قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وأما من أكل في صومه ناسيًا، فمن قال: عدم فطره ومضيه في صومه على خلاف القياس= ظن أنه من باب ترك المأمور ناسيًا، والقياس أنه يلزمه الإتيان بما تركه، كما لو حدث
(2)
ونسي حتى صلى.
والذين قالوا: بل هو على وفق القياس= حجتهم أقوى، لأن قاعدة الشريعة: أن من فعل محظورًا ناسيًا فلا إثم عليه، كما دل عليه قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء، وقال:«قد فعلت» ، وإذا ثبت أنه غير آثم، فلم يفعل في صومه محرمًا، فلم يبطل صومه، وهذا محض القياس، فإن
(1)
«الاختيارات» للبعلي (161).
(2)
كذا، ولعلها:(أحدث).
العبادة إنما تبطل بفعل محظور، أو ترك مأمور.
وطرد هذا القياس أنّ من تكلّم في صلاته ناسيًا لم تبطل صلاته، وطرده أيضًا أنّ من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيًا لم يبطل صيامه ولا إحرامه، وكذلك من تطيّب أو لبس، أو غطى رأسه، أو حلق رأسه، أو قلم ظفره ناسيًا= فلا فدية عليه، بخلاف قتل الصيد، فإنه من باب ضمان المتلفات، فهو كدية القتيل، وأما اللباس والطيب: فمن باب الترفه، وكذلك الحلق والتقليم ليس من باب الإتلاف، فإنه لا قيمة له في الشرع، ولا في العرف.
وطرد هذا القياس أنّ من فعل المحلوف عليه ناسيًا لم يحنث ــ سواء حلف بالله، أو بالطلاق، أو بالعتاق، أو غير ذلك ــ، لأن القاعدة: أن من فعل المنهي عنه ناسيًا لم يعد عاصيا، والحنث في الأيمان كالمعصية في الإيمان
(1)
، فلا يعد حانثا من فعل المحلوف عليه ناسيًا.
وطرد هذا أيضًا أنّ من باشر النجاسة في الصلاة ناسيًا لم تبطل صلاته، بخلاف من ترك شيئًا من فروض الصلاة ناسيًا، أو ترك الغسل من الجنابة، أو الوضوء أو الزكاة أو شيئا من فروض الحج ناسيًا= فإنه يلزمه الإتيان به، لأنه لم يؤد ما أمر به، فهو في وقت عهدة الأمر.
وسِرُّ الفرق: أن من فعل المحظور ناسيًا يجعل وجوده كعدمه، ونسيان ترك المأمور لا يكون عذرًا في سقوطه، كما كان فعل المحظور ناسيًا عذرا في سقوط الإثم عن فاعله.
(1)
في «الفتاوى» : (كالمعصية في الأمر والنهي).
فإن قيل: فهذا الفرق حجة عليكم، لأن ترك المفطرات في الصوم من باب المأمورات، ولهذا تشترط فيه النية، ولو كان فعل المفطرات من باب المحظور لم يحتج إلى نية كفعل سائر المحظورات.
قيل: لا ريب أن النية في الصوم شرط، ولولاها لما كان عبادة، ولا أثيب عليه، لأن الثواب لا يكون إلا بالنية، فكانت النية شرطا في كون هذا الترك عبادة، ولا يختص ذلك بالصوم، بل كل ترك لا يكون عبادة، ولا يثاب عليه إلا بالنية، ومع ذلك فلو فعله ناسيًا لم يأثم به، فإذا نوى تركها لله، ثم فعلها ناسيًا لم يقدح نسيانه في أجره، بل يثاب على قصد تركها لله، ولا يأثم بفعلها ناسيًا، وكذلك الصوم.
وأيضا فإن فعل الناسي غير مضاف إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :«من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» فأضاف فعله ناسيًا إلى الله، لكونه لم يرده، ولم يتعمده؛ وما يكون مضافا إلى الله لم يدخل تحت قدرة العبد، فلم يكلف به، فإنه إنما يكلف بفعله، لا بما يفعل فيه، ففعل الناسي كفعل النائم والمجنون والصغير، وكذلك لو احتلم الصائم في منامه، أو ذرعه القيء في اليقظة لم يفطر، ولو استدعى ذلك أفطر به، فلو كان ما يوجد بغير قصده كما يوجد بقصده لأفطر بهذا وهذا.
فإن قيل: فأنتم تفطرون المخطئ، كمن أكل يظنه ليلًا فبان نهارًا أفطر.
قيل: هذا فيه نزاع معروف بين السلف والخلف، والذين فرقوا بينهما قالوا: فعل المخطئ يمكن الاحتراز منه، بخلاف الناسي، ونقل عن بعض السلف: أنه يفطر في مسألة الغروب، دون مسألة الطلوع، كما لو استمر الشك.
قال شيخنا: وحجة من قال لا يفطر في الجميع أقوى، ودلالة الكتاب والسنة على قولهم أظهر، فإن الله سبحانه سوّى بين الخطأ والنسيان في عدم المؤاخذة، ولأن فعل محظورات الحج يستوي فيه المخطئ والناسي، ولأن كل واحد منهما غير قاصد للمخالفة.
وقد ثبت في «الصحيح» أنهم أفطروا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم طلعت الشمس، ولم يثبت في الحديث: أنهم أمروا بالقضاء، ولكن هشام بن عروة سئل عن ذلك، فقال: لا بد من قضاء. وأبوه عروة أعلم منه، وكان يقول: لا قضاء عليهم.
وثبت في «الصحيحين» : أن بعض الصحابة أكلوا حتى ظهر لهم الخيط الأسود من الأبيض، ولم يأمر أحدًا منهم بقضاء، وكانوا مخطئين.
وثبت عن عمر بن الخطاب أنه أفطر، ثم تبين النهار، فقال: لا نقضي، لأنا لم نتجانف لإثم. وروي عنه أنه قال: نقضي. وإسناد الأوّل أثبت، وصحّ عنه أنه قال: الخطب يسير. فتأول ذلك من تأوله على أنه أراد خفة أمر القضاء، واللفظ لا يدل على ذلك.
قال شيخنا: وبالجملة، فهذا القول أقوى أثرًا ونظرًا، وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس.
قلت له: فالنبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل يحتجم، فقال:«أفطر الحاجم والمحجوم» ولم يكونا عالمين بأن الحجامة تفطر، ولم يبلغهما قبل ذلك قوله:«أفطر الحاجم والمحجوم» ولعل الحكم إنما شرع ذلك اليوم؟
فأجابني بما مضمونه: أن الحديث اقتضى أن ذلك الفعل مفطر، وهذا