الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستيفاء، كما أنه مشروط بالعلم بالوارث، فلو مات من له عصبة بعيدة لا يعرف نسبه لم يرثه في الدنيا ولا الآخرة، وهذا عام في حق الله، والعبد مشروط بالتمكين من العلم والقدرة، والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم، قال عليه السلام لما تعذر رب اللقطة:«هي مال الله يؤتيه من يشاء» ، قال أحمد: الدعاء قصاص، ومن دعا على من ظلمه فما صبر، يريد أنه انتصر {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] وأجره أعظم، ويعزه الله ولا يذله، والله أعلم). [الفروع 4/ 527 ــ 528 (7/ 266 - 267)]
(1)
.
وانظر: ما تقدم في المسألة رقم
(833).
838 -
أخذ حقه من الغير بغير رضا من عليه الحق:
- قال ابن القيم: (وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه يجوز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق.
قال شيخنا: وهذه الحجة ضعيفة، فإن يوسف عليه السلام لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه، ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال: قد اقتص منه، وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك، نعم كان تخلفه عنهم مما يؤذيهم لتأذي أبيهم، وللميثاق الذي أخذه عليهم، وقد استثنى في الميثاق بقوله:{إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] وقد أحيط بهم، ويوسف عليه السلام لم يكن قصده باحتباس أخيه الانتقام من إخوته، فإنه كان أكرم من هذا، وإن كان في ضمن ما فعل من تأذي أبيه أعظم من أذى
(1)
انظر: «الاختيارات» للبعلي (241).
إخوته، فإنما ذلك أمر أمره الله تعالى به ليبلغ الكتاب أجله، ويتم البلاء الذي استحق به يوسف ويعقوب عليهما السلام كمال الجزاء وعلو المنزلة، وتبلغ حكمة الله تعالى التي قدرها وقضاها نهايتها.
ولو فرض أن يوسف عليه السلام قصد الاقتصاص منهم بما فعل= فليس هذا بموضع خلاف بين العلماء، فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وإنما موضع الخلاف: هل له أن يخونه كما خانه، أو يسرقه كما سرقه؟ ولم تكن قصة يوسف عليه السلام من هذا النوع.
نعم لو كان يوسف عليه السلام أخذ أخاه بغير أمره= لكان لهذا المحتج شبهة، مع أنه لا شبهة له أيضًا على هذا التقدير، فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه: كان في هذا ابتلاء من الله تعالى لذلك المعتقل، كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، فيكون المبيح له على هذا التقدير وحيا خاصا، كالوحي إلى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، وتكون حكمته في حق الأخ امتحانه وابتلاءه لينال درجة الصبر على حكم الله، والرضا بقضائه، ويكون حاله في هذا كحال أبيه يعقوب عليه السلام في احتباس يوسف عليه السلام عنه.
وقد دل على هذا: نسبة الله سبحانه ذلك الكيد إلى نفسه بقوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: 76] وهو سبحانه ينسب إلى نفسه أحسن هذه المعاني، وما هو منها حكمة وحق وصواب، وجزاء للمسيء، وذلك غاية العدل والحق، كقوله:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15 ـ 16]، وقوله:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، وقوله:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15]، وقوله:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]، وقوله:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183]، فهذا منه سبحانه في أعلى مراتب الحسن، وإن كان من العبد قبيحًا سيئًا، لأنه ظالم فيه، وموقعه بمن لا يستحقه، والرب تعالى عادل فيه موقعه بأهله ومن يستحقه، سواء قيل: إنه مجاز للمشاكلة الصورية، أو للمقابلة، أو سماه كذلك مشاكلة لاسم ما فعلوه، أو قيل: إنه حقيقة، وإن مسمى هذه الأفعال ينقسم إلى مذموم ومحمود، واللفظ حقيقة في هذا وهذا) [إغاثة اللهفان 2/ 152 ــ 153]
(1)
.
(1)
«بيان الدليل» (211 - 213) مع بعض الاختلاف، وانظر:«الفتاوى» (30/ 150، 371 - 375).